ادب وفن

ريسان الخزعلي ... شاعر ولد من رحم الشعر الشعبي / داود سلمان الشويلي

المشهد الشعري هذه الايام واسع، مزدحم بالاسماء المبدعة وغير المبدعة، اذ حفل الفيس بوك بها، واستطاع ان يضم تلك الاسماء تحت جناحيه، والاسماء المبدعة هذه منها من كان يكتب منذ الثمانينات، ومنها التسعينيات، ومنها بعد الالفين، ومنهم من ركب موجة الشعر فلم نعد الذي نقرأه شعراً كان ام خاطرة، وفي هذا المشهد يتمثل امامنا شاعر كتب الشعر الشعبي في السبعينيات من القرن الماضي، وما زال يكتبه، اضافة للشعر الفصيح، والدراسات النقدية،

انه الشاعر ريسان الخزعلي الذي عرفته شاعراً شعبياً منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان شعره اكثر حداثة من الكثير من الشعراء الذين ينشرون في ذلك الوقت، كان يكتب بلهجة ما اصطلح عليه (اللغة الثالثة) -الذي كثر الحديث عنها في الصحف والدوريات في ذلك الوقت- اكثر مما هو عامي (حسچة) في اللفظ والتناول.
شكل الشاعر ريسان الخزعلي مع الشعراء: شاكر السماوي، وعزيز السماوي، وابو سرحان، وطارق ياسين، وعريان السيد خلف، وكاظم اسماعيل الكاطع، وابو وليد، وعلي الشيباني، وداود سلمان الشويلي وغيرهم ظاهرة كبيرة في الشعر الشعبي يمكن ان نسميها ظاهرة شعراء فترة السبعينيات، ظاهرة شعراء صحيفة الراصد الاسبوعية التي كانت تهتم بنشر نتاجاتهم الشعرية. ونشر الدراسات النقدية عنها.
وكالكثير من الشعراء الشعبيين، راح يكتب الشعر الفصيح، مثل المرحوم الشاعر كزار حنتوش، والشاعر شكر حاجم الصالحي، وغيرهما، الا ان هذين الشاعرين قد غادرا كتابة الشعر الشعبي وارتحلا الى الفصيح، فيما ظل الشاعر ريسان يكتب الاثنين واجاد فيهما.
في قصائد الشاعر الخزعلي صور مرسومة ببراعة الكلمات والخيال، وصور شعرية مرسومة رسماً يصل حد السريالية، تضمنها قصائد مبنية بناء متماسكاً، وتحمل افكاراً وتصورات جميلة، يبني قصائده فيصور سريالية ليدلنا على ما هو يومي، على تفاصيل الواقع بكل تجلياته، في الحزن، في الحب، في الشوق، في الرومانسية الشفيفة، في كل صورة.
الخزعلي شاعر يمتلك حرفية شعرية امتدت على مدار اكثر من اربعين عاماً، وله قصائد في النوعين، وله كذلك دراسات عن الرواية والشعر الشعبي، والشعر الفصيح.
ومن مؤلفاته:
- الحاج زاير- رنين الوتر الفراتي- قراءة جديدة في حياته الشعرية.
- اشجار الحلم والماي.. شعر شعبي.
- غنج.. شعر شعبي.
- تماسات من الوردة الى الغيمة- مجموعة شعرية.
- طريقة في الغناء- شعر بالفصحى.
قوة الجنون- الطريق الى شماعية خضير ميري.
- ضفيرة الابجيات- قراءة في روايات طه حامد الشبيب.
- الطائر والنخلة.. قراءة في تجربة حسب الشيخ جعفر.
- الليلة وما بعدها.. قصائد.
- بانتظار خضرة اخرى- قصائد.
ومن شعره الذي اخترناه في دراستنا القصيرة هذه- عشوائياً- هذه القصائد الجميلة المكتوبة باللهجة العامية العراقية.
ففي قصيدة (طواف) تتأثث القصيدة باثاث اختارها الشاعر من بيئته، كالصريفة، والگصيبة، والخبز، والقوري، واستكان، والشريعة، والچراچف، هذه المفردات يتأثث بها عالم العراقي الشعبي، وترسمها صورة شعرية تجعل الجماد ينطق، وتجعله حياً، فيقول:
تطوف الروح
گبل اول صريفه گعدت امن النوم..،
ثم تنهال بعدها الصور التي يمكن تشبيهها بالصور السريالية:
ودتني ابخلگ عشره امن اصابيعي..،
ألم نگاط من ماي الگصيبه..
اعله الخبز راسم كتر خدهه
...،
اشوف القوري المذهب..
يفور ابيا گلب.. وابيا شفايف دارت البوسه
استكان اول صبح خطهه
....
امر يم الشريعه..
الخصر بالشذري يلون الماي..،
وآنه اشرب الشذري او طُبع بهدومي.
...
تطوف الروح..
وآنه ابنومتي..
اغيوم الچراچف تمطر ابلا ماي!!..
تنثال صور القصيدة كالماء، بارداً، سلسبيلاً، كغيوم الچراچف التي تمطر بلا ماء.
وفي قصيدة (حيره ومو حيره) يسائل الآخر (انت) عن (زراگك = عن صفائه)، يقول:
* انت..
انت الواحد وبحساب ما تنعد!..
يل عمرك سمه او ما ينحسب لحد
من يمك صفت روحي..
عفت هاي الاسامي ابساع..
واحسابك عليه اشتدّ..
كله اركاض..
دربك گصريته ابنوم..
من ضاع الصحو.. والشوف صار اسود
چا شنهي زراگك..
لو سمه او ما تنحسب لحد؟!!
(صحوه) القصيدة التي تصل صورها لان ترسم بسريالية كعادة شعر الخزعلي، فاكثره مرسوم بسريالية كانت هي روح الشعر السبعيني، فصوره الشعرية تنقل ما هو روحي الى ما هو مادي.
فمفردات من مثل: معزتها، ريحتها، الغنج، العشگ، تصور لنا ما هو روحي، ليحوله الشعر الى ما هو مادي محسوس: الگاع، الماي، مشي، نار.
مو مجنون..
بس روحي نست يمك معزتهه
مثل الگاع
بس للماي.. تطي ابساع ريحتهه
...
ولا عفت الغنج فد يوم..
كل مشيي رگص.
والناس هسه اتعلمت بالدنيه مشيتهه
العشگ حته امن اصابيعي.. ايتطاير نار..
وانت تگول ما شايف حرارتهه!!..
وعن الفنان الكبير (طالب القرغولي) عند وفاته، الذي غنى العراقيون الحانه الشجية، يقول: (عندما تذكرني بموت المغني فانك تمنح الموت قدرة اضافية على اختراقنا).
* جوري الموت يشتم وانت بستان
عليشك تنهظم لو جاك مالوم
احنه اضيوف صوتك ما تنيناك..
موش انت الرحت واتكثر اللوم
وكيحه الدنيه من تلبس اضافر سود
تنزع لونهه الفضي اوتشگ البلگلب مرسوم
ان رحلة الشعر الشعبي مع ريسان الخزعلي تعيدنا الى حال الشعر الشعبي في فترة ازدهاره في سبعنيات القرن الماضي، تلك الفترة المليئة بكل ما يدهش في الشعر الشعبي.