مدارات

سانت ليجو كحد أدنى .. وحكم المحكمة الاتحادية العليا واجب الإتباع حتماً / هادي عزيز علي*

أثبتت الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2010 ان النصوص القانونية المتعلقة بتلك الانتخابات هي نصوص معيبة من الوجهة القانونية ولا تنسجم مع الأحكام العامة التي جاءت بها النصوص الدستورية، اذ أنها صادرت إرادة الناخب اولا وألغت دور المرشح ثانيا، فضلا عن كونها دفعت بشخصيات غير مؤهلة الى مجلس النواب ما انعكس سلبا على اداء السلطة التشريعية بشكل عام ونتج عن ذلك وضع سياسي مرتبك، معطل لمعظم النشاطات العامة للدولة والمنعكس سلبا على حياة المواطن الذي تحمل العبء وحده؛ متمثلا بحرمانه من حرياته وحقوقه والشعور المستمر بال?حباط والتهميش، الامر الذي دفع فئة خيرة من المواطنين الى رفع دعوى امام المحكمة الاتحادية العليا للطعن بعدم دستورية النص المتعلق بتوزيع المقاعد النيابية الشاغرة، وقد حظي هذا الإجراء بمؤازرة القوى والشخصيات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني.
استجابت المحكمة الاتحادية العليا للطلب المقدم اليها وبعد عدة مرافعات أصدرت حكمها المرقم 12/ اتحادية/ 2010 المؤرخ 14/ 6/ 2010 المتضمن عدم دستورية الفقرة (رابعا) من المادة (3) من القانون رقم (26) لسنة 2009 وهو القانون المعدل لقانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005، والتي كانت تنص على :- (تمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة التي حصلت على عدد من المقاعد بحسب ما حصلت عليه من الأصوات). ومن خلال الاطلاع على حيثيات الحكم المذكور وقراءة الاحكام الواردة فيه وما تضمنه من مبادئ، يمكن تأشير الثوابت الاتية التي اعتمدها ال?كم للوصول الى الحكم بعدم دستورية النص المطعون به:-
اولا- ان نص التعديل المطعون بعدم دستوريته ونظام توزيع المقاعد الانتخابية رقم (21) لسنة 2010 الصادر بموجبه، والذي حل محل المادة (16) من القانون رقم (16) لسنة 2005 والمتعلق بتوزيع المقاعد النيابية الشاغرة على القوائم الفائزة في انتخابات مجلس النواب، اذ تم بموجبه منح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة بحسب نسبة ما حصلت عليه من الاصوات، بينما كان النص السابق قبل التعديل يجري بتوزيع المقاعد الشاغرة باعتماد طريقة الباقي الاقوى، اي النص السابق وتعديله – موضوع الطعن- لم يأت بجديد يغير من نتائج توزيع المقاعد النيابية?الشاغرة.
ثانيا- ثبت للمحكمة الاتحادية العليا – وبعد القراءة- للنص الوارد في التعديل المشار اليه اعلاه، وكذلك النص السابق قبل تعديله، فضلا عن نظام توزيع المقاعد الانتخابية، ان تلك النصوص والتي جرى العمل بموجبها، ادت الى ترحيل اصوات الناخبين من المرشحين المقصودة باصوات هؤلاء الناخبين الى مرشحين آخرين لم تتجه ارادة الناخبين الى انتخابهم، لا بل قد يكون أولئك المرشحون المرحّلة الاصوات اليهم خصوم سياسيين لهؤلاء الناخبين، وهذا يعني ان صوتك يذهب الى خصمك السياسي.
ثالثا- ان النتيجة التي توصلت اليها المحكمة الاتحادية العليا – وعلى وجه الجزم- ان نص التعديل ونظام توزيع المقاعد النيابية الصادر بموجبه، فضلا عن النص السابق (المعدل)، هي نصوص تخالف منطوق المادة (20) من الدستور، اذ ان المادة المذكورة نصت على:- (للمواطنين رجالا ونساء، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما في ذلك حق التصويت والانتخاب والترشيح).
رابعا- إن الدستور وفي الفقرة (اولا) من المادة (38)، كفل للعراقيين حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وان عملية تحويل صوت الناخب من المرشح الذي انتخبه الى مرشح آخر ومن قائمة اخرى، لم تنصرف إرادته الى انتخابه، وبالرغم منه، يشكل اعتداء على حقه في التصويت والانتخاب، وتجاوزاً على حرية التعبير عن الرأي، وبذلك يشكل مخالفة لحكم المادتين (20) و(38/ اولا) من الدستور. ان هذا الحكم يعني ان الكثير من أعضاء مجلس النواب المستفيدين من النص المحكوم بعدم دستوريته، يوصف وجودهم من الوجهة القانونية في مجلس النواب بعدم الدستور?، الا ان المحكمة الاتحادية العليا وفي صلب حكمها بينت:- (على ان لا يخل هذا الحكم بما تم في عملية توزيع المقاعد الشاغرة... بعدما جرى تصديق نتائجها النهائية من المحكمة الاتحادية العليا في 1/ 6/ 2010).
لما تقدم وبعد تلمس الثوابت التي جاء بها حكم المحكمة الاتحادية يمكن الخروج بالاستنتاجات الآتية:-
اولا- ان النص القانوني المحكوم بعدم دستوريته لا يحقق المساواة بين العراقيين، اذ انه يضفي امتيازات الى بعض الاشخاص من دون مسوغ قانوني او استحقاق، ويرسخ التمييز بينهم على الرغم من النصوص التشريعية التي تقضي خلاف ذلك، لذا واستنادا لما تقدم فانه يشكل مخالفة واضحة لحكم المادة (14) من الدستور التي تنص على:- (العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز..).
ثانيا- ان السلطة التشريعية (مجلس النواب) ملزم بالامتثال لحكم المحكمة الاتحادية العليا لان حكم المحكمة المذكورة (بات) اولا، اي انه لا يقبل اي طريق من طرق الطعن القانونية و(ملزم) للسلطات كافة ثانيا، استنادا لنص المادة (94) من الدستور، ولما كان مجلس النواب هو احدى السلطات المقصودة بالنص الدستوري لذا فعلى مجلس النواب ان يبادر الان الى تشريع القانون الذي ينسجم مع حكم المحكمة الاتحادية العليا، خاصة وان المساحة الزمنية التي تفصلنا عن الانتخابات التشريعية القادمة تضيق يوماً بعد يوم (بضعة اشهر)، ومعلوم ان المفوضية ?لعليا المستقلة للانتخابات يتعذر عليها اجراء الانتخابات التشريعية القادمة من دون نص قانوني يرسم لها الطريق لتوزيع المقاعد الانتخابية، فضلا عن عدم الجواز القانوني بالتعامل مع النصوص السابقة للحكم بعدم دستوريتها، وان الامر لا يحتاج الى المزيد من الجهد او الوقت، لان تجربة مجلس النواب في التعديل الذي اجري على قانون انتخابات مجالس المحافظات، الذي اعتمد طريقة (سانت ليجو) لم تزل طرية في الأذهان، وبالامكان اعتمادها.
ثانيا- ان النص المطلوب تشريعه لتوزيع المقاعد الانتخابية يجب ان يكون اتباعا لحكم المحكمة الاتحادية العليا وتطبيقا للمبادئ التي جاء بها الحكم المذكور، أي أن لا يكون مخالفا لحكم المادة (20) التي تضمن الحق في التصويت والحق في الانتخاب، والمادة (38/ اولا) من الدستور التي تضمن حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، اي انه لا يجوز بأي حال من الأحوال ان يتضمن التشريع المطلوب تجاوزا على حرية الناخب او هدراً لحقوق المرشح وخاصة ترحيل الاصوات موضوع النصوص المحكوم بعدم دستوريتها، إلى مرشحين آخرين لم يقصدهم الناخب.
ثالثا- تعتبر طريقة (سانت ليجو) هي الحد الأدنى الذي يحقق المبادئ الواردة في حكم المحكمة الاتحادية العليا، وان اي تشريع لا ينسجم مع الطريقة المذكورة ولا يحقق حرية الناخب في اختيار مرشحه يعتبر نكولا عن تطبيق الحكم المذكور، وان النكول عن تطبيق الحكم يعد مخالفة تلزم مرتكبيها الجزاء.
لما تقدم وللوضع المعطل لمجلس النواب بسبب الظروف السياسية التي يمر بها الوطن، فان مسؤولية القوى والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني تستلزم التحرك الآن وبمثابرة مستمرة وحشد كل الجهود لتشكيل اداة ضغط على مجلس النواب لكي يبادر الى وضع تشريع بديل عن النص القانوني المحكوم بعدم دستوريته وبأسرع وقت ممكن لان المتبقي من الايام ضيق ويضيق يوما بعد يوم.
ــــــــــــــــ
* قاض وباحث قانوني