مدارات

حقائق من سجن (ابو غريب) (3-3) / كامل صبار جبر

انكم تورطون عوائلكم... فكان جوابي لا ارادياً... اتقوا الله في الناس نحن ضحايا بين ايديكم لماذا عوائلنا فأجابني... ولماذا تستخدمونهم... فأجبته ومن كان غبياً لهذه الدرجة ونحن قد قطعنا فترة في السجن يتورط بأي موضوع ويورط غيره بذلك وكيف يوقع بعائلته بمثل هذا التصرف الغبي واذا بسيل من الضرب ينهال علي بالايدي والكيبل حتى سقطت ارضاً وسمعت المجرم طارق الهيتي يتفوه بكلمات يبدي فيها حرصه على الناس حيث يقول... يورطون الناس المساكين بأعمالهم الشريرة... فأجبته لم يكن فينا من هو شرير ولا مريض عقلياً ولا مغامر وليس فينا من يضحي بعائلته في هذه الطريقة الرخيصة حيث كان جوابي بما دار بعقلي بأن جميع عائلتي معتقلة هذا ماتصورته فكان من واجبي الدفاع عن عائلتي واذا بكيبل من الخلف على ام رأسي وكانت مؤخرته قد نالت من عيني اليمنى التي لازلت اعاني من اثارها فكان جوابي لا ارادياً لايا ابن... فكنت وليمة لهذه الليلة حتى فقدت الوعي وأستكملت حلفتهم بهذه الليلة بالاخرين الذين معي بالغرفة كما ذكرت وبنفس الطريقة الوحشية حيث كان المحققون يركزون على نيل الاعتراف على التنظيم وعلى ابن عمتي وزوج اختي مالك الضحية لهذه المؤامرة القذرة التي يقودها المجرم طارق الهيتي والخائن هادي ناصر فبعد ان استكملت الحفلة لهذه الليلة دون ان يستطيعوا الحصول على اعتراف تم سحبونا الى الغرفة التي احتجرنا فيها وعندما اقول سحبنا فأعني بذلك السحب على الارض حيث نحن فاقدي الوعي واعيدت الاجراءات السابقة لمن يستطيع ان يضمد جراح الاخرين القيام بواجبه اتجاه الاخرين لكني كنت في حالة نفسية لا استطيع وصفها بسبب وجود ابن عمتي مالك والتحقيق معه والقلق لربما تكون هذه الليلة الضحية من افراد عائلتي الاخرين لماذا مالك هنا، وانا وهكذا والاخرين بين من استعاد الوعي وجزءً من حيويته وبين من لازال في حالة قلقه من شدة الالم، واذا بالباب تنفتح علينا وتم ادخال ثلاثة من رفاقنا فبحق كان فرصة لنا عندما رأيناهم حيث كنا في حالة من التوجس عليهم كوننا نعتقد بأنهم او احدهم قد فارق الحياة بسبب التحقيق والتعذيب الذي تعرضوا له في الليلة الاولى وعندها تم معرفة ماكانوا هم الذين تعرضوا لوطاة التحقيق في الليلة الأولى حيث كان المناضل مهدي حسين مهدي هذا الرجل الشجاع الذي ضرب مثلاً للبطولة بصموده وقد كان هذا مقرباً من هادي ناصر في العلاقات بحيث ان المجرم هادي ناصر قام بأعطاء نقاط ضعف الرجل بالتحقيق واستخدمت ضده اثناء التعذيب قد يأخذ الحديث منحى مطولاً لكن لابد من ذكره بحكم العلاقات الشخصية في ما بيننا في السجن يميل الانسان ان يشرح لزميله في السجن اساليب التعذيب والنوع الذي يتخوف من استخدامه ضده حيث يكون اكثر اذى من الاساليب الاخرى وعدم تحمله له حيث ان هذه المعلومة التي كان تحدث فيها البطل مهدي حسين مهدي الى هادي ناصر استخدمت ضد الرجل فكان تركيزهم بالتعذيب على نقطة ضعفه للنيل منه واعترافه لكنه صمد كصمود الجبل لمواجهة الرياح العاتية.
وبصموده انقذ نفسه ومجموعتنا اما الاخر من ضحايا الليلة الاولى فكان المناضل خضير مطيلج جريو ولم تكن حالته اقل اذى من مهدي ولا اقل صموداً وشجاعة واما الثالث فكان المناضل مالك سفيح حيث كان الاخيران كثيري المناقشة وطرح الاراء امام الخائن هادي ناصر وكذلك مشاكسته وقد صب كل ما لديه من حقد عليهم ونفذ على يد المجرم طارق الهيتي وقد استمرت الحفلات بعد هذا اليوم لكن لم يتم استدعاء الجميع للحفلات بل جزء منا حتى اليوم العاشر من ايام التحقيق وكان اثنان من المجموعة الذين تم استدعاؤهم معنا في اليوم الاول لم نلتق بهