ادب وفن

تكنيك القص والمفارقة في قصص فرج ياسين القصيرة جدا - القسم الثاني - / محمد يونس

ان القصة القصيرة جدا في مفترض مجازي، حيث انها كيان بشري مكتوب، لأنها عادة شخصيتها واحدة وزاوية القص كذلك، ووجهة نظر الشخصية ازاء الحدث ستكون واحدة، فما هو المتخيل ادبيا، انه ليس العقدة حتى ، وانما هو ما يجعل الشخصية اكثر تندرا وغرابة ، وبالتالي سيتاح للمفارقة ان تجعل العقدة ايسة من الحل، ونجد ان قصة (الموجة ) تتميزبشخصيتها التي يمكن ان نقول من جهة هي لا ارادية. حيث هناك صبي يحلم ببناء قصر، وطبعا دلالة مفردة (قصر) هي تاكيد على الخيال الحيوي للطفل، والذي يسمو فيه الحلم، فيكون ما يبني من رمل هو قصر، وتلك المفردة ارتكزت عليها القصة ، وكون المفردة دلالية اغنت كيان القصة وجعلت المفارقة لم تهدم رملا بني بعفوية، بل هي هدمت ذلك القصر السامي داخل الخيال الخصيب، وميزة القاص تتجلى ابداعيا هنا، حيث داخل كيان قصة من عدة اسطر انهار، قصرا، مهابا، ووعي القاص وتجربته القصصية كانتا واضحتين في ميزة البناء القصصي واختيار المفردة الاكثر والاوسع دلالة وحضورا، كان بدقة متناهية، وانبثاق? داخل كيان القصة السريعة السرد والهادفة الى نتيجة اخرى غير انهيار الرمل، وسخرية القاص كانت ليس من الاحلام بل من الاقدار، فكانت القصة جملة عذبة برغم الشجن والتحسر اللتين يشعر بهما التلقي، وكانت القصة ارسطية المنحى ايضا، وهذا ما يضفي عليها بعدا حيويا من المتعة والاقناع والتشويق.
ان فرج ياسين يقدم انموذجه المتميز انثربولوجيا، ويتيح له ان يتغلغل فنيا في ثنايا النص ، لتكتمل مواصفات قصته القصيرة جدا،وهو يدرك ان القصة القصيرة جدا تريد وعياً ابتكارياً يواجه المحاكاة النسبية للواقع ، وطبيعي سيصدمها ذلك الوعي الابتكاري، الذي هو يمثل الضربة او عنصر المفارقة، وفي قصة (سراب) تغير الايقاع القصصي الى مستوى حساس الى حد ما، فالقصة احادية الشخصية ، لكن تشوبها بعض المعطيات الحسية ، مثل فتح صندوق قديم فيه تذكارات صبا ومراهقة. يختلف محتواها، قصور كمال الاجسام والممثلين واحسن القاص بذكر الاسماء ، فبذ?رها استعاد زمن الصبا، والقصة شفيفة حتى في المفارقة، وربما اراد القاص فرج ياسين اعطاء نكهة خاصة في كيان كل قصة من جهة، ونكهة عامة ترتبط باطار الجنس القصصي، وميزة تلك القصة ترتبط بالذاكرة، وطبعا باستعادتها يكتسب النص القصير جدا مستوى حسياً، وبلاغة الذاكر ادبيا ذات طبيعة تتصاعد فيها الشجون، ولكن دون ان تحاج التمظهر، وحجم تلك القصة القصيرة جدا رغم قصره نسبيا بدا فضفاضا الى حد ما عبر التصعيد الشجني وتماهي الاحاسيس، فزمن الماضي يبث في زمن الحاضر في القصة تلك اللسعة المؤثرة, وهذا ما جعل القاص لايواجهنا بمفارقة صا?قة وجادة في صدمتها، وفرج ياسين يعي عبر الاداء المنظم كيف يجعل نصه القصير جدا ببلاغة ادبية وميزة جمالية، والاعتبار الموضوعي ازاء نص عميق وهو لايتجاوز العشرة اسطر، مؤكداً هو معتبر في تقييمه، وكما لا يغادر الاشادة، وعلينا ان نكون غير محددين وعينا النقدي ازاء انثربولوجيا النص فقط، وفنيا لابد من التمعن في مجمل كيان النص شكلا ومضمونا، فهدف النص ليس محددا ، وهذا ما يجب التعرف عليه، وما اكثر الاهداف في قصص فرج ياسين القصيرة جدا، ويلحظ ذلك بالتنوع الحيوي في الثيم، وابتكار وجود بشري يتلاءم مع حيثيات القصة القصيرة جد?، وبث المفارقة الجدية وغير المعهودة، لكن هي فاعلة اجتماعيا، وهي ذات قوة صادمة لايمكن تحاشيها من قبل المتلقي، الذي يجبر على التعايش مع النص.
