مدارات

هذه.. حقيقة ما حصل في بهرز!

متابعة «طريق الشعب»

في الصباح الباكر كعادتهم توجه مزارعو مدينة بهرز الى بساتينهم، ولاحظوا وجود عدد من المسلحين في المنطقة، وهم بعدد أصابع اليد الواحدة. كان ذلك صباح 15 آذار المنصرم، ولاحقا بدأت اعداد المسلحين تزداد. وقام بعض المزارعين بأخبار الجهات الامنية بما شاهدوه، فيما بدأوا يترددون في الذهاب الى بساتينهم مع وجود هؤلاء الغرباء . (ومعلوم ان بهرز شهدت استقرارا امنيا نسبيا منذ تطهير محافظة ديالى من مجرمي القاعدة عام 2008).
ودفع تزايد اعداد المسلحين الجهات الامنية الى التحرك، وبدأت المدفعية الثقيلة وطائرات الهليكوبتر بقصف البساتين! واشتد القصف ايام الثلاثاء والأربعاء والخميس، اي 18 و19 و20 من آذار الماضي.
وفي مساء يوم الجمعة 21 فوجئ المصلون في جامعي ملا روزي وابو الغيث وهم يؤدون صلاة المغرب، بدخول مسلحين يطلبون منهم اخلاء هذين الجامعين الواقعين في السوق الذي يتوسط ناحية بهرز. واخذ المسلحون يكبّرون وأعلنوا انهم لن يمسوا الناس العاديين، وطلبوا من افراد الشرطة والجيش من أهل بهرز ترك عملهم وإلا عرضوا أنفسهم لعقاب شديد. علما ان هؤلاء الإرهابيين قتلوا شرطيين من اهالي بهرز كانا في طرف السوق.
أثار ذلك كله الرعب والذعر بين الناس، خصوصا في البيوت القريبة من السوق. فبدأوا يتركون بيوتهم مع عوائلهم مشياً على الأقدام، متوجهين الى أقاربهم او أصدقائهم. ثم توسعت ظاهرة هجرة البيوت لتشمل المناطق البعيدة عن مركز السوق، حيث ساد الاعتقاد بان مجابهة عسكرية ستحصل بين هؤلاء المسلحين والقوات الامنية. وتدرك الناس من خلال خبرتها في السنوات العجاف السابقة ان نيران الطرفين قد لا ترحم الناس المدنيين، وانهم سيجدون أنفسهم بين مطرقة القوات الامنية وسندان مجرمي القاعدة وداعش.
لم يسجل الناس أية ردة فعل من جانب القوات الامنية حتى صباح يوم السبت. فلم يسمعوا أصوات أطلاقات نارية تدل على مواجهة شديدة بين الطرفين، وإنما كان هناك تحليق لمروحية تطلق نيرانها بين فترة وأخرى وعلى فترات متباعدة. كما كانت هناك أطلاقات متفرقة من رشاشات كلاشنكوف، لا تدل على حصول مواجهة قوية بين الطرفين.
وكان عدد المسلحين الذين دخلوا البلدة، وكما رآهم عدد كبير من اهالي بهرز، حيث كانت السوق لحظتها والمقاهي المحيطة به وعددها اكثر من خمسة، تضج بالناس اضافة الى عدد كبير من المصلين في المسجدين، كان عددهم يتراوح بين 25 و30 مسلحا. ويبدو أنهم انسحبوا من المنطقة الى البساتين الموجودة في الجانب الآخر من نهر ديالى. وان من يعرف جغرافية المنطقة يدرك ان هؤلاء المسلحين يمكن لهم ان يتفرقوا بشكل طبيعي بعد ان يخفوا أسلحتهم بكل سهولة في اتجاه بغداد او خان بني سعد او الراشدية او الخالص، والعديد من المناطق الاخرى.
صباح يوم السبت بدأت قوات ترتدي الزي الرسمي للقوات العراقية بالدخول الى بهرز والتوجه الى منطقة السوق. وأكد بعض الناس المدنيين الذين كانوا بالقرب من السوق، اثناء محاولتهم التوجه الى مناطق اخرى بعيدة وأكثر أمانا، ان تلك القوات لم تكن من ديالى. وذكر شهود العيان ايضا انها كانت تحمل قناصات ومسدسات مزودة بكواتم للصوت، وان منتسبيها كانوا يلوحون بتلك الأسلحة في وجوه الأهالي، على حد قول بعض المدنيين.
على ان اللافت للانتباه في ذات الوقت، وهذا ما أظهرته أشرطة الفيديو التي بثتها بعض الفضائيات، هو دخول عناصر ترتدي ملابس مدنية وتتصرف وكأنها مليشيات مسلحة. وصورت اللقطات التي عرضت، عناصر منهم ترتدي التراكسوتات وتقوم بتدمير المحال وسرقتها ومن ثم إشعال النار فيها.
وذكر مواطنون مطلعون من اهالي بهرز انه كانت هناك شبكة كاميرات تراقب السوق بأكمله ومن جميع الجهات، وهي مربوطة مركزيا بأحد محال بيع الاجهزة الالكترونية. وقد تم تركيب هذه المنظومة بمشاركة اصحاب المحال في السوق. بعد ان كانت القوات الامنية قد أمرتهم بتركيب تلك الكاميرات لحماية محالهم. وحسب المعلومات فان العناصر الغريبة الوافدة الى المدينة، قامت بتدمير تلك المنظومة بعد سرقة محتويات المحل الموجودة فيه. ولكن يبدو انها لم تلحظ كاميرات اخرى في المحال الواقعة في اماكن اخرى خارج السوق، والتي صورت الكثير من عمليات السرقة والحرق والقتل، التي ارتكبتها تلك العناصر التي تصرفت كميليشيات منفلتة، غير منضبطة. وهنا حدث ما لم يخطر ببال الأهالي، حيث بدأ القتل العمد الطائش حسب شهادات المواطنين- الذي استهدف كل إنسان يُشاهَد في الطرقات. فيما قامت عناصر ميليشاوية السلوك والتصرف باقتحام البيوت وإطلاق النار على من فيها ومن ثم سرقتها وإحراقها. كذلك قاموا - وفقاً لأقوال المواطنين - باعتقال بعض الأشخاص الذين لم يتركوا بيوتهم خلال الأحداث واقتادوهم الى مكان آخر خارج بيوتهم. وهناك تعرضوا للقتل بالرصاص، او الضرب بآلات حادة حتى التأكد من مقتلهم حسب شهادات أبناء المدينة.
وتؤكد المعلومات، المستقاة من مصادر عدة، ان عدد من استشهدوا من اهالي بهرز يزيد على 30 شهيدا، اغلبهم قتلوا بإطلاق النار على رؤوسهم. وان الصور التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لسبعة شبان مقيدي الأيدي الى الخلف ومرميين على بطونهم، انه تم اطلاق النار على رؤوسهم وظهورهم. فيما قتل عدد آخر قليل بآلات حادة وبطريقة يندى لها الجبين، وتدل على وحشية القائمين بها، الذين قاموا بعد ذلك باستعراض مع عجلاتهم في ناحية ابي صيدا، استخدموا فيه سيارات اهالي بهرز التي سرقوها.
انها الجرائم التي تتكرر كل يوم بحق الانسان العراقي، من جنوب الوطن الى شماله. القائمون بها تتعدد أسماؤهم، حصيلتها واحدة: إزهاق أرواح الناس البريئة، وهذه جريمة لا تغتفر، ولا بد من إدانتها، ومن طرف الكل وبأعلى الأصوات، ولا بد كذلك من ملاحقة مرتكبيها قانونيا وإنزال القصاص العادل بهم.