مدارات

الصحافة العراقية في المنفى* / د.مجيد مسعود

محاولة في تتبع ومسح ما صدر من مطبوعات عراقية في المنفى، الممتد نشــوؤها وتطورها من بلاد الشرق حتى أقصى بلدان التواجد العراقي. والوقوف على كل ما صدر من صحف ومطبوعات، دون البحث في النشرات، وهي كثيرة أيضاً. والمؤلف د. فائق بطي جدير بهذا العمل، لأنه أمضى حياته العملية في الصحافة، إضافة لكونه ابن عميد الصحافة العراقية في النصف الأول من القرن المنصرم، الكاتب رفائيل بطي مؤلف كتاب " الصحافة في العراق".
والدكتور فائق بحكم اشـتغاله في الصحافة، واصل البحث والدراسة لغرض اسـتكمال كتابة وتدوين تاريخ الصحافة العراقية، وهي غنية بمادتها ورائدة في مجال صحافة الفكر والرأي في عالم الصحافة العربية. فأصدر عدة مطبوعات منها: صحافة العراق- تاريخها وكفاح أجيالها، صحافة الأحزاب وتاريخ الحركة الوطنية في العراق، صحافة تموز وتطور العراق السياسي، اعلام في صحافة العراق. وكانت أطروحة الدكتوراه هي الكتاب السابع له في تدوين تاريخ الصحافة العراقية الذي صدر في لندن عام 1982.
ورغم شحة المصادر عن الصحافة العراقية في المنفى ، وبسبب تعدد الدول على الخارطة الجغرافية التي شهدت ميلاد الصحافة العراقية، رغم ذلك فقد شملت دراسته هذه، وغطت الكثير من الوقائع، فيما يتعلق بجهات الإصدار، وفي تحليل مكانة كل مطبوع، ودوره في العملية السياسية والثقافية في الوطن، والجهات التي وقفت وراءه وأسباب ديمومة البعض من هذه الصحف، أو الغياب السريع للبعض الآخر.
تناول المؤلف في الفصل الأول: صحافة الأحزاب والكتل السياسية، موضحاً بأن العراق قد عرف الصحافة لأول مرة عام 1869 على إثر صدور جريدة " الزوراء " باللغة العربية، بعد تعيين مدحت باشا والياً على بغداد.
ولقد مرت الصحافة العراقية بمراحل أدت إلى تطورها وانتشارها من حيث الشكل والمضمون: الكفاح من أجل الاسـتقلال، تأسيس الحكم الأهلي، انبثاق الحياة الحزبية 1924، اشـتداد المعارك السياسية بين المعارضة الوطنية والحكومات المتعاقبة، التطورات الاقتصادية في البلاد، انتشار المدارس وفتح الكليات والمعاهد العالية ثم الجامعة.
عاشت الصحافة في العراق الحرية النسبية بعد الحرب العالمية الثانية، وفي أعقاب انتفاضة تشرين 1952 وتشكيل حكومة فاضل الجمالي،وخلال السنوات الأولى لثورة 14 تموز 1958. وقد عرف العراق إلى جانب الصحف باللغة العربية، صحفاً باللغة الكردية.
تميزت الصحافة العراقية خلال مسيرتها الطويلة، بجرأتها وصدقيتها في كونها صحافة رأي وفكر أكثر من كونها صحافة (عامة). كما تميزت بالإصدارات العديدة، والحصول على الامتيازات في كل العهود السياسية التي مرت بها البلاد. ولكن في عام 1968 ألغت سلطة الانقلاب جميع امتيازات الصحف القديمة والجديدة واحتكرت الصحافة لأكثر من ثلاثين ســـنة.
ومن هنا بدأت الصحافة العراقية المهاجرة والمؤسسة في المنفى، حيث صدرت في عواصم عربية وغربية، صحف ومجلات فكرية ناجحة الخاصة منها وغيرها من الإصدارات التابعة لأحزاب المعارضة العراقية في الخارج. وكانت متطورة من حيث الشكل والمضمون، وخطّت لها سياسة وطنية ثابتة متمسكة بالقيم الشريفة التي تمليها المصلحة الوطنية المعبر عنها بصحافة الالتزام بمصالح الشعب العراقي بكل مكوناته.
