ادب وفن

إبراهيم العبدلي: الرسم هو هويتي الأولى (2-2) / حاوره: وديع شامخ

هل الغناء يشكل جناحا مهما في تجربة العبدلي، أم انه مجرد هواية؟، ما هي هويتك الأولى الغناء أم الرسم؟

طبعا الرسم هو هوايتي الأولى.. ولكني للتأريخ أذكر أنني كنت متعدد المواهب ومنها التمثيل والغناء، كتابة السيناريو، إذ يمكن القول أني نتاج سياق حضاري ثقافي متنوع وهذا التعدد أثرى موهبتي وطور ثقافتي.. فعندما كنت طالبا في أكاديمية الفنون الجميلة كنت مولعا بالتمثيل وللأسف تركته بعد حادثة أثرت بيّ كثيرا.. في ذاك الزمن كان مدير عام الإذاعة والتلفزيون هو محمد سعيد الصحاف.. آخر وزير إعلام عراقي لنظام "صدام حسين".. فقد قرر منع تمثيلية كنا قد عملناها وكانت حجته أن ثيمة التمثيلية " كيكة" الرئيسية ذات أفكار شيوعية!، بينما كانت التمثيلية تنتمي الى الفقراء وتنتصر لقضاياهم الإنسانية دون سياسة إطلاقا.. ولقد تركت التمثيل نهائيا بعد هذه الحادثة.. وأما الغناء فهو هوايتي المحببة إلى نفسي.. وأنا لست مطربا محترفا بل أنا هاوٍ للغناء وعاشق للمقام العراقي وكنت قد حصلت على إشادة كبار قراء المقام بصوتي وأدائي ومنهم الفنان الكبير حسين الأعظمي.. كما صاحبت كبار الموسيقيين والمطربين منهم: سالم حسين، وسلمان شكر، وغانم حداد، ونصير شمة، وعلي الامام، ومحمد زكي، والفنان الملحن والمطرب عباس جميل، وفريدة محمد علي.

لكل فنان مصادر فكرية ومكانية وروحية، ما هي مرجعيات العبدلي؟

كان الرائد الانطباعي العراقي أكرم شكري الذي رجع من دراسته في الغرب أواسط الأربعينيات أول من أثر بيّ، ومنذ دراستي الثانوية كنت أحلم أن أصبح رساما ولكن كنت أعمل في صيانة الآثار وأنا لم أزل شابا لم أدرس الفن لكن موهبتي كانت حاضرة وقد رآني أكرم شكري في مختبر صيانة الآثار في المدرسة المستنصرية عام 1959- 1960. وقال بالحرف الواحد: "لو كانت لديّ يد مثل هذه - وأشار إلى يدي- لما احتجت لأحد "وهذا ما آثار في نفسي تساؤلات مهمة وحفزني كثيرا لأنها شهادة مهمة جدا من فنان كبير.. لقد كان أكرم شكري الشرارة الأولى التي أطلقت موهبتي واعترفت بها.. بعدها حسمت قراري بولوج عالم الفن وذلك بدخولي أكاديمية الفنون الجميلة  بغداد وتأثرت بالفنان اليوغسلافي " لازسكي" الذي درسنا " الفن الجداري والإنشاء البصري" وكان مثقفا جدا. كما تأثرت بالأستاذ البولوني " أتوموفسكي " الذي درسنا الكرافيك وهو علم من أعلام الفن البولوني.. كما كان للراحل الكبير فائق حسن دور في تعليمي استعمال الفرشاة على الباليته وخلط الألوان.. وللتاريخ أذكر أن خالد الجادر هو الذي أسس أكاديمية الفنون الجميلة 1960 في العيواضية وجاء بأفضل الأساتذة للتدريس فيها، وبعدها جاءت مجزرة 8 شباط عام 1963 لتلغى الأكاديمية وتسمى أكاديمية الفنون الملغاة وبعدها تم الانتقال إلى موقع الوزيرية.. وأذكر أن الفنان فائق حسن وهو أستاذنا وكان لا يصحح لي أبدا. كما أنني من جماعة بغداد للفن الحديث وكان من زملائي في الدراسة سالم الدباغ وليلى العطار، خضر جرجيس، شاكر حمد، علي طالب..... أما مكانيا فكان للبيئة البغدادية أثرها الواضح في تجربتي وكذلك البيئة الريفية التي حضرت في جانب من تجربتي أيضا.. وبعد فترة الدراسة تأثرت بكلود مونيه الفرنسي الانطباعي، وفان كوخ، وسيزان.