احيانا تجد في قصص فرج ياسين القصيرة جدا ما يتجاوز التسمية الى تسمية اخرى ، حيث لا يفقد الاطار القصصي للجنس تمثله المحدد، ويبقى الجنس بتمام حدود بعده الفني، ولكن شكل وجحم القصة يحيل الى تسمية مفترضة ، واعتقد ان القصة القصيرة جدا، اذا لم تتجاوز ستة اسطر هي ضامرة ، واسماها المختصون بالكبسولة القصصية،وقد كتب كبار طاقم الإبداع العالمي قصصاً ضامرة، مثل همنكواي وبورخس وغيرهما، ومثلما تميز فرج ياسين في حرصه على بناء قصة قصيرة جدا متميزة وقيمية بناء وثيمة ومفارقة، اكد ذات الحرص في القصة الضامرة او الكبسولة القصصية،?فنجد في قصته الجميلة ( تصحيح ) ، قدم بمجمل مكونات القصة ميزة امتاعية، حيث ان لغة القص ساحرة ، فكانت كما حبات مسبحة محددة بنظامها في القص، وايقونية من جهة ومن أخرى عضوية، وبرغم انك امام فكرة وجودية متأصلة في النسق التاريخي، لكنها داخل كيان قصة لم تتجاوز ستة اسطر، كانت طرية ببعدها الايقونية، ومحددة الملمح ببعدها العضوي، وهذا ما جعل القصة كنهر يناسب بهدوء، والمعنى القصصي كان كسماء منعكسة على وجه الماء المنساب، وتطور الحدث تصاعديا حتى يبلغ الذروة، وحينها سقطت التفاحة ، وهذا يعني ان الخطيئة هي قد كانت ضربة او م?ارقة ، حيث ان العاشقين كانا منسجمين روحيا ولا يعتما للرغبة، لكن طبيعة القصة الضامرة هي ذات ما متطبعة عليه توأمها الاكبر، حيث لابد من مفارقة ، وفرج ياسين دقيق ومنظم ولا يجعل قصته تتعدى حدود الجنس القصصي القصير جدا، لكنه كان متميزاً في استعارة نسق التاريخ ليقابل النسق الوجودي للنص القصصي، وكانت قصته الضامرة ( تصحيح ) في واقعها تعاكس ما يوحي اليه العنوان القصصي من وجهة نظر عامة وتاريخية، ولكن تتفق معه من حيث وجهة النظر القصصية، وتلك القصة والقصص الأخرى كانت غاية في مستوى متقدم في الإبداع القصصي، وقيم فنية ترس? ملامح الجنس القصصي القصير جدا، ورؤية ناضجة انثربولوجيا للثيم النصية بخطاب سوسيولوجي، وعبق نكهة قصصية قلما تجد له نظير، واما المتعة القصصية فكانت تتعدى حدود التلقي المرتطبة بالقارىء الضمني، الى حدود القارىء العام ، بل هي تلامس كيان وروح المجتمع وتحاوره وتنقد وتستفسر، وهنا تتجلى الاهمية القصوى في القص ، ان يكون من احد الجوانب هو كما بحث اجتماعي باطار ادبي، وعلى المستوى الجمالي كانت لغة القص تجذب البعد الاستاطيقي نحوها، لذا كانت ثنايا القصص تبرق وتشع بطيف جمالي، جعلها غاية في المتعة الحيوية وساحرة للوجدان، و?ضع تجربة فرج ياسين في القصة القصيرة جدا في مكانة متقدمة جدا على المستوى العربي وليس في حدود الأدب العراقي فقط .