ادب وفن

قراءة نقدية للمجموعة الشعرية "انقذوا أسماكنا من الغرق" للشاعر رعد زامل ..القسم الثاني والأخير.. / عباس باني المالكي

الشاعر هنا يعطي إشارة بأن الكثير من التهم التي توجه بشكل لا يستند الى حقيقة جوهرية تعتمد على المظاهر الخارجية , فالحياة لا يمكن أن تكون إذا لم تقيم من أسرارها العميقة الموحية بحقيقتها الثابتة, فالمظاهر حركة متغيرة لا يمكن أن نعطيها المسميات الوجودية استنادا على مظاهرها . والحياة في هذه الحالة تصبح فوضى لا فعل فيها على قيمها الحقيقية, والشاعر أعطى المعنى الانزياحي في تحقيق الاستعارة الذاتية كرمز للحياة (لا أحمل رائحة للفتنة / وليس في ملامحي / ما يثير الشبهات / غير أن الثعالب والعيون / تلاحقني في الأزقة / فقط لأن / قميصي مطرز بالعنب ) أعتبر أن الذات هي الرامزة لكل حركاتها وأفعالها والتي تتحقق من خلال انعكاسها على المعنى في حركة الذات الإنسانية لأن كل شروط الحياة إذا لم تحتو هذه الشروط تعتبر خارجة عن معنى الحياة نفسها لأن الذات الإنسانية ما هي إلا القيم الحية في شرطية? التناظر الحي مع الحياة ومعناها , لأن كل المسميات التي خارج رموز الإنسان الوجودية لا يمكن أن نعطيها قيمها إذا لم تتطابق مع ذاته , وقد استند على الذات كبعد وجودي إدراكي في تركيب ذهنية الصور في الجملة الشعرية , وهنا يؤكد أن قيمة الشاعر هي في كونه لا يحمل رائحة الفتنة التي تثير الشبهات بل يحمل رائحة الحياة التي تسعى إلى تثبيت هذا الجمال الذي تلاحقه العيون , وهذه دلالة أن الجمال الذي يدركه الشاعر لا يدركه الآخرون وهذا ما يجعل الشاعر يعيش العزلة عن الوسط الذي يعيشه ...
ص 87 في نص بطاقة تعريف
(أنا شاعر مغمور /تحت موجة ولدت / بالحبل السري مرتبط / كنت أكثر من نهر / ولدت أحدب من الحزن / وعلى ظمأ ترعرعت)هذا النص ما هو إلا امتداد لكل الصور الإدراكية في الإرهاصات السيكولوجية المتخيلة والتي تبنى على الخلاص الفردي من خلال خلاص المجتمع حيث أن الشاعر ما هو الا الإنسان المعبر عن إشكاليات الحياة ضمن المجتمع لهذا يشعر أن التطلع الى العالم الخارجي العالم المهشم والذي تتشظى فيه الأشياء والموجودات بعيدا عن قيمها , ويصبح هذا العالم عالم العزلة والضبابية في الأفكار والقيم والأحلام وتتناثر فيه ?لصور والمرئيات الحية , حيث يحدد هوية الشاعر وكيفية حدوث ولادة هذا الشاعر , فقد يكون هذا الشاعر مغموراً لأنه يمتلك الحياة الحقيقية وما النهر إلا حركة الحياة الحية التي تعطي الكثير ولا تأخذ (تحت موجة ولدت / بالحبل السري مرتبطا / كنت أكثر من نهر ) برغم أنه يعيش الظمأ والحرمان وكأن الشاعر لا يولد إلا وسط كل هذا، يعطي ولا يأخذ، بالتحول عنده فعل العطاء في حركته المدركة لفعل الحياة , ومن أجل هذا يجب عليه أن لا يفكر كم هو مشهور بقدر ما يمتلك القدرة على التعبير عن جوهر الحياة التي ينشدها والحبل السري ا?ذي يرتبط به , هو إشارة الى القيم الحقيقية والمعبر عنها بكل اشتراطاته الشعرية الجوهرية , عليه أن يدافع عن الحياة الحقيقية برغم أنه عاش الحزن والظمأ (ولدت أحدب من الحزن / وعلى ظمأ ترعرعت ) فهو باق مرتبطا بالحبل السري لكل القيم التي أنضجت داخلة وبقيت مرتبطة في سلوكياته النفسية وفعلها في الحياة , وما هذه المجموعة إلا الإشارة الحية الى التفاعل مع تضاد الحياة في كل أنواعها من أجل تحديد هويتها الحقيقية. لهذا أطلق الشاعر (أنفذوا ) فقد تم تحديد أفعال الحضور في تخليص الحياة من فعل التضاد فيها لكي تك?سب كل ما هو جميل من خلال إعادة موضعتها وترتيبها , ولهذا تكون المجموعة قد اعتمدت على الصور البصرية المشهدية وضمن حركتها الذهنية التأملية في فكرة التأويل الخفي في التحديد الدلالي وفق نسق المرئيات في الإشارة الى التضاد لكي تتم إعادة خلقه من جديد ضمن الحياة لكي تكتمل هذه الحياة وتعاد الى شروطها الحقيقية في استمرارها في فعل الوجود الإنساني .