مدارات

الدكتور صالح ياسر: بلادنا تواجه حالة استعصاء متكررة

طريق الشعب –ستوكهولم

أقامت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في السويد – ستوكهولم-، يوم الأحد 9 حزيران 2013 ندوة جماهيرية استضافت فيها الرفيق الدكتور صالح ياسر عضو اللجنة المركزية للحزب، تحدث فيها عن آخر تطورات الوضع السياسي في العراق ونتائج انتخابات مجالس المحافظات. في بداية الندوة رحب الرفيق كفاح محمد بجميع الحضور وبالرفيق د.صالح، كما رحب بالقائم بأعمال السفارة العراقية في السويد الدكتور حكمت داود ، وكذلك بالرفيق جاسم الحلفي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، وتطرق إلى تأزم الوضع السياسي في العراق بفعل سياسة المحاصصة، واشتداد الصراعات بين القوى المتنفذة، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب من فقدان الأمن وسوء الخدمات.

أستهل الرفيق الدكتور صالح ياسر حديثه بتقديم الشكر لمنظمة الحزب الشيوعي العراقي في السويد وبجميع الحضور، مقدما عدة عناوين لمداخلته.
وكان المحور الأول ((الملامح الأساسية للأزمة وجذورها))، وفي هذا المحور أكد على ان البلاد تواجه حالات استعصاء متكررة ناجمة بالأساس عن المعركة المحتدمة بين القوى المتنفذة حول السلطة والنفوذ والثروة، وحول شكل ومحتوى الدولة الجديدة التي بدأت بالتشكل بعد 9/4/2003، مما تجعل من هذا المشهد مجالا مغلقا الى حد ما، يعيد انتاج نفس الأنساق السياسية القائمة.
هذا بجانب غياب الرؤية السياسية لهذه القوى، واعتمادها مبدأ أقتسام السلطة والمحاصصة الطائفية، وكذلك غياب المشروع السياسي الوطني العابر للطوائف، فالبلاد تمر اذن بأزمة عميقة ولم تعد مجرد أزمة حكومة أو أزمة علاقات بين المتحاصصين بل ازمة نظام بكامله، ازمة نظام المحاصصات الطائفية – الاثنية الذي قاد البلاد الى ما هي عليه اليوم، وتشكل الازمة السياسية احدى تمظهرات ازمة النظام وليست الوحيدة. وما يدلل على ذلك انه ورغم تعاقب ثلاث حكومات (علاوي – الجعفري – المالكي بدورتين) إلا ان الازمة بقيت دون حل، بل حتى تفاقمت وازدادت تعقيدا وباتت تنذر بنتائج لا تحمد عقباها.

في المحور الثاني تحدث عن ((طبيعة الاقتصاد العراقي))، وأشار إلى كونه اقتصاد متخلف وأحادي الجانب وريعي - خدماتي، حيث يعتمد على العوائد النفطية بالأساس، وتردي مساهمة قطاعات الإنتاج المادي خصوصا القطاع الصناعي والقطاع الزراعي، ففي عام 2012 كانت مساهمة القطاع الصناعي بنسبة 1,5%، و كانت نسبة مساهمة القطاع الزراعي حوالي 3% .

