مدارات

الصحافة الشيوعية في العراق بين تأييد الثورة و عداء قادة تموز لها! / داود أمين

أصبح معروفاً القول إن الخامس عشر من حزيران من كل عام، أصبح عيداً للصحافة العراقية، ففي مثل هذا اليوم من عام 1869 أصدر والي العراق (مدحت باشا) أول صحيفة عراقية وهي (الزوراء)، وكانت صحيفة أسبوعية تصدر كل ثلاثاء وبثمان صفحات، وقد صدر منها (1606) عدداً خلال فترة إستمرت 47 عاماً متواصلة . والواضح أن صحيفة الزوراء كانت صحيفة رسمية، أي تمثل الدولة العثمانية، أما الصحافة الشعبية السياسية، أو غير الرسمية فقد نشأت عام 1908، أي بعد الآنقلاب الذي عُرف أنذاك بأسم (أعلان المشروطية) في 23 تموز 1908، وقد أصدر (مراد بك) شقيق محمود شوكت باشا قائد الحركة الآنقلابية على حكم السلطان عبد الحميد، جريدة (بغداد) في 6 أب من نفس العام، وأعقبه عبد الجبار باشا الخياط فأصدر أوائل كانون الثاني 1909 جريدة (العراق)، ثم أصدر عبد اللطيف ثنيان في 28 كانون الثاني 1909 جريدة (الرقيب). وأستمرت بعد ذلك عشرات بل ربما مئات الصحف الرسمية وغير الرسمية تصدر في العراق، مستمرة حتى هذا الوقت!
أما بالنسبة للصحافة الشيوعية في العراق، فيمكن القول أن صدور جريدة (الصحيفة) التي أصدرها حسين الرحال في 18 كانون الآول عام 1924 هو الميلاد الحقيقي للصحافة الشيوعية في العراق، إذ بالرغم من أن هذه الصحيفة أدبية علمية إجتماعية، إلا أنها كانت صحيفة ذات نهج يساري ماركسي، وقد توقفت بعد صدور أربعة أعداد منها ثم أعاد إصدارها عوني بكر صدقي لثلاث أعداد أخرى، قبل أن تتوقف بشكل نهائي!
وقد لعب الرفيق فهد دوراً بارزاً في إرساء أسس راسخة للصحافة الشيوعية في العراق، فقبل تأسيس الحزب عمل الرفيق فهد مراسلاً لجريدة الاهالي في الناصرية، وكان يكتب الآخبار والتقارير التي تكشف معاناة الفلاحين والكادحين والطبقات المسحوقة، وكان يوقع مقالاته باسم ياسين خلف او إبن المنتفك أو مراسلكم، وعندما أصدر الحزب صحيفته الآولى (كفاح الشعب) في 31 تموز 1935، كان الرفيق فهد خارج الوطن، لكنه كان من أبرز كتابها لآنه يدرك الدور الكبير الذي تلعبه الصحيفة ليس بإعتبارها داعيا جماعيا ومحرضا جماعيا فقط بل هي في الوقت نفسه منظم جماعي! وبعد صحيفة (كفاح الشعب) صدرت (الشرارة) نهاية عام 1940 ثم جريدة (القاعدة) مطلع عام 1943، كما صدرت جرائد (العمل) و (وحدة النضال) و (النجمة) و(الاتحاد) و(شورش) ونجح الحزب في إصدار صحيفتين علنيتين هما (الآساس) و (العصبة) وفي السجن أصدر الحزب عام 53 _ 54 جريدة (كفاح السجين) وفي نيسان 1944 اصدر الحزب جريدة ازادي (الحرية) السرية باللغة الكردية، وكان فهد والشهيد زكي بسيم (حازم) يشرفان عليها بالآضافة لملا شريف عثمان، كما أصدر الحزب جريدة (همك) ومعناها القاعدة وهي ناطقة باسم الفرع الارمني للحزب! كما أسس الحزب دار نشر بإسم (دار الحكمة) لآصدار الكتب التقدمية ألآ أنها لم تعمر طويلاً وأغلقتها السلطات الملكية! وقد إستخدم الشيوعيون الصحافة العلنية للاحزاب والقوى الوطنية العراقية لنشر أفكارهم والتعبير عن مواقفهم السياسية في مختلف القضايا ويذكر الجواهري في مذكراته كيف قدم له فهد أوراقاً دفعها الجواهري فوراً للمطبعة لتكون إفتتاحية صحيفته ليوم غد،حتى دون أن يقرأها ثقة بما يكتبه الشيوعيون، وقائدهم فهد بشكل خاص.

مميزات صحافة ما قبل تموز

هناك مميزات شكلية تتعلق بنوع الورق مثلاً، فهو عموماً غير جيد بحكم ظروف العمل السري والمكان الذي يحفظ فيه وتكلفته .. الخ أما بالنسبة للطبع وألاخراج، فهما عموماً دون المستوى المطلوب، إذ يتم ألآخراج من قبل رفاق غير متخصصين، وتطبع الجريدة في ظروف بالغة الصعوبة ، وبحجم صغير وبحروف صغيرة متداخلة لا تقرأ إلا بصعوبة أحياناً، ومن يتذكر رواية أيام صعبة لبهاء الدين نوري، يستطيع أن يتخيل كيف كانت تطبع صحافة الحزب السرية، وأي مشاق يتحملها الرفاق من أجل إستمرارها، والجانب الشكلي يرتبط بظروف العمل السري، حيث المطاردة البوليسية من قبل أجهزة النظام، وحيث البيوت السرية التي تتبدل كل حين وحيث الوشايات والخيانات والإنهيارات! وأخيراً الآمكانيات المادية للتنظيم الذي يصدر الجريدة!
أما ما يتعلق بالمضمون فيختلف تماما، وقد كتبوا عن القضايا الوطنية والطبقية والقومية، وهم كتاب شعبيون، بمعنى إنهم لا يعيشون في أبراج عاجية ولا يكتبون من خلف مناضد في مكاتب معزولة، إنهم يختلطون بالناس ويكتبون عن معاناة الناس، لذلك كانت كتاباتهم صادقة وواقعية وقريبة من أفئدة الجماهير! كما أن حجم الجريدة الصغير وكونها شهرية أو دورية أحياناً يجعل التكثيف والآقتصاد ضرورياً، لذلك تميز الصحفيون الشيوعيون في تلك الفترة بالآختصار والتكثيف ورفض الآنشاء، كان شعارهم (أعمق الآفكار وأهمها ولكن بأقل الكلمات) كما تميزوا أي?اً في أنهم أحرار، بمعنى أن ليس هناك رقيباً سلطوياً يحد من حريتهم في ما يكتبون، لذلك كانت كتاباتهم فاضحة للسلطة ولسياستها ولعمالتها وسلوك أجهزتها وموظفيها! ولكن هذه الحرية كانت محكومة أيضاً بتوجهات الحزب وبسياسته وبشعاراته في كل مرحلة! وكان الصحفي الشيوعي يدرك كل ذلك ويتحرك في إطاره! ويمكن القول إن الصحفيين الشيوعيين في تلك الفترة لم يكونوا خريجي مدارس صحفية أو دورات خاصة، وهم لا يمكن أن يتطوروا صحفياً في صحيفة شهرية سرية، ولكنهم عموماً سياسيون مثقفون، حيث إرتبطت كلمة الثقافة بالشيوعية، وقد برز من بين هؤلاءعدا الرفيق فهد وحازم وصارم، الرفيق زكي خيري وبهاء الدين نوري وذو النون أيوب وجمال الحيدري وعامر عبد الله وعشرات غيرهم!

صحافة تموز!

معروف للجميع كيف قامت ثورة 14 تموز عام 1958، ودور الحزب الشيوعي العراقي في جبهة ألاتحاد الوطني التي هيأت للثورة وساندتها ووقفت الى جانبها، ومعروف أيضاً الثقل الذي شكله الحزب في الشارع العراقي، بإعتباره أكبر الآحزاب العراقية جماهيرية وأوسعها قاعدة وتنظيماً، كما معروف أيضاً قيادة الحزب ورفاقه، لمنظمات الطلبة والشباب والنساء والعمال والفلاحين ولمعظم النقابات المهنية، وموقع الحزب داخل الجيش والقوة الجوية والشرطة والمخابرات، وكان حري بحزب له كل هذه الجماهيرية ويتمتع بمثل هذه المكانة، أن تكون جريدته هي الآولى التي تصدر وتوزع على الجماهير! ولكن ما حدث كان على العكس من ذلك تماماً، إذ أن أول صحيفة صدرت يوم 18 تموز كانت صحيفة (الجمهورية) حيث أصدرها الرجل الثاني في الدولة وهو (عبد السلام عارف) ووضع إسمه عليها رسمياً بإعتباره صاحبها ورئيس تحريرها! ثم استدعى عبد السلام عارف القيادي البعثي المعروف (سعدون حمادي) والذي كان أستاذاً في كلية الزراعة ليكون رئيساً لتحريرها، كما عين (معاذ عبد الرحيم) مديراً لتحريرها! اما العاملون الاخرون فيها فجميعهم من البعثيين، ومن بينهم (علي صالح السعدي وعبد الوهاب الغريري)، وحين شعر عبد السل?م بالاحراج من بقاء إسمه على صدر الصحيفة أعطاها لضابط متقاعد لا علاقة له بالصحافة يدعى (رشيد فليح!) وظلت (الجمهورية) جريدة للبعثيين! كما كانت تصدر قبل تموز جريدة (الحرية) لصاحبها المحامي والبعثي المعروف (قاسم حمودي)، وعاودت الصدور بعد الثورة بثلاثة ايام فقط، وقد إستخدمت للبعثيين والقوميين عموماً، وكانت صوتهم المدوي ضد الحزب الشيوعي وصحافته! كما عادت للصدور ايضا جريدتا (البلاد) و(الاخبار)، وبعد شهر ونصف من عمر الثورة، أي في الثلاثين من أب 1958 تم تعطيل جريدة (البلاد) من قبل مجلس الوزراء إستناداً الى قانون ال?طبوعات الملكي سيء الصيت! وكانت هذه هي البداية لما سيكون عليه وضع الصحافة، في ظل سلطة قاسم!
من المهم الاشارة الى أن الاسابيع والاشهر القليلة الاولى من عمر الثورة، أوضحت بروز تيارين إنعكسا بوضوح وحدة على الشارع العراقي وعلى الصحافة العراقية، التيار الآول ينادي بالوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، ويقود هذا التيار ويمثله بوضوح عبد السلام عارف، وحزب البعث وبقية القوى القومية،والتيار الثاني يطالب بالاتحاد الفدرالي، وقد إنعكس التياران، كما ذكرت في الصحافة العراقية، فكانت جرائد(الجمهورية والحرية) ترفعان شعار الوحدة الفورية مع مصر، في حين ترفع الصحف المستقلة ك (الآخبار والبلاد والزمان) شعار الاتحاد الفدرالي!
وفي 18 تشرين الاول عام 1958، أي بعد ثلاثة أشهر من إنتصار الثورة سمحت السلطة لثمانية صحف وطنية بالصدور، ولم يكن بينها صحيفة (إتحاد الشعب) أذ حصلت أحزاب الوطني الديمقراطي وألآستقلال وألآحرار على صحف خاصة بأحزابها، في حين حُرم الحزب الشيوعي من إصدار صحيفته العلنية! وقد دعت هذه الصحف أو معظمها على الآقل لآجراء إنتخابات نيابية حرة، وإنهاء فترة ألانتقال، وعودة الجيش لثكناته، وتوثيق عرى التضامن بين البلدان العربية، ولم تعجب هذه اللهجة السلطة الحاكمة رغم كل وعودها بانهاء فترة الانتقال وإجازة الاحزاب واجراء الانتخابات!

صحيفة إتحاد الشعب!

ولدت صحيفة (إتحاد الشعب) السرية في 22 تموز 1956، بعد توحيد الحزب، وبعد ثورة الرابع عشر من تموز قدم الحزب الكثير من الطلبات لآصدارها علناً إلا أن السلطات كانت تماطل وتراوغ، ويقال إن الفقيد الرفيق(عامر عبد الله) حمل لقاسم في أحد الايام (كونية) تحمل تواقيع مئات آلاف العراقيين الذين يطالبون بإصدار الجريدة، وقد نجحت تلك الجهود، وفي ظل ظرف سياسي مناسب، حيث تكشفت نوايا القوى الرجعية والقومية ضد قاسم وحكومته، نجحت في صدور الجريدة علناً يوم الخامس والعشرين من كانون الثاني عام 59، ولكن الغريب إنها لم تحمل إسم الحزب، ولم تُشر الى أنها لسان حال الحزب الشيوعي العراقي، لأن الحزب لا زال حزباً سرياً! والقانون يعتبر النشاط الشيوعي جريمة يعاقب عليها!! ولكن الجميع يعلم أنها تحمل نفس إسم جريدة الحزب السرية، وإن صاحب إمتيازها (عبد القادر إسماعيل البستاني) من ال?يوعيين القدماء، وسبق أن أسقطت عنه الجنسية العراقية عام 37 وبقي مع أخيه يوسف إسماعيل في لبنان وباريس حتى ثورة 14 تموز!
كان شكل (إتحاد الشعب) أول صدورها مميزاً فلا هو شكل الصحيفة الكبير ولا الصغير فهو أصغر من الحجم المعتاد وأكبر من النصف، والسبب في ذلك يعود لمطابع الرابطة التي طُبعت فيها (إتحاد الشعب) ولما تهيأ لها أن تصدر في مطابع جديدة أستوردها المهندس(فريد ألاحمر) من المانيا الشرقية، ونصبت في منطقة الشيخ عمر، وهي منطقة بعيدة عن مكاتب الصحف، وبعيدة عن احياء السكن، فهي منطقة كراجات وورش تصليح سيارات، فأن الجريدة صدرت بالحجم العادي!
المطابع الجديدة أتاحت للجريدة أن تصدر بثماني صفحات وبانتاجية عالية وبثلاث أو أربعة الوان، ففي الصفحة الاولى كان اللونان الاحمر والاسود وعلى الصفحات الداخلية أزرق وأسود وعلى الصفحة الاخيرة أخضر وأسود! وأصبحت منذ يوم صدورها الاول أوسع إنتشاراً ونفوذاً بين الجماهير، إذ كانت تنفذ حال نزولها للآسواق، بل إن المطبعة تعيد طرح نسخها للبيع على دفعات، ولا ينقطع الطبع حتى العصر! وكانت توزع حوالي 26 الف نسخة يوميا، وقد وصل تصريفها في أحد ألآيام الى 46 الف نسخة، وهو رقم لم تصله الصحافة العراقية حتى يومنا هذا! إذ كانم معدل تصريف الصحف في تلك الفترة الفي نسخة في أحسن تقدير! وكان الرفيق الفقيد (عامر عبد الله) هو المسؤول المباشر عنها، ويعمل في هيئة تحريرها الرفاق زكي خيري وعزيز الحاج وعبد الرحيم شريف وعبد الجبار وهبي وبهاء الدين نوري وغيرهم،، وكان مدير ادارتها الفقيد حسين جواد الكمر .
لقد تميزت إتحاد الشعب بمضمونها، فقد إحتوت على المقالات الجادة في مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، التي ساهم في كتابتها قادة الحزب وكوادره المتخصصة في مختلف المجالات، وقد نشرت مختلف الاخبار والتعليقات، وتعمدت رفض الاعلان المدفوع الثمن وكانت حين تنشر إعلاناً فعن كتاب شيوعي أو مكتبة شيوعية أو أي شيء يخص الحزب! وعلى صفحاتها أبدع الشهيد عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) في كتابة عموده اليومي الشهير (كلمة اليوم) وباللهجة البغدادية الدارجة، وكان الكثير من العراقيين والسياسيين يبدأون قراءة الجريدة من عمود ابي سعيد! لقد نجحت صحيفة إتحاد الشعب لآسباب كثيرة يقف في مقدمتها أن كتابها كانوا من الكفاءات السياسية والثقافية الكبيرة ومن المتخصصين والآدباء، هذا بالاضافة لجيش من المراسلين الحزبيين الذين ينتشرون في كل مدن العراق وقراه، وفي مختلف المواقع الوظيفية والذين يمدون الجريدة بمختلف الاخبار والموضوعات والحقائق! كما إن المطبعة الجديدة والالوان ونوع الورق والعلنية التي وفرت المعرفة السريعة والمباشرة لرأي الجمهور، كانت هي أيضاً من عوامل تميز الصحيفة وبروزها! وكانت صفحة الادب في الجريدة ميداناً لظهور أسماء أ?بية جديدة أذكر منهم الشاعر حسب الشيخ جعفر الذي بدأ خطواته من إتحاد الشعب! وكان للجريدة دور في صراع السلطة ضد شركات النفط الاحتكارية إذ كتبت سلسلة من المقالات المتخصصة،كما أعطت رأيها في حل القضية القومية الكردية على اسس ديمقراطية سليمة،ووقفت الى جانب القطاع الخاص والبرجوازية الوطنية، وأكدت على الطابع الوطني الديمقراطي لسلطة الدولة ولم تطرح شعارات إشتراكية غير واقعية!

من هم أعداء إتحاد الشعب، أعداء الحزب الشيوعي العراقي؟!

1 عبد الكريم قاسم وسلطته وأجهزته : بعيداً عن الحماس العاطفي ومشاعرنا تجاه الشهيد البطل عبد الكريم قاسم،فأن دراسة متأنية لتلك الفترة ولما قام به هذا الرجل تجاه أخلص حلفائه وأوفى مسانديه، متمثلين في الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين لشيء يدعو للاستغراب، بل هو السبب الرئيسي لانتصار إنقلابيي شباط،، ولخسارة قاسم نفسه لحياته! لقد كانت البداية في تحجيم الحزب عندما لم يشركه في الوزارة الاولى التي شكلها، ولم يسمح له بإصدار صحيفته المركزية لآكثر من ستة أشهر، بعد قيام الثورة! وبعد أسبوع من صدور الجريدة، أي في مطلع ?باط 1959 كتبت(إتحاد الشعب) مقالاً علقت فيه على إستقالة ستة وزراء قوميين، فرأى وزير الارشاد عدم إجازة المقال وحذف فقرات منه، ولكن الجريدة تحدت الوزير ونشرت المقال بكامله، فأمر الوزير بإيقاف الجريدة لمدة 15 يوماً ووزع قرار التعطيل على الصحف، ولكن إتحاد الشعب إستمرت بالصدور، وكانت تلك أول مصادمة مع السلطة!
في العدد 43 من السنة الثانية لصدور الجريدة في 14 أذار 1960 نشرت الجريدة خبراً طريفاً عنوانه { ضبط متلبساً بجريمة قراءة إتحاد الشعب } جاء فيه (قدم السيد محمود ضيدان من مواطني المدحتية عريضة الى سيادة الحاكم العسكري العام ومتصرف لواء الحلة وحاكم تحقيق الهاشمية قال فيها ان مسؤولا ذكر إسمه ولم تذكره الجريدة أرسل عليه بتاريخ 9 | 3 |1960 وتصدى له بالضرب، إذ كان بيده جراز، ولم يكتف بذلك بل عاونه مسؤول صغير أخر، وكان سبب ذلك حسب إدعاء المسؤول الاول، لآنه يقرأ جريدة إتحاد الشعب!)
منعت الجريدة في الديوانية ثم في السماوة، ثم قام قائد الفرقة الاولى العميد (حميد السيد حسين الحصونة) بمنع تداول إتحاد الشعب في سبعة الوية(محافظات) تقع تحت سلطته العسكرية وهي البصرة والعمارة والناصرية والديوانية والحلة وكربلاء والكوت! أي نصف الوية العراق حينذاك، فهل كان الحصونة يجرؤ أن يفعل ذلك لولا علم وموافقة قاسم!؟ والطريف أن الحصونة نفسه خطب قبل عام من منعه للصحيفة، وأثناء فشل محاولة الشواف، قائلاً أنه يتشرف أنه كان رفيقاً لفهد وإنه يستهدي بمبادئه وأفكاره!!
وفي 3 حزيران 1960 وجهت اتحاد الشعب كتاباً مفتوحاً لعبد الكريم قاسم تذكره بما سبق ان اعلنه من حرصه على حرية الصحافة وأنه لن يسمح بالحد من حرية أية صحيفة بسبب ما تكتبه وما تبديه من اراء، ويبدي الكتاب إستغرابه من الآجراءات الغريبة ضد الجريدة الممنوعة في سبعة ألوية!! وفي اب 1961 أوقفت جريدة إتحاد الشعب إستناداً لقانون صادر في العهد الملكي هو (قانون المطبوعات) رقم 24 لسنة 1954، وفي 22 حزيران أغلقت صحيفة (صوت الطليعة) وهي صحيفة الحزب في البصرة، كما أغلقت (صوت الفرات) لسان الحزب في الفرات الاوسط،وفي 27 أب61 أغلق? (صوت الشعب) التي أصدرها الرفيق الشهيد (محمد حسين ابو العيس) بعد توقف إتحاد الشعب وفي أب 1961 أغلقت (إتحاد العمال) صحيفة الاتحاد العام لنقابات العمال، ثم أغلقت الحضارة والثبات الاسبوعيتين الشيوعيتين وفي 28 كانون الاول أغلقت صحيفة(الانسانية) الصادرة كل اسبوعين، وبقيت صحيفة (صوت الاحرار)، وهي غير حزبية حتى نهاية حكم قاسم! وقد إنفجر غضبها، وهي تشهد ما يتعرض له الوطن وما يعانيه المواطنون، فكتبت تقول (إننا لا نطلب من حكومتنا التصنيع الثقيل ولا الرفاهية ولا المستقبل الزاهر، كل ما نطلبه هو السلم والاستقرار والتمك? من النوم بهدوء، لقد طهرت قوات الامن في ايام النظام البائد، البلد من كل العصابات وقطاع الطرق، لهذا فأننا نطلب من حكومتنا الاجابة عن هذا السؤال : لماذا لا يفعلون الشيء نفسه؟)
ويمكن الاشارة بوضوح اكبر الى موقف قاسم من إجازة الحزب الشيوعي العراقي فعندما أصدر قانون الجمعيات رقم 1 لسنة 60 تقدمت اربعة احزاب طلبا للاجازة وهي الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردي الموحد والحزب الجمهوري، وكان الرد إجازة الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردي، وجمعت السلطة فئة من الشيوعيين القدماء بقيادة (داود الصايغ) ودفعتهم لتقديم طلب باسم الحزب الشيوعي العراقي، وقد حصلوا على إجازة للحزب، وأصدروا جريدة(المبدأ) لتكون لسان حالهم! وعندما قدم الحزب طلباً لحزب أخر باسم(إتحاد الشعب) جاء الرفض بالنص التالي (أن الاهداف والاغراض المبينة في المنهج والنظام المقدمين من قبلكم تتفق واهداف الحزب الشيوعي العراقي القائم أو تكاد و لذلك فأن قيام حزبكم مع وجود الحزب الشيوعي العراقي أمر لا ينسجم مع المباديء القانونية العامة التي لا تقر قيام حزبين سياسيين بأهداف وأغراض واحدة أو متقاربة، فضلاً عن إن ذلك لا يأتلف وسياسة الجمهورية الخالدة في توحيد الجهود للعمل لخير مجموع الشعب) كما رفض قاسم اجازة(الحزب الجمهوري) الذي تقدم بطلبه عبد الفتاح ابراهيم والجواهري وطه باقر وعبود زلزلة وصديق الاتروشي وغيرهم!
في 23 تشرين الاول 1961 وفي المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي اعلن الشهيد سلام عادل ان 286 شيوعيا إستشهدوا حتى ذلك التاريخ وعدد الجرحى الشيوعيين هو 1572،وذكر مصدر شيوعي ان 7510 حالات مسجلة من غارات الشرطة وقطاع الطرق على ممتلكات ومقرات المنظمات التي كان يقودها الشيوعيون، واكد ان 3424 عائلة محسوبة على الحزب دعيت لمغادرة بيوتها!!
2 _ البعث والقوى القومية العربية : يقول فيصل حسون وهو رئيس تحرير صحيفة الحرية التي يملكها المحامي قاسم حمودي، وأصبح نقيباً لنقابة الصحفيين لثلاث دورات منتصف الستينات، يقول في كتابه (صحافة العراق) وفي الصفحة 363 ما نصه (إننا عندما فكرنا بإستئناف إصدار الحرية مطلع أب 1959 قررنا أن نجعل منها سلاحاً ماضياً بأيدي الفئات القومية والاسلامية، حتى إنني أخذت أتصل بممثلي الاحزاب السياسية الحزب العربي الاشتراكي وحزب البعث وحركة القوميين العرب والحزب الاسلامي لاضع الحرية في خدمة التيار الذي يحارب عبد الكريم قاسم والشيوعية معاً ...) ثم يكمل (ولآننا كنا نعبر عن مشاعر المواطنين غير الشيوعيين، فقد كان بريدنا يحفل بالصور والوثائق التي يبعث بها الينا المواطنون من موظفين وطلبة أو حتى ضباط في الجيش أو الشرطة وكلها تتحدث عن مخازي الشيوعيين وجرائمهم)!! ويؤكد فيصل حسون في الصفحة التالية من كتابه أن جريدته حاولت إلصاق تهمة محاولة إغتيال قاسم في 7 تشرين الاول 59 بالشيوعيين حيث يكتب بالنص (ولكننا وبعد أن تخبطت أجهزة الامن في الساعات الاولى من البحث عن الفاعلين حاولنا في جريدة الحرية أن نبعد الاتهام عن الفئات القومية، وان نلمح من طرف خبير الى انه من غير المستبعد أن تكون العناصر الشيوعية هي التي أقدمت على العملية، ومن هنا إنطلقنا الى استنكار محاولة الاغتيال والحديث عن الفوضويين ونعني بهم الشيوعيين، بعد أن أطلق عليهم قاسم في خطابه في مار يوسف هذه التسمية، والصاق التهمة بهم، بيد ان محاولتنا لم يكتب لها النجاح، ولم نستطع الاستمرار بها طويلا بعد ان جاء رجال الامن بصورة لجثة القتيل بقصد نشرها في الصحف لاتاحة فرصة التعرف على صاحبها من قبل جمهور القراء، وهنا فوجئنا بأن الصورة كانت لعبد الوهاب الغريري أحد أعضاء حزب البعث، وكان يعمل مترجماً في صحيفتنا .) فهل هناك شهادة اصدق من هذه ؟ في نفس كتابه هذا يقول فيصل حسون بالنص (عندما مثلت جريدة اتحاد الشعب أمام المجلس العرفي العسكري وصدر اواخر اب 1961 قرار الحكم بتعطيلها أحسسنا ان الدور قد جاء علينا وان عبد الكريم قاسم لا يمكن ان يترك اقلامنا تكتب في الوقت الذي حجب فيه اقلام الشيوعيين، وللحقيقة أقول اننا احسسنا بفراغ كبير فقد كانت اتحاد الشعب تمثل بالنسبة لنا هدفاً نصب على ما تكتبه نيراننا، ونجد في صفحاتها وافكارها مادة لمناقشاتنا وحملاتنا، ولم تكن الصحف الاخرى الضالعة في ركاب التيار الشيوعي مثل جرائد البلاد والراي العام والانسانية والحضارة والاستقلال و14 تموز وغيرها تثير اهتمامنا او تكتب ما نعتبره ذا قيمة ووزن يتطلب عنايتنا، بل ان اتحاد الشعب وهي اللسان الرسمي للحزب الشيوعي العراقي هي التي كانت شاغلنا، وكان ما تكتبه تنعكس اصداؤه على صفحات الحرية مقالات وتعليقات وغمزات) وفي اول عدد صدر من الحرية بعد توقفها نشرت في الصفحة الاولى صورة كاريكاتورية لعبد الكريم قاسم وهو يحمل بيده سيفاً وقد ظهرت عند قدميه افعى ضخمة كتب عليها (الشيوعية والفوضوية) وتعليق على الصورة ببيت شعر لا تقطعن ذنب الافعى وتتركها! وكانت معركة ال?رية مع الحزب الشيوعي وصحافته ضارية إذ نشر الدكتور مصطفى سليم سلسلة مقالات بعنوان (مذكرات قومي متآمر) شن خلالها هجوما على الحزب الشيوعي، كما نشر الشاعر بدر شاكر السياب سلسلة مقالات بعنوان (كنت شيوعياً) وكتب مالك سيف سلسلة مقالات وقعها باسم (عبد الله أمين) وكانت هناك زاوية اسبوعية بعنوان (أساطير) وبتوقيع ثرثار وكان كاتبها (عبد الهادي مختار)! وعدا الحرية فقد كانت هناك الكثير من الصحف القومية الاخرى التي عادت الحزب الشيوعي وصحافته (كاليقظة والفجر الجديد ومجلة الوادي) التي كانت معروفة بمواقفها الوطنية في العهد الملكي وباسلوبها الهزلي واللاذع في النقد ففي عددها الثامن الصادر في 30 نيسان عام 1960 صدرت وهي حافلة بالمقالات والتعليقات المعادية للحزب الشيوعي العراقي، ومن أمثلة ذلك برقية من جماهير الكوت يرد فيها (لذا نطالب بالحاح بالغاء امتياز هذه الجريدة العميلة وإنزال العقوبات بالمسؤولين عن اخراجها بهذا الوجه البشع ليكونوا عبرة لغيرهم) ثم نشرت تواقيع البراءات سيئة الصيت التي خرجت من تحقيقات بهجة العطية! وتحت باب (من رسائل الفوضويين) كتبت هذا النص (أرجوأن يصلك كتابي هذا وأنت قد احرزت ثقة وتزكية أوسع الجماهير طراً بجرائمك البروليتارية العادلة وحصلت على وسام الاستحقاق من درجة مناضل شريف مكافئة لك على اعمالك البطولية الرائعة في ميدان السحل والقتل والهدم والتخريب، وإذا سألت عني فأنني اليوم في شغل شاغل فقد انيطت بي مهمة حزبية لتشويه الحقائق وترويج الشائعات وبث الفتنة بغية الهاء الشعب عن مكافحة الشيوعية) وكانت جميع اعداد الوادي منذ صدورها حتى احتجابها تتضمن الاسلوب التهجمي ضد الحزب الشيوعي.
3 _ رجال الدين وفتاواهم : في 3 نيسان 1960 أصدر الشيخ مرتضى الياسين في النجف فتوى نشرت في جريدة الفيحاء الناطقة بلسان الحزب الاسلامي أعلن فيها بالنص ان الانتماء الى الحزب الشيوعي او تقديم الدعم له من اكبر الاثام التي يستنكرها الدين) وفي نفس الشهر وفي النجف ايضاً أعلن ميرزا مهدي الشيرازي أن صلاة المسلمين الذين يعتنقون الشيوعية وصومهم غير مقبولين بسبب غياب الايمان) وفي وقت لاحق وفي حزيران من نفس العام عاد الشيرازي فأكد انه لا يسمح للمسلمين بشراء اللحم من قصاب يؤمن بالمباديء الشيوعية، وانه لا يجوز للشاب الذي يحمل القناعات الشيوعية أن يرث أباه!) ولا ننسى الفتوى التي اطلقها السيد محسن الحكيم باعتبار الشيوعية كفر والحاد!
ومن المهم أخيرا الاشارة لشهداء الصحافة الشيوعية بعد ثورة تموز، وهم كوكبة زاهية من المناضلين الشجعان من بينهم عبد الرحيم شريف وعدنان البراك وعبد الجبار وهبي وجمال الحيدري ومحمد حسين ابو العيس ونافع يونس والعشرات غيرهم!