مدارات

مع المسيرة الثورية - الخطوات الاولى... الحزب ونشاط فكري فعال (24) / الفريد سمعان

كالعادة وجدت نفسي خارج الوظيفة حيث استغنى عني رب العمل تجنباً للمشاكل التي قد يتسبب بها شخص معرض للاعتقال بين اونة واخرى.

الفراغ الذي عشته بعد انضمامي لجيش العاطلين منحني فرصة جيدة للتكسع في شارع المتنبي وازقة الصحافة ودور الطباعة التي تنتشر مابين المتنبي وشارع الزهاوي وتمتد الى مجلس الوزراء ( القشلة ) حالياً وامانة العاصمة. بدأت اكتب في المجال الادبي والرياضي، حيث كتبت في جريدة صوت الاحرار وكان شاكر اسماعيل يكتب في جريدة البلاد وعبد الخالق مال الله في الاستقلال وكان الحصاد اصدار كتاب (دليل الابطال) طبع في مطبعة الرابطة التي كان يمتلكها الاستاذ عبد الفتاح ابراهيم صاحب الكتاب الشهيد (على طريق الهند) ومئات المقالات ضد الاستعمار وكان مؤسس حزب الاتحاد الوطني وكان معه الجواهري والمحامي ناظم الزهاوي الذي كان مديراً للمستوردة الدائرة التي شكلها نوري السعيد لتنظيم الاستيراد ونأى بها عن الموظفين الاعتياديين بل اختار الاستاذ الزهاوي ومنحه صلاحيات واسعة في التعيين ولم يكن هنالك اي تحفظ لهوية الموظفين السياسية بل فسح المجال امام عناصر اليسار للعمل في هذه الدائرة لايمان نوري سعيد والطبقة الحاكمة انذاك بان اليساريين امناء لايسرقون ولا يتقبلون الرشوة لا سيما وان علاقتها ستكون مع التجار الذين اعتادوا على كسب الموظفين وتمشية معاملاتهم باغراء الموظفين وتطويعهم بما يقدمون من رشاوى او كما يسمونها احياناً (هدايا) وكان من موظفي هذه الدائرة حسين عبد العال وكاظم السماوي وبدر شاكر السياب وعامر عبد الله وباقة من المثقفين اليساريين.
وكنت انشر قصايد في جريدة العصور وكان الجو السياسي محتدماً يسود الحذر اجواءه بجانب الحماس الثوري وتأسيس حركة السلام انسجاماً مع نداء مجلس السلام العالمي الذي كانت باريس مقراً له. وكان شقيقي د. قسطنطين قد أسس مع غضبان السعد وكان خلف الكواليس. والمحامي جلال عبد الرحمن والشيخ الماشطة من الحلة والمحامي كاظم جعفر جمعية مكافحة الحرب وكانت المنظمة (غير المجازة) تصدر البيانات التي تشجب الحرب وترسم صورتها السوداء وآثارها الدامية والدمار الشامل وعرقلة عجلة التقدم والتواصل الحضاري مما أثار بعض التوجس وبذل جهوداً لتوحيد الحركة بضمنها عقد لقاء بين عامر عبد الله ممثلاً لحركة السلم وبيني ممثلاً لجمعية مكافحة الحرب وجرى اللقاء في مقهى البرازيلية الصيفي في الباب الشرقي مقابل سينما السندباد تحدثنا طويلاً ولم نصل الى اي نتيجة وانتهى الاجتماع بعد الاتفاق او تقارب وجهات النظر وبشيء من الاصرار على الموقف الذي حمله الطرفان الا ان ذلك لم يسد الطريق حيث توقفت الجمعية عن نشاطها وحدث ذلك بالاتفاق مع شقيقي وغضبان السعد وبيني، لاني لم اكن مستعداً لتجاوز راي الحزب في مثل هذا الموضوع او سواه. وضمن النشاط الثقافي كانت الاقلام التقدمية هي السائدة وهي التي تجتذب العديد من الادباء والفنانين وتفرض نفوذها التقدمي على الاجواء وكان لنقابة المحامين موقع هامً في الترويج وقيادة الكثير من النشاطات واحترام النقاش بين الاتجاهات القومية والتقدمية وقد اكتسبت منطقة الحيدرخانة، وما جاورها مكانة رائعة حيث يسهر المثقفون والسياسيون حتى ساعة متاخرة وكان قسم منهم قد استاجر غرفاً يقيمون بها كما هنالك مجالات للمتعة في منطقة الميدان والصابونجية وسوق الهرج كانت تركيبة معقدة مع شتى الاطياف اضافة الى مقرات الصحف حيث كانت الزمان قرب سوق الهرج والبلاد في نهاية شارع الزهاوي والاخبار في الجانب الاخر قبل انتقالها الى شارع النضال. اضافة لمقهى حسن عجمي والبرلمان حيث مقر جريدة الرأي العام للجواهري والمكتبة المشهورة لقاسم الرجب.
ومما اذكر اني نشرت قصيدة (عن السلام) في جريدة بديلة عن جريدة العصور باسم مستعار وقد جاء في بريد الجريدة دعوة للتعريف بشخصي الكريم وعرفت من ذلك بان هنالك من يرصد ويتابع وكان استدعائي بهذه الطريقة من فعل دوائر التحقيقات.
بجانب ذلك كانت لغة اتحاد الطلبة وحركة الشبيبة السرية ورابطة المرأة تتصاعد وتصدر البيانات وتستقطب المزيد من الاعضاء والاصدقاء
لقد كان الجو محتدماً والصحافة تتبارى للتقرب من الحركة الثورية بشكل خاص مع الحزب الشيوعي الذي كان يتمتع بثقل جماهيري واضح ولم تكن الساحة تخلو من نشاط الرفاق في كافة الميادين وبشكل خاص في مجال الشعر حيث يتبارى بدر شاكر السياب مع السماوي وعلي الوردي والبياتي في نشر القصائد والقائها في بعض المناسبات وضجيج حسين مروان وكانت هنالك مجموعة من المتابعين تنتقل بجدية وحراك على مستوى ظهور شعراء جدد رشيد ياسين ورشدي العامل.. موسى النقدي.. محمد النقدي.. عبد الرزاق عبد الواحد.. ماجد العامل وعرفت الاجواء وجوديات حسين مروان وبلند الحيدري وحركة النشر تتسع دائرتها.
حصلت على عمل لدى التاجر احمد الحاج رؤوف وكان وكيلاً لدراجات انكليزية ويبيع بالاقساط وبنطاق واسع واحتاج الى محاسب ذي تجربة جيدة وكذلك لدى كاتب النقل العائد سعيد الحسن الحاكم . وقد اصبح مكتب الحاج رؤوف (خلية شيوعية) حيث قمت بتعيين الرفيق عزيز الهارب من ملاحقة تحقيقات العمارة وعبد الخالق القرناوي زميلي في الاعدادية في البصرة وكذلك (خلف) العامل الهارب من شركة نفط حديثة والزهاوي الذي كان معي بالسجن وكان شيخاً في قرية قرب خانقين.
في يوماً ما طلب الحاج رؤوف بعد استدعائه من قبل التحقيقات عناوين العاملين فقلت له (انك تعرف عنواني) ولن نعطيك اي عنوان اخر بدعوة تفقدهم ايام المرض والمحن.
فقال: انت تريد تهجم بيتي فقلت له: (ولماذا تريد ان تهجم بيوتنا) سوف نستقيل (كلنا) اذا كنت مصراً على ذلك وقد رضخ لتهديدنا.