مدارات

كانت السماء ملبدة / الفريد سمعان

كانت السماء ملبدة بالغيوم والسنابل تبكي لكي تروي جذورها العطشى والقيود تمسك بالخطى والصحراء مأوى اختاره الظلم والتعسف لآلاف من الحناجر التي كانت تنطلق بين آونة واخرى لتقول لحملة السياط ان غدكم لن يكون كما هو يومكم. سوف تشق مشاعل الحرية ظلمات التعسف وان شلالات الغضب في الطريق إليكم، واصوات الكادحين تتحدى كل ما تفعلون وتفضح كل ما ترسمون من خرائط تحمي الامجاد التي تتكئون عليها، وانتم تمنون انفسكم بما يروق لكم وتعتقدون ان غدكم وما بعده سوف يظل شهياً نقياً مورقاً. ها هي صيحات الحق تدك المعاقل وتذهل العالم وتقع على اسوار قصوركم كما الصواعق حين تتفجر والعواصف حين تهب والسواعد حين تغضب والحناجر وهي تصفع بقوة الوجوه المتخمة بالسحت الحرام والدعوات الزائفة. لقد أطلت طلائع القافلة، كان يوماً غير مألوف، الشمس تضرب الارض والاشجار والجماهير بقوة، ولكن العجلات لم تتوقف.. انها بغداد هي الهدف الاسمى دائماً. عندما تنشر مظلتها تنتشر الظلال في كل نقطة من العراق. عندما تستقبل ثوارها تمجد التقاليد الثورية التي عرف بها العراقيون عندما ينتفضون تحت راية عادلة.
من كان يصدق بضربة واحدة تنهار اسواراً حكمت العراق سنوات طوالاً وارغمت الشعب على الرضوخ لاهواء ورغبات فئة صغيرة من الحكام بدعم من ملاك الاراضي وبناة اسس الاقطاع والعشائريات المزيفة والادعاءات الفارغة. اجل، لقد تحركت الخطى وعلى تدفقها واصداء مواقعها صلوات النصر واسترداد ما فقد من كرامات وما ضاع من احزان وما سكبت العيون من الدموع وما عانت عشرات الآلاف من النساء والاطفال عندما كانوا يتلقون العذاب والخوف لكي يلتقوا آبائهم واولادهم من المناضلين الاشداء الذين ركنتهم الطبقة الحاكمة والرجعية في اقصى البقاع ليأمنوا على انسهم من الغضب المتصاعد وصرخاتهم العاتية وهي تطالب بالحرية، والخبز، والمستقبل. انها تزورنا في كل عام.. تدعونا ثورة 14 تموز العظيمة للوحدة في الاهداف والدفاع عن الحقوق وضمان الكرامات، والابتعاد عن النزوات العابرة وراء شعارات تافهة مغموسة بالحقد والفرقة والطائفية البغيضة والاتكاء على تقاليد اكل عليها الدهر ولم يشرب. انها تدعونا لمقاومة التسلط والدكتاتورية والاحتكام لتزوير كل شي ونهب كل شيء وانتهاك كل شيء.
على حكام اليوم الافادة من دروس الامس والا فان مصيرهم لن يكون اقل شأناً مما جرى للآخرين، وان عدالة تموز تظل معولاً مشهراً فوق رؤوس كل من لا يعرف كيف يحترم نفسه ويعتقد انه الاكبر والاعلى، والأجمل الشعب وحده.. الكلمة الشريفة.. العمل الجاد بثقة وامل وتضحيات، هو وحده السبيل للانتصار وقيادة الوطن والاحساس بالمواطنة.
ان اصداء تموز تناديكم فقد كانت العاصفة التي اقتلعت العبودية والامجاد الزائفة وحطمت ابراج الظلم والتعسف، وهي شرف لكل المقاتلين الاشداء الذين تحملوا كل شيء ليجني سواهم من المرتزقة حقول الورد وسنابل الحياة، في الوقت الذي ينتهك ابطال المعارك الوهمية ابسط المفاهيم والقيم الانسانية.. وعليهم ان يتعظوا.