رسمت الحرب بطريقة إنسانية وفنية عالية " واقعية" لم تتلوث بمعطيات الصوت التعبوي وإبراز رموز قادة أو ملامح عسكرتارية وكما يقول الناقد عادل كامل:" إن العبدلي لا يذكرنا برسومات فنانين أمثال " بوش أو غويا أو دوميه، أو بالتعبيرين الألمان في استلهام ويلات الحروب ولا يذكرنا بجورنيكا بيكاسو بوصفها نصا آيدولوجيا؟
لم أتعامل مع الحرب بشكل تعبوي إطلاقا ولم ارسم أي عمل للحرب بطلب من أحد.. لقد رفضت الحرب لأنها دمار وقسوة.. وقد دعي رسامون مثل " سعدي عباس، سالم الدباغ، سلمان عباس وغيرهم الكثير " لرسم لوحات "لقادسية صدام" مقابل أجور عالية جدا وكذا عمل الكثيرون المنحوتات التي تمجد الدكتاتور والحرب فوافقوا ولكنهم لم يعرفوا ان يرسموا دبابة مثلا فاستعانوا بفنانين آخرين لتنفيذ الأعمال.... ولكني لم أتورط إطلاقا في هذا المناخ التعبوي والحربي. بينما رسمت لوحة " الجندي " و" نطاق العريس" وهي لوحات رمزية عن الجندي العائد من حرب 1973 ورسمتها بطريقة فنية خاصة دون أن أتلقى أمرا من أحد أو أخذ أجورا ولا من موقف آيدلوجي مسبق.

عرفت أنك تساهم في نقل الفن الى حقل العلاج النفسي للأطفال المتضررين من الأحداث في العراق.. حدثنا عن هذه التجربة.

نعم هناك منظمة إنسانية ومقرها عمان طلبت مني المساهمة لتقديم العون للأطفال العراقيين المتضررين جراء أحداث العنف، وكانت مساهمتي بإعطاء دروس في الفن دون مقابل مادي إطلاقا. وهو نوع من المعالجة النفسية للأطفال وكنت فرحا جدا بأداء دور لخدمة الأطفال العراقيين والتقليل من مشاكلهم الصحية من خلال الفن. وقد وجدت الأطفال قد أحبوا الألوان وقد ساعدتهم على تخطي العديد من حالات الحزن والاكتئاب التي تصيبهم. وأنا مستعد وبشكل دائم لخدمة بلدي في أي ّعمل إنساني، كما تبرعت بلوحات لدعم أطفال العراق.

كيف رأيت أهدار ثروات البلاد في مجال الفن والمخطوطات والمنحوتات ونفائس اللقى في متاحف العراق بهذه الطريقة الوحشية؟

هذا موضوع مثير للحزن الشديد.. لأن اللصوص تكاتفوا على حرق الذاكرة الجمالية العراقية.. الأمريكان والصهاينة كان لهم دور كبير، كما أن غباء المسؤولين عن الثقافة في العراق والذين فضلوا حماية السيارات بدلا من حماية التراث العراقي الثمين.. على العكس تماما مما حدث في أوربا في الحرب العالمية الثانية حيث حفظوا كنوز بلادهم في صناديق مقفلة وأودعوها في الأنفاق. ومن المفرح أن نذكر أن مديرة المكتبة في البصرة نقلت محتويات المكتبة إلى بيتها لتعيدها لاحقا الى الدولة.. كما لابد من الإشادة بجهود الأستاذ أسامة النقشبندي " مدير عام المخطوطات " حيث حفظ المخطوطات النفسية في بيته وأرجعها لاحقا..كما أن النظام السابق قد ساهم هو الآخر بشكل مبكر في سرقة آثار العراق وتهريبها للخارج، وهذا يعني أن الفن والآثار لا قيمة لهما عند الأنظمة الدكتاتورية.. لذا فأنا أطالب بحملة وطنية لإعادة كلّ مقتنيات المتحف الوطني العراقي وملاحقة قانونية جادة للمفسدين واللصوص جميعا.

خاتمة الكلام. كيف وجدت سيدني المدينة/ وكيف رأيت الجالية العراقية تحديدا؟

سيدني مدينة جميلة جدا والجالية العراقية أكرموني جدا ورحبوا بيّ .. ولكن المشكلة التي وجدتها أن الاختلافات والتكتلات الحزبية والمذهبية والطائفية والقومية للأسف تشكل إنعكاسا لحالة التشظي السياسي والمحاصصي في المشهد السياسي العراق.. أتمنى أن يكون العراق بخير ليعكس المهاجر العراقي الصورة الجميلة لبلده.. أسجل شكري وتقديري لكل الجهات والشخصيات التي التقيت بهم في سيدني.