وتبرز مخاطر الاعتماد على الريوع النفطية هو انها تضع تحت تصرف الحكومة (اية حكومة) إمكانيات مالية هائلة تحت تصرفها وتصرف القوى السياسية الحاكمة والقريبة منها، يتم كسبها بسهولة عن طريق زيادة انتاج النفط وتصديره، اضافة الى امكانيات واسعة بالتصرف بحرية بهذه الأموال، من اجل تكريس السلطة ودورها في الحكم، يساندها في ذلك كل القوى التي تحتكر النشاط الاقتصادي التجاري، وتتبادل الاسناد فيما بينها من اجل تعزيز التوجه نحو التجارة، وضمان تراكم الثروة لديهم بأسرع وقت وأسهل الطرق، مما يشكل مخاطر جدية ويؤدي إلى تعاظم الإنفاق الاستهلاكي في جميع الاتجاهات، فقد ارتفعت أعداد موظفي الدولة إلى 3 مليون موظف سنة 2012، عدا العاملين بعقود أو بأجور، ناهيك عن الأعداد التي تتسلم الإعانة الاجتماعية والمتقاعدين، سيصل العدد إلى أكثر من سبعة ملايين. هذا أدى إلى ارتفاع أعباء الدولة المالية، من جانب آخر ارتفعت نسبة البطالة المقنعة، وتعزيز الاعتماد على الحكومة من قبل الشعب وما يحمله هذا من مخاطر على الديمقراطية والمشاركة في صناعة القرار. لقد ارتفعت استيرادات العراق من السلع والخدمات من 9,6 مليار دولار سنة 2003، إلى 58 مليار سنة 2010م، والى 64 مليار عام 2011م، أدى هذا كله إلى ظهور احتكار شبه كامل للنشاطات الاقتصادية من قبل القطاع التجاري، وتشكيل فئة من التجار الطفيليين المرتبطين مع أجهزة الدولة الإدارية بمصالح متشابكة ترعاها مجموعات سياسية متنفذة وتدافع عنها.
ونوه الرفيق المتحدث الى ان الطبيعة الريعية- الخدماتية للاقتصاد العراقي أفضت إلى نتيجة نتائج خطيرة، من بينها ان بعض الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية استفادت بدرجات متفاوتة من هذه الطبيعة المزدوجة للاقتصاد العراقي: الريعية – الخدماتية. فقد نمت في إطار ذلك فئة بيروقراطية متموضعة في الشرائح البيروقراطية الحكومية والسياسية والعسكرية والأمنية العليا بحيث يمكن الحديث عن تلاحم متين بين جناحي البيروقراطية المدني والعسكري ، كما تنامى دور البورجوازية الطفيلية التي باتت تضم شرائح "رجال الأعمال الجدد " الذين عمل بعضهم مقاولين ثانويين للقطاع الحكومي وقبلها مع (مؤسسات اعمار العراق) التي انشأها الاحتلال، أو في مجال الوساطة في عقود التجارة الخارجية التي كانت "العمولة" تشكل نسبةً كبيرةً من قيمتها الإجمالية. وخلال هذه الفترة نشأ التحالف " غير المرئي" بين " النخبة " البيروقراطية وبين الفئة الطفيلية في إطار ديناميات العلاقة الزبائنية بينهما. كما يلاحظ التسيس المتعاظم لقطاعات من " البرجوازية الجديدة فنظرة سريعة الى الاحزاب الحاكمة والبرلمان تبيّن انهما اصبحتا الساحة الأساسية لنشاط " الرأسماليين الجدد " السياسي. ويبدو أن " رجال الأعمال الجدد " هم احدى الفئات التي تشهد معدلا مرتفعا للتسييس في المجتمع العراقي الآن. وبالمقابل تدعمت، وان بمستويات متفاوتة، مواقع المؤسسة الامنية والعسكرية وكبار المسؤولين فيها بفعل السيطرة على مقاليد السلطة والانتفاع بها، واستشراء الفساد والإفساد واستنزاف ثروات البلاد.
ويمكن القول ان " التلاحم المتين " بين جناحي البيروقراطية، المدني والعسكري، سيكون له تأثير كبير بل وحاسم على اتجاهات التطور التي ستشهدها البلاد خلال الفترة التالية. فالمعطيات تشير الى اننا امام بدايات التأسيس لعسكرة متعاظمة و لا بد من اطلاق ناقوس التحذير من مخاطرها على بناء الديمقراطية لأنهما ضدان لا يلتقيان مهما امتدا. كل هذه الاثار ساهمت في إجهاض أي بادرة من بوادر التنمية الاقتصادية المستدامة، وقطعت الطريق أمام أي تطور صناعي أو زراعي.
المحور الثالث، تناول العامل الأمني وتطوراته، وما شهدته الفترة الماضية من تزايد أعداد الضحايا، يؤشر إلى أن ما يحصل ليس مجرد احداث عابرة تجري هنا وهناك بل هو مخطط تصعيدي ذو هدف محدد هو دفع البلاد إلى أتون حرب طائفية من خلال تأجيج المشاعر الطائفية وألأثنية، وبالمقابل شهدت البلاد خلال الفترة الاخيرة ظهور تنظيمات مليشياوية و " جيوش " تحت مسميات مختلفة، وسبق لحزبنا ان نبه إلى تعاظم دور الميليشيات وحذر من دورها المدمر، وأكد على أهمية التصدي الحازم لها، وعدم السماح تحت أية ذرائع.
كما تحدث في المحور الآخر عن الخلافات بين الكتل السياسية المختلفة وفي داخلها، وعن الانشطارات التي حصلت، وهي تعبير عن أزمة مزمنة يكمن جذرها في ثقافة سياسية منغلقة ومظهرها في نخبة سياسية مفككة، ومنتوجها نظام سياسي لن يجد حلولا حقيقية لاستعصاءاته بقدر ما يعمق تلك الأستعصاءات.
كما تناول الحراك الشعبي والتظاهرات في بعض المحافظات العراقية، مبيناً دوافع هذا الانفجار ومشيرا إلى ضرورة التمييز بين المطالب المشروعة وغير المشروعة، حيث ان الحزب أيد المطالب المشروعة وطالب بالاستجابة العاجلة لها، وحذرنا من التعامل العسكري الخاطئ، ونبهنا إلى ان قوى الإرهاب ستسعى إلى استغلال هذا الحراك، وللأسف التصعيد تواصل وأدى تعقيد الموقف.
وبقدر التضامن مع ما هو مشروع من مطالب المتظاهرين، اكد الرفيق على رفض الحزب للشعارات الطائفية والمستفزة والخطابات المؤججة للمشاعر والمحرضة على العنف، العنف وخلط الأوراق، وشدد على ضرورة عزل المتطرفين والإرهابيين عن الأغلبية التي تطالب بحقوق مشروعة.

أما بخصوص المبادرات المطروحة لحل الأزمة وموقف الحزب الشيوعي العراقي منها، فأشار إلى أن الحزب في الوقت الذي يرحب بأي مبادرة للتقارب ومنع التعامل المتشنج والمنفعل، وتوطيد لغة الحوار والتفاهم، لكن الرفيق نبه الى ان هذه المبادرات قد لا تحمل مقومات النجاح في إيجاد حلول للأزمة اذا سارت وتحركت بنفس اتجاهات التحرك السابقة عبر التركيز على التقاء الجهات التي تعتبر اطرافا في الأزمة وتتحمل المسؤولية في استمرارها، كما انها – اي المبادرات- لا تنطلق من البحث عن سبب وجذر وأسس المشكلة وهو نظام المحاصصة الطائفية بل تسعى لإعادة بناءه بأجراء تغييرات في شكله وليس في جوهره، في حين ان البلاد بحاجة اليوم إلى بديل آخر، بديل وطني عابر للطوائف وبعيد عن سياسة المحاصصة. ومن أجل هذا جاءت مبادرة التيار الديمقراطي لعقد المؤتمر الشعبي يوم 8/6 والذي حضرته نحو 500 شخصية، وصدرت عنه مبادرة جديدة لحل الازمة بمقترح تشكيل جبهة مدنية ديمقراطية واسعة عابرة للطائفية والاثنية، لخوض الانتخابات المقبلة ولمواجهة التخندق الطائفي والاثني، وإنهاء نظام المحاصصة.

ولم يكن الوضع في إقليم كردستان والعلاقات بينه وبين الحكومة الاتحادية غائبا عن الندوة، فقد تناول الرفيق المتحدث الأزمة والانتخابات والدستور في الإقليم وأشار الى أن العلاقات بين الإقليم والحكومة الاتحادية عانت من الخلافات والتوتر والجفاء بشأن جملة من القضايا، منها، العقود النفطية، رواتب البيشمركة، المادة 140، المناطق المتنازع عليها، تشكيل قوات دجلة.
كما تطرق إلى الانتخابات المحلية الأخيرة عارضا بالتفصيل نتائجها ودروسها، ورغم التدهور الأمني والتجييش الطائفي وعدم وجود قانون الأحزاب، واستخدام المال السياسي، واستخدام إمكانيات الدولة، واستخدام الأموال الضخمة للحملة الدعائية، والتزوير، وفي ظل كل هذه الظروف حصل التيار الديمقراطي على عشرة مقاعد، رغم نسبة المقاطعة للانتخابات كانت عالية، معتبرا ان هذا الانجاز يخلق الارضية لبناء تحالف مدني واسع للمشاركة في الانتخابات البرلمانية. هذا يتطلب تعزيز التيار الديمقراطي وتفعيل نشاطه، هذا إضافة الى انه يتعين على القوى المؤتلفة ان تواصل النضال من أجل تسريع قانون الأحزاب وتعديل قانون الانتخابات.
وتحدث عن طبيعة التحالفات بين القوائم الفائزة لتشكيل مجالس المحافظات، وأشار الى الشروط التي وضعتها التحالف المدني – الديمقراطي ممثلا بقوائمه المتعددة في المحافظات عند دخولها ائتلافات لتشكيل مجالس المحافظات وتوزيع المقاعد فيها.
وتناول الرفيق د.صالح ياسر الأزمة البنيوية في بعدها الإقليمي والدولي، مشيرا الى انه وبرغم ارتباط الأزمة العراقية الحالية بمشاكل بنيوية في السلطة الداخلية، إلا ان سياق الأزمة الإقليمي يقتضي قراءتها من منظار أوسع يشمل بشكل أساسي الصراع الدائر في سوريا وما يرتبط به تداعيات واستحقاقات اقليمية ودولية أيضا، وفي مقدمتها ما يرتبط بالدور الأميركي ـ الإيراني ـ التركي ـ الخليجي، حيث كان للجميع مصالح حيوية في العراق ولا يزال.
وخلص الرفيق في نهاية حديثه الى خطورة الوضع السياسي حيث فرص الحل تتضاءل، بالمقابل تتصاعد فرص الحلول اللاديمقراطية للمشاكل ارتباطا بجملة عوامل من بينها تطورات الاوضاع في سوريا خصوصا وان القضية لعراقية اصبحت جزءا من القضية الاقليمية وضمن الصراع الطائفي الذي يلف المنطقة ويطغي بسماته على كل الجوانب الاخرى مشيرا الى ان البلاد تواجه مفترق طرق خطير، وأكد على ان الحزب اذ يشير الى ذلك فان هدفه هو ان يعي الناس لمشاكلهم ويأخذوا مصائرهم بأيديهم.
ولكنه في الوقت نفسه استدرك الرفيق قائلا انه ومع كل هذه الصعوبات والمخاطر فنحن على يقين من ان صفوف ابناء شعبنا تضم الكثير من الطاقات والإمكانات، القادرة إذا ما جرى توحيدها وتفعيلها، على لجم قوى التطرف والمغامرة، ونزع فتيل الانفجار، وفتح الطريق لإصلاح أوضاع البلاد، وإعادة بناء العملية السياسية على اسس جديدة بما يتيح لبناء العراق المدني الديمقراطي التعددي البرلماني الاتحادي المستقل. ومن المنطقي ان تعلق الآمال هنا اولا وخصوصا، وفي هذا الوقت العصيب، على القوى التي لم تتورط في صنع الأزمة.

في الختام أوضح الرفيق المتحدث ان البلاد بحاجة إلى بديل حقيقي، وتحقيق ذلك مرتبط بعوامل عديدة في مقدمتها، تبلور الكتلة التاريخية القادرة على إنجاز مهمة إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة ولا شك ان القوى المدنية الديمقراطية المؤتلفة في إطار تحالف مدني واسع لبناء الكتلة التاريخية، ويشكل التيار الديمقراطي النواة الصلبة لهذا التحالف، مؤكدا على ان نشاط رفاق حزبنا ضمن هذا التيار، ونظرتنا للعمل داخله لا تنطلق من مقاربة تكتيكية مسكونة بتحقيق "أرباح سريعة"، على حساب الآخرين، بل تنطلق من مقاربة إستراتيجية تراهن على دور التيار وقواه في إحداث التغيير المطلوب، ومن فكرة بناء بديل لنظام المحاصصات. ونحن على قناعة تامة ان تحقيق هذا البديل يحتاج الى أفق أوسع والى قوى جديدة وتحالفات واسعة تكون قادرة على احداث تغيير حقيقي في تناسبات القوى الفعلي وليس اعادة انتاج النظام الراهن الذي اصبح عائقا امام بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية.

وبعد استراحة قصيرة، كان هناك مجال لطرح المداخلات والأسئلة من قبل الحضور، وكانت الأسئلة تتعلق في مواضيع مختلفة منها حول التحالفات، والخلافات بين الإقليم والحكومة الاتحادية، والانتخابات المقبلة ونظام سانت ليغو، والوعي الانتخابي، وكيفية تفعيل دور الجماهير والوصول إليها، وكيفية تغيير التوازن لصالح قوى التيار الديمقراطي. وقد أجاب عليها الرفيق أبو سعد.