مدارات

كيف صعد اليمين المتطرف الفرنسي؟

رشيد غويلب

تناول باتريك لو هارك عضو البرلمان الفرنسي ورئيس تحرير جريدة اللومانتيه، في مقال افتتاحي للجريدة في أيار الماضي، السؤال الذي يدور حوله الآن نقاش حاد في فرنسا: كيف حدث الصعود الكبير لليمين المتطرف، وما هي الدروس المستخلصة منه؟ وأشار إلى أن هذا الصعود في فرنسا وجزء كبير من بقية دول الاتحاد الأوروبي "لم يكن مفاجئا".
وكان واضحا في الاشهر الاخيرة، وخصوصا خلال انتخابات البلديات. ان خليطا من الرفض العام للسياسة، ورفض السياسة الممارسة بالفعل، يتجلى في الامتناع عن التصويت، والصعود القوي لليمين المتطرف ويشكل "كوكتيلا لخطر شديد". ان قيادة "الجبهة القومية" "تقف على باب السلطة" مستفيدة من الكثير "من السائرين في الركاب".
لقد بدأت في عهد ساركوزي عملية "استعارة" شعارات ورؤى اليمين المتطرف، وعلى خلفية الازمة المالية جرى تسويقها اجتماعيا. وحكومة الحزب الاشتراكي الحالية شوهت سمعة قوى اليسار باكملها، من خلال ادارة ظهرها لقيم اليسار ووعوده الانتخابية، ومن خلال اعلانها عن عدم وجود مخرج سوى الليبرالية. وبالتالي يتحول قسم كبير من ناخبي اليسار الحاكم الى معسكر رافضي المشاركة في التصويت. و اختار آخرون "في اجواء رفض الزعماء السياسيين، واقتصاد الفساد، والتجاهل من قبل النخب" التصويت للاحتجاج، وبطريقة، اعتقدوا انها تجعلهم من كبار صناع الضجيج. ولقد تدرب اليمين المتطرف على توظيف ادوات التعبير عن الغضب لصالحه منذ شهور.
وبخصوص دور مؤسسات الاعلام الكبيرة، اشارت الافتتاحية ايضا الى انها ساهمت بالمزيد من الارباك، باعتمادها التعابير الرنانة والتبسيط في تقسيم الناخبين بين " مؤيدي اوربا" و "المتشكيين". ويشدد الكاتب على ان "أوروبا يمكن أن تكون المشاركة و الانتاج المشترك، وتكون زمالة الروح الموروثة من ايراسموس، رابليه، أو غوته، فولتير و كانط، وثقافة مشتركة، وتعزيز التقدم والعلم، من غاليليو الى آينشتاين، نيوتن إلى كوبرنيكوس ".وبدلا من هذا اصبح الاتحاد الاوربي مرادفا للجهاز البيروقراطي، بعيدا عن الناس، ومصنعاً لتوجيهات وقواعد لتطبيق التجارة الحرة، والمنافسة الحرة، والسوق الحرة ومعايير اقتصادية لتقشف صارم، دون مشاريع سياسية انسانية، اجتماعية ، و اخرى بيئية.
وتشدد المقالة على عدم القبول باستمرار هذا الواقع، وتدعو جميع القوى الديمقراطية الى عدم التراجع، و"اسناد ظهرها للجدار" . ان قوى اليسار، وحركة الدفاع عن البيئة، وقوى جبهة اليسار تقف امام ضرورة " الوضوح، التواضع، والتجديد". فليس هناك مصير محتوم: "علينا النهوض، والحديث إلى بعضنا البعض، و التجمع في كل حي وقرية، في كل بلدة، في كل مصنع ومكتب ومدرسة، للمضي قدما في مشروع التحول السياسي وتغيير السلطة". وعلى الجميع اينما وجدوا التواصل مع الآخر، سواء كان اشتراكيا، او من الخضر، شيوعيا، او من القوى التقدمية الاخرى، وبدون استثناء "لتطوير تجمع جديدة من المواطنين، والاتحاد في هجوم سياسي وفكري مضاد، لفتح الطريق لإعادة بناء اليسار الجديد".