ادب وفن

عود على بدء في عالم بلا مخلّص / باسم سليمان*

أسئلة البدايات هي أسئلة النهايات لا مناص منها، وإنّ ساقي الإنسان هما الشّك واليقين، وأي خطوة اتجاه الأجوبة لا بدّ أن تعتمد على هاتين السّاقين وغير ذلك يصبح كمن يقفز على ساقٍ واحدةٍ سريعاً ما يتعب أو يستبدل ساقاً بساقٍ، وهذا لن يقوده إلى مكان أو زمان وأيّ عودٍ يكرّر نفس الخطوات سيصل لنفس النتائج، هكذا نحن نظلّ في حلقة مفرغة, فهل من خلاص؟.
تاريخ العلم أخطاؤه؛ سبب وجود الإنسان على هذه الأرض هو الخطيئة!. الدين يطرح الخلاص والعلم يطرح التغيير, الأسطورة خليط من دين وعلم, فهل هي كذلك؟ هل تجذّر الأسطورة في الدين كسؤال أولي عن الوجود؟ ومن ثم تجاوزها فيما بعد سيسمح أيضاً بتجاوز الدين كمرحلة طفولية في حياة الإنسان؟. الأنبياء طرحوا فكرة الخلاص عبر آخرة الوصول إليها، عبر دنيا صالحة, تركوا مخطوطات مقدسة ترشد لطريق الصّلاح, ولكن ماذا عن التفكير، ميزة الإنسان؟, الحيوان النّاطق الذي تميز عن سائر المخلوقات بعقل يسمح له بتكوين حكم القيمة والتميز بين خير وشرّ. نيتشه أمات الإله ودعا للإنسان الخارق، وجاءت الوجودية لتجعل من الإنسان سيد مصيره محولته لإله صغير, لكن أكثر قلقاً وضياعاً من ذي قبل، حاولت العلمانيات أن تجعل الكون معادلة رياضية, فهل يصحّ ذلك مع ثنائية الروح والجسد؟ والشعور بوجود كائن علوي مهما تغافلنا عنه سواء بنفيه أم بتغير أسمائه, لن نجبّ أثره فينا ومن حولنا.
يطرح الكاتب سالم إبراهيم سالم في كتابه " عالم بلا مخلّص/ مجموعة من الأفكار قسّمت الكتاب إلى ثلاثة أقسام: دفاعاً عن الدين: في هذا القسم يعرض الكاتب حال المآل الذي وصل إليه عالمنا بماديته القاتلة, حيث أصبح عالماً بائساً وبنفس الوقت يعرض لما يقدّمه الدين, منجزاً مقارنات تعتمد على كيتشات سواء من الجانب الديني أم الجانب العلماني, محاولاً بذلك تقديم وجهتي نظر متعارضتين لكن لا بدّ من جمعها لكي نقف عند أسئلة معقولة ومنها ينطلق إلى القسم الثاني بعنوان" أخطاؤنا النبيلة": مجرياً مقارنة بين الدين والأسطورة.
إنّ وضع الدين والأسطورة في بوتقة واحدة أنتج مجموعة من الأخطاء, منها, كما تمّ تجاوز الأسطورة سيصبح من الطبيعي تجاوز الدين. وفي القسم الثالث يجمع الخيوط السّابقة التي تنتهي إلى العقل الهبة الإلهية للإنسان وبها يرى أنّ نجاة الإنسان ليس باستبعاد الأسطورة أو العلم أو الدين وغيرها من نتاجاته بل تكمن النجاة بتأمل السيرورة البشرية وليس من داعٍ للعودة للوراء إلى عصر النبوات أو الانخراط نهائياً في مادية العلم أو اعتبار العالم مجرد صدفة حمقاء, فمادام الله واجب الوجود فمن الطبيعي أن يسعى الوجود لموجوده لكن على ساقين: العلم والدين, ولكل مجاله وسياقاته، ويختم الكاتب:"سأدوّن أيها العقل ملامحك فيَّ، سأعقد اجتماعات مفتوحة مع كتب ما قبل الكتابة، الحياة بالنسبة لي قيثارة "فيثاغورث" ، ضربات "موزارت"، كلمات "الماغوط" المُرَّة .. سأطعن في أحقية الموتى في أن يثرثروا أكثر.. سأفتح الباب لكل طفرات اللغة والمعادلات والمشاكل الفلسفية كي تعيد خلق حياتنا، سأحب هذه الحياة بكل ما أستطيع.. يدك يا رب دومًا قبل يدي؛ فيدك لا تخطىء أبدًا". قد تختلف مع الأفكار المطروحة في هذا الكتاب أو تتفق ليست هنا القضية, فالقضية التي أدّعى الإنسان أنّه انتهى منها مازالت أمامه, أسباب وجوده على هذه الأرض الغاية من حياته الوسائل التي ينجز وجوده, القلق, الشّكّ, اليقين, الطمأنينة, أليس إنسان اليوم مع كل سيطرته على مقدرات الأرض وإنجازاته الحضارية يثبت أنّه لم يخطُ خطوة في اتجاه الإنسان سواء الذي وكّله الله خلافة الأرض أم أوكلها لنفسه كونه رأس الكائنات الحيّة على هذه الأرض, فالحروب والجوع والفقر تفتك بالبشرية, فعن أيّ إنسان خارق نتكلم عن أيّ وجودية وكما سألت العلمانية بنقد عميق أسطورة الإنسان وأديانه عليها أن تطرح على ذاتها ذات الأسئلة وبقوة أكبر لربما نخطو اتجاه عصر ما بعد الدين وما بعد الأسطورة وما بعد العلمانية إلى عصر الإنسان. ميزة هذا الكتاب أنّه تأمل لإنسان في وجوده على هذا الكوكب وأظن حان الوقت لنتأمل هذا الوجود من جديد, فأسئلة البدايات مازالت هي دون أجوبة شافية.
ـــــــــــــــــــــ
* كاتب وناقد من سوريا