وكانت البداية بصدور "التيار" في لندن، حيث ظهر العدد الأول في 11-18 حزيران 1983 كجريدة سياسية، ثقافية، أســبوعية، لرئيس تحريرها ســامي فرج، جاء في افتتاحيتها وبعنوان (لماذا التيار؟): " ...هدف التيار أن تتحول إلى "منبر " عالي الصوت، وقوي الحجة لكل القوى المعاصرة التي ترفع صوتها دفاعاً عن الحق والحرية، وتدين الاسـتبداد، وتحث الناس على أخذ زمام المبادرة والتصدي للطغاة والجبابرة...".
"...إن التيار تراهن على القوى الجديدة قاطبة ... وتفتح أبوابها إلى كافة القوى السياسية التي تشاركها في مناهضة القمع والخوف والاسـتبداد والهزيمة والغربة.." ثم أعقبها صدور "التيار الجديد" بانسحاب بعض المشاركين في التيار، وانضمام عناصر جديدة للتيار الجديد، التي تولى سعد صالح جبر (صالح جبر كان رئيساً للوزراء في العهد الملكي) مسؤولية الجريدة واستمر بها سنوات عديدة قبل أن يتحول إلى تأسيس تكتل سياسي باسم (المجلس العراقي الحر)، وسمى جريدته "العراق الحر".
في الأول من تشرين الأول (أكتوبر )1984 صدرت جريدة " صوت الصحوة الشعبية"، وهي أسـبوعية سياسية ثقافية، رأس تحريرها سامي فرج، واستمرت لعام 1988، وكانت تعبـّر عن التيارات القومية العروبية والإســــــلامية.

صحافة الأحزاب:

أصدرت الأحزاب العراقية المتعددة والحركات السياسية التي تشـــكلت خارج العراق في الفترة الأخيرة، أو تلك التي تفرعت عن الأحزاب الرئيسية.... ضمن التيارات الأساسية في المجتمع: الديمقراطي، الإســـلامي، الكردي، والقومي العروبي، صحفها المركزية، أو الخاصة، ســـواء بشكلها القديم أو الجديد.
ومن تلك الأحزاب التي واصلت مسيرتها منذ ثمانين عاماً متواصلاً، الحزب الشيوعي العراقي، وكانت جريدته الأولى التي صدرت في تموز 1935 (كفاح الشــعب)، وبعدها أصدر(الشــرارة) و(القاعدة) و(اتحاد الشـعب) وأخيراً (طريق الشــعب)، وكانت تصدر في الداخل سرية وأحياناً علنية وتوزع في الخارج.
وصحف الأحزاب الكردية الرئيسية (خـه بات- تعني النضال والتآخي) للحزب الديمقراطي الكردستاني. و(النور ثم الاتحاد) للاتحاد الوطني الكردستاني. وبجهود بطي وسلم علي ومحمد سلمان، صدرت (عـِراق الـغد) في لندن واســتمرت أكثر من ســـنة ونصف كمنبر ديمقراطي إعلامي، يعرض أخبارالوطن، وصفحات لأنشـطة متنوعة وتراجم لكتب صدرت باللغة الإنجليزية عن العراق في مسلسل متكامل. وكانت أول جريدة معارضة تقوم بنشر كاريكاتير في كل عدد للفنان التشكيلي فيصل لعيبي، إلى جانب عموده الساخر.
في عام 1993 صدر العدد الأول من مجلة " رسالة العراق" الشهرية في لندن، والتي كانت تصدر قبل سنوات في دمشق، واستمر صدورها المنظم لمدة 8 سنوات، وحتى العدد 97 الصادر في شهر شباط 2003، كانت المجلة توزع شهرياً 1750 نسخة، وكانت أرقام المبيعات تغطي تكاليفها. مع العلم أن الطبعة الثانية كانت تتم في دمشق وتوزع هناك وتدخل إلى العراق.
في شهر آذار 1983 تم الإعلان عن انبثاق " التجمع الديمقراطي العراقي"، برئاسـة صالح دكلة، واتخذوا من دمشق مقراً لهم، وأصدر التجمع جريدة "الغد الديمقراطي". وقد اتسعت صفحاتها لكل أصحاب الأقلام الشريفة والأفكار الوطنية والنيات الخيـّرة ليعبروا عن أفكارهم وطموحاتهم، وبذلك أصبحت بحق صحيفة لعدد كبير من الديمقراطيين والوطنيين العراقيين. وصار لها ملحق بعنوان " الغد الثقافي" استقطب العديد من الكتاب العراقيين خارج الوطن، مثل هادي العلوي، مجيد الراضي، إبراهيم الحريري، عباس تقي ، قاسم حول، وعدد آخر يقيمون في المنافي. هذا وقد واظبت الجريدة على الصدور بانتظام منذ صدورها شـهرياً على امتداد أكثر من 16 عاماً.
وفي العدد (صفر) شــهر تشــرين الثاني 1990صدرت " الديمقراطي" لسان حال " اتحاد الديمقراطيين العراقيين"، وكتبت تقول : " إننا هنا نمثل جماهير واســعة داخل العراق محرومة من حقها في التعبير عن إرادتها بحرية.... ولنعمل من أجل تنظيم ديمقراطي حرّ للعراقيين، وقد رأس تحريرها الشاعر بلند الحيدري. وبعد مسيرة دامت 13 عاماً قرر اتحادالديمقراطيين العراقيين تعليق نشاطه السياسي في الخارج.
جاءت مبادرة بعض البعثيين القدامى ووزراء العهود السابقة، لتأسيس (حركة الوفاق الوطني) يتقدمهم في هذا التحرك د. إياد علاوي، وكانت جريدة (الوفاق)عند صدورها في تلك الفترة تعبّر عن هذا التجمع الوفاق الوطني-.
وعندما حصل انشقاق داخل هذه الحركة فخرج صلاح عمر العلي مع مقربين له واستمروا بإصدار (الوفاق)، في حين أصدر إياد علاوي ومجموعته جريدة (بغداد) كلسان حال الوفاق الوطني وحصلت الحركتان المذكورتان على دعم معنوي ومادي من الخارج لمواصلة العمل السياسي في ساحة المعارضة العراقية منذ صدورهما (الوفاق وبغداد) بعد حرب تحرير الكويت وحتى احتجابها بعد سقوط النظام في نيسان 2003،
بات " المؤتمر الوطني العراقي الموحد"، بعد انعقاده في صلاح الدين في العراق، الخيمة التي تضم الغالبية من الأحزاب والتكتلات والتجمعات السياسية عدا القليل من أحزاب التيار القومي والحركات الإسلامية والشخصيات المستقلة خصوصاً الديمقراطية، وكانت جريدة " المؤتمر" الصادرة أولاً في أربيل في منتصف شهر أيار 1993، وهي أسبوعية تحتوي على 12 صفحة،هي الجريدة المركزية الناطقة باسم المؤتمر الموحد. وكانت المؤتمر من الصحف الناجحة والأوسع انتشاراً التي صدرت في التسعينات من القرن المنصرم، ولا سيما بعد انتقالها إلى لندن، وانتقال رئاسة تحريرها إلى حسن العلوي. وهي مرحلة اتسمت بالتطور التقني والكتابة السياسية الناجحة التي دأب على المساهمة فيها كتاب وسياسيون معروفون بميولهم الوطنية واليسارية لفترات طويلة، وقد زادت صفحاتها إلى 16 صفحة وتنوعت موضوعاتها المفيدة للقراء. ويعود أحد الأسباب لهذا النجاح للمؤتمر برئاسة د. أحمد الجلبي للمساعدات المالية الكبيرة الداعمة لها، كما هو معلوم منذ انبثاقه في المؤتمر التأسيسي الذي عقده في فيينا بالنمسا.
كانت سورية تحتضن عشـرات الآلاف من المهاجرين من مختلف القوميات والمذاهب وقادة الأحزاب الوطنية العربية والكردية والحركات الإسلامية. وفرت لهم الفرص لفتح المقرات وإصدار صحفهم ومجلاتهم من دمشق.ومن هذه الصحف " صوت الجماهير" للبعث قيادة قطر العراق، و "نداء الرافدين " للمجلس الإسلامي الأعلى بقيادة الحكيم، و" لواء الصدر" ، وجريدة " الاشتراكي" وهي الجريدة المركزية للحزب الاشتراكي العراق، لمؤسسه د. مبدر الويس، صدرت شـــهرياً وعرفت باتجاهها الناصري.
وجريدة " الوطن " وكانت معروفة كجريدة لحزب البعث قيادة قطر العراق. ومن المطبوعات العراقية بدمشق مجلة "الأيام" التي أصدرها الكاتب الصحفي العراقي عامر بدر حسون، وقد لاقت نجاحاً وإقبالاً لما تتضمنه من مقالات وصور وأخبار نادرة ووثائق قديمة جداً.
وكان لحزب الدعوة الإســلامية جريدة " صوت العراق" استمرت بالصدور منذ أكثر من 23 عاماً، وكانت تطبع في لندن وتوزع في الخارج حيث يتواجد أنصار لحزب الدعوة الإسلامية برئاسة د.إبراهيم الجعفري و"الدستورية" مجلة نصف شهرية ناطقة باسم "الحركة الملكية الدستورية العراقية" التي يترأسها الشريف علي بن الحسين، ودعت في افتتاحيتها الأولى إلى "بلد ديمقراطي يجلس على عرشه ملك ديمقراطي"، وكانت تطبع وتوزع في لندن.
وصحيفة "نداء الكرد" تعبر عن لسان حال جمعية الأكراد الفيلية في المملكة المتحدة، صدرت في لندن عام 1993 ومسؤول الإعلام فيها هو عبد الصمد أسد . وبعدها صدرت باسم "صوت الكرد" وكانت من الصحف العراقية الناجحة والمتميزة من ناحيتي المضمون والشكل.
ومن الصحف العراقية التي صدرت في إيران "النبأ" نصف شهرية وصدرت في الأهواز (عربستات) عن حركة مجاهدي الثورة الإســلامية في العراق، لرئيس تحريرها عبد الستار الطائي، واستمرت بالصدور باللغة العربية لمدة 13 عـاماً. وصحيفة "الشــــهيد" وعرفت نفسـها بإنها إسـلامية سياسية أسبوعية مستقلة، صدرت في إيران، صاحب الامتياز والمدير المسؤول صادق العبادي، واستمرّت بالصدور لمدة 24 عاماً. و"الجهاد" جريدة الحركة الإســـلامية في العراق ومقرها طهران، وقد صدر منها أعداد كثيرة زادت عن الثلاثمائة كصحيفة أســـبوعية، ممثلة للمجلس الأعلى برئاسة باقر الحكيم. كما صدرت جريدة " الشـــهادة". و"المنتخب في شؤون العراق" مطبوعة شهرية تصدر عن بنك المعلومات العراقي في طهران، وهي وثائقية عامة لرئيس تحريرها ساجد الزبيدي.
وعلى غرار " المنتخب" صدرت في لندن مجلة شهرية باسم " الملف العراقي " لصاحبها د. غسان العطية ، كانت تهتم وتقبس أهم المقالات والتقارير، وهو عمل توثيقي هام على الساحة السياسية وفي ميدان المعارضة العراقية آنذاك. وبنفس الاتجاه التوثيقي صدر "التقرير العراقي" عن "المعهد العراقي للأبحاث والدراسات والوثائق لندن". وهو نصف شهري، رئيس تحريره الدكتور جليل العطية المقيم في باريس.
وكانت "تركمان ايلي" جريدة سياسية أصدرتها الجبهة التركمانية العراقية باللغتين التركية والعربية، وبثماني صفحات وصاحب الامتياز دلشاد ترزي، واسـتمرت بالصدور لمدة تزيد على السبع سنوات.
وان "صرخة العراق" مجلة يصدرها ويحررها نخبة من أعضاء حركة تحرير العراق، ويصدرها ويرأس تحريرها: على أمين المفتي، صدرت في لندن عام 1998 واستمرت بالصدور حتى سقوط النظام. وجريدة "بهراً" للحركة الديمقراطية الآشورية ، صدر عددها الأول في حزيران 1982. طبعت بثماني صفحات بالعربية وفي وسطها ملحق بأربع صفحات باللغة السريانية، وهي نصف شهرية، صاحب الامتياز: يونادم يوسف كنا، وهو اليوم عضو في مجلس النواب العراقي.
لقد نشـــر المؤلف الدكتور فائق بطي في كتابه هذا، صوراً للصفحات الأولى لجرائد الأحزاب والكتل السياسية، ونشر نصوصاً مما جاء في افتتاحياتها وتناولها بالتحليل والنقد أحياناً، وقال بتواضعه كباحث موضوعي، من الطبيعي، في مثل هذه الدراسات، ألا تأتي أو تكون متكاملة، بسبب تعدد الدول التي شهدت ميلاد الصحافة العراقية، وغياب المصادر..
وبنفس المنهجية المهنية تناول المؤلف الصحف والمجلات الثقافية العراقية في المنفى، وهي تتطلب مقالاً خاصاً بشأنها.
«مقتطفات»

ـــــــــــــــــــــــــ
* عنوان الكتاب: الصحافة العراقية – في المنفى-.
المؤلف: د. فائق بطي.
الناشـــر: دار المدى (379 صفحة).