مدارات

في الذكرى الثالثة والتسعين لثورة العشرين التحررية / حسين كريم عواد المسعودي

تحل الذكرى السنوية لثورة العشرين التحررية في الثلاثين من حزيران في كل عام الثورة العراقية الوطنية الاولى التي قامت ضد المحتلين الاستعماريين الانكليز . هذه الثورة الجماهيرية الوطنية التي فتحت الطريق لنضال الجماهير الشعبية في العراق من اجل الاستقلال الوطني للبلاد .
الظروف والعوامل الدولية التي ساعدت لإشعال الثورة في العراق
ان ثورة 1920 هي ثمرة لنضال طويل خاضه الشعب العراقي نتيجة لتطور المقاومة العفوية الجماهيرية الكادحة ضد الاستعمار ومن اجل الاعتراف للشعب بحق تقرير مصيره .
وقد بدأت الثورة بحوادث لم تكن تتميز في بدايتها عن معظم الانتفاضات العفوية التي حدثت في البلاد في تلك الفترة , وكان للوضع الدولي في نهاية حزيران 1920 أثر كبير في تصعيد النضال التحرري للشعب العراقي حيث فشل التدخل العسكري للدول الاستعمارية ضد روسيا السوفيتية واحرز الجيش الأحمر انتصارات حاسمة في جميع جبهات الحرب الأهلية بما في ذلك المناطق القريبة من العراق .
ثم قام الجيش الأحمر بإنزال عسكري في ميناء اينزيلي الإيراني (ميناء بهلوي يقع على سواحل بحر قزوين) الذي كان قاعدة لسفن المتدخلين الانكليز وقد ولوا هاربين من منطقة كيليان بأكملها . وعلى اثر ذلك اعلن عن تأسيس جمهورية كيليان التي بادرت لمساندة الشعب العراقي في نضاله العادل الذي يخوضه ضد الاستعمار (لوفونست) في 13/7/1920
ان انتصار الجيش الاحمر واتساع الحركة الوطنية التحرري في ايران , قد وجها ضربة مباشرة للمحتلين الانكليز في العراق . ويؤكد ذلك المعلق السياسي البريطاني ((ي . شيرد)) بقوله ان طرد المتدخلين الانكليز من مناطق ما وراء القفقاس وكيليان قد فهم من قبل القوى الوطنية العراقية على انه دليل على عدم قدرة بريطانيا في الابقاء على سيطرتها في الشرق الادنى في مواجهة الحركة الوطنية التحررية للشعوب المستعبدة , وكان لتلك العوامل اثر كبير في اتساع نضال الشعب العراقي ضد الاستعمار وتصميمه على مواصلة العمل من أجل تحرير البلاد . . . على ان أهم نتيجة للثورة هي انها دفعت الجماهير الشعبية في العراق للانتفاض , وخوض قتال ضار ضد الاستعمار , بتأييد الثورة البرولتارية في روسيا . ولأول مرة في تأريخ العراق تصبح الحركة المعادية للاستعمار حركة جماهيرية اصيلة تشمل جميع انحاء البلاد من اقصاها الى اقصاها .
لم يقلل من اهمية الثورة حقيقة ان قيادة جماهير الشغيلة الثائرة كانت تتكون من الفئات الاقطاعية ورجال الدين إذ انه بالرغم من الايديولوجية الاقطاعية لقيادة الثورة فإن أحداثها قد امتازت بتصاعد النضال المعادي للاستعمار في البلاد . . .
ولثورة العشرين اهمية خاصة تبدو في ان 130 الف ثائر من الفلاحين والبدو وسكان المدن شهروا السلاح بوجه اقوى دولة امبريالية في ذلك الحين وقاتلوا قواتها المتفوقة عدداً وعدة لأكثر من خمسة أشهر بشجاعة لم يسبق لها مثيل . . .
الشرارة التي اشعلت نار الثورة
في الثلاثين من حزيران عام 1920 قام الضابط السياسي البريطاني في منطقة الرميثة في الفرات الاوسط باعتقال الشيخ شعلان ابو الجون زعيم عشيرة الظوالم احدى فروع قبيلة بني حجيم بحجج واهية ظاهرها امتناعه عن دفع ضريبة الارض , والحقيقة لمواقفه المعادية للانكليز . وعلى أثر ذلك قامت وحدات مسلحة من افراد القبيلة في نفس يوم الاعتقال باقتحام الرميثة واطلاق سراح الشيخ السجين .
وبعدها سرت الثورة في ارجاء البلاد سريان النار في الهشيم , وحازت الثورة على تأييد أوسع الجماهير الشعبية وكانت تقارير الضباط السياسيين البريطانيين في مختلف مناطق العراق تؤكد استعداد الفلاحين والبدو الرحل وسكان المدن بمن فيهم رجال الدين وشيوخ العشائر للالتحاق بالثورة فقد غادر المواطنون بيوتهم في ظلمة الليل جماعات وافراد للمساهمة في الثورة (باستثناء الطبقات المستغلة) بكسر الغين .
فقد اختلفت مواقفها بعد انتشار انباء الثورة حين كشف كبار الاقطاعيين وغيرهم الذين ارتبط مصيرهم بوجود المستعمرين الانكليز وعبروا عن مواقفهم المعادية للثورة . وأضطر الكثير منهم ممن نصبتهم السلطات البريطانية الى الهرب من الريف الى المدن تحت حماية القوات البريطانية عند سماعهم انباء الثورة . واستخدمت القوات البريطانية سياسة (فرق تسد) من جهة ومن جهة اخرى سلكوا طريق المفاوضات مع الثوار غايتهم كسب الوقت ليس الا حيث كانت تلك المفاوضات تصب اخيراً في مصلحة المستعمرين الانكليز لكي تصرف الجماهير الشعبية عن النضال المسلح فمثلاً قيام السيد تقي الشيرازي المجتهد الاكبر في كربلاء بمساع شخصية للوصول الى حل سلمي للأزمة فبعث بمحمد علي الشهرستاني وأحمد الخرساني الى بغداد من اجل المطالبة بجلاء القوات المسلحة واعلان العفو على الثوار واعادة المنفيين الى وطنهم قبل ان تعم الثورة وتشمل قبائل اخرى ((عبد الرزاق الحسني العراق في دور الاحتلال والانتداب)) .
وبسبب المفاوضات كسب الانكليز الكثير، اذ ارجأت الفصائل المسلحة للثوار في مناطق الشامية وابو صخير والكوفة وغيرها، عملياتها ضد المحتلين لحين انتهاء المفاوضات السياسية ومعرفة نتائجها .
نقص السلاح والذخيرة لدى الثوار
كانت مسألة تسليح جيش الثورة وتمويله بالذخيرة من اهم المشاكل التي واجهتها الثورة خاصة في بدايتها، فقد بدأت الفصائل الثائرة القتال وهي لا تملك سوى اسلحة بالية قديمة . وتتحدث المصادر الانكليزية عن ان من بين 130 135 الفاً من رجال الثورة كان 16 ألفاً منهم فقط يمتلكون اسلحة حديثة و43 الفاً يمتلك اسلحة قديمة اما بقية الثوار فكانوا مزودين بالسلاح الابيض فقط، وأنهم تمكنوا من الاستيلاء على كميات كبيرة من الاسلحة والذخيرة اثر الانتصارات الرائعة التي احرزوها على العدو , بضمنها عشرات المدافع والمدافع الرشاشة . الا ان مشكلة تمويل الفصائل الثائرة بالذخيرة بقيت دون حل . ((جاء ذلك في احدى ادبيات الثورة التي يصدرها محمد باقر الشبيبي)) ولم يكن الثوار على اطلاع بقواعد حرب المدفعية وشروط الرمي المنحني . كما كانوا يجهلون كيفية تسديد المدافع الحديثة لأهدافها .
نتائج ثورة العشرين واسباب فشلها وأهم دروسها
بعد خمسة اشهر من الحرب الدموية استطاع المستعمرون الانكليز اخماد ثورة الفلاحين والبدو والعمال الحرفيين وشيوخ العشائر ورجال الدين والمناضلين في سبيل حقهم في تقرير المصير .
كان عدم التكافؤ بين المتحاربين في النواحي الاقتصادية والتكتيكية والعسكرية من أهم اسباب فشل ثورة العشرين .
لقد استطاع الوطنيون العراقيون بفصائلهم الثائرة المجهزة بأبسط الاسلحة وبقيادة لا تملك خبرة بقواعد الحرب الحديثة، ان يقارعوا جيشاً نظامياً مدججاً بالسلاح الحديث حتى أخمص قدميه لأقوى دولة استعمارية في ذلك الحين . بالإضافة الى ضعف الوحدة الوطنية في العراق حسب ما كانت. فبعض القبائل والفئات الدينية في المناطق المختلفة كانت محافظة على عزلتها مما جعل استجابتها للثورة ليست في مستوى الاحداث . . . كما استطاع المحتلون الانكليز استغلال الخلافات القبلية والدينية بين المواطنين العراقيين وتمكنوا من عزل القبائل التي تقطن حوض دجلة عن الثورة ووقوفها على الحياد . وإن ثورة العشرين كانت قد بدأت بمبادرات عفوية من قبل الجماهير الشعبية ولم تنجح جميع المحاولات من اجل توحيد فعاليات مختلف الفصائل الثائرة في خضم الثورة . وبالرغم من ان الثوار كانوا يقاتلون بشجاعة منقطعة النظير الا انهم نادراً ما انتقلوا الى مناطق بعيدة عن قراهم لأنهم كانوا يخشون الابتعاد عن حقولهم وترك اعمالهم . . . ونتيجة لذلك فقد تهيأت للمحتلين امكانيات كبيرة للحفاظ على نفوسهم في جميع الجبهات والقضاء على مقاومة الفصائل الثائرة كلٌ على انفراد وأخيراً كان للمواقف السياسية لقيادة الثورة اثر كبير في تقرير مصيرها. وكان بعض قادة الثورة ليس في مستطاعهم قطع علاقاتهم بالفئات الاقطاعية المؤيدة للإنكليز حتى في مرحلة الانتصارات الباهرة التي حققتها الثورة .
وكان للبعض المتردد في قيادة الثورة تأثير لذلك لم تلبي ثورة العشرين الوطنية التحررية جميع الاهداف الملقاة على عاتقها . فهي لم تحقق جلاء القوات الاجنبية عن البلاد ولم تنجز الاستقلال التام للعراق واستمر نظام الانتداب البريطاني في البلاد كما كان عليه قبل الثورة .
ولعل جذوة هذه الثورة بقيت متأججة في صدور الثوار العراقيين حتى انبثاق ثورة 14 تموز المجيدة فبالرغم من التنكيل الشديد بالمساهمين في الثورة الوطنية فإن المحتلين الانكليز لم يستطيعوا القضاء على اصرار الشعب العراقي ورغبته في تحقيق الاهداف العادلة التي يناضل من اجلها كما ان الانتفاضات التي قام بها الشعب ضد الاستعمار خلال الاعوام 1920 , 1926 , 1927 , 1928 , والانتفاضات الجبارة التي حدثت خلال الاعوام 1935 1938 قد سجلت احداثاً مجيدة في تاريخ النضال التحرري للشعب العراقي فبدأت تترسخ في العراق أفكار التحرر الوطني والاجتماعي بصورة متزايدة فقد مزقت الجماهير الشعبية في العراق محاولات المستعمرين ربط البلاد باتفاقية (بورتسموث) الاستعمارية مع انكلترا عام 1948 عندما واجهت السلطة الرجعية ربيبة الاستعمار الانكليزي في العراق مقاومة عنيدة من قبل الجماهير الشعبية واتحاد الطلبة العراقي في معركة الجسر حيث سقط عدد كبير من الشهداء الميامين على مذبح الحرية .
وقد تتوج ذلك بانبثاق الثورة المجيدة في 14 تموز 1958 عندما هب الشعب تأييداً للثورة فور سماعه نبأها فالتف حول قادتها في ساعاتها الاولى وبكافة فصائله الوطنية وفي مقدمتها حزبنا الشيوعي العراقي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1- ل . ن . كوتلوف , ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق , تعريب : الدكتور عبد الواحد كرم , مراجعة : عبد الرزاق الحسني .
2- العراق الصراع الحضاري , تأليف : خالد محمد العبيدي .
3- أخبار شفهية عن كبار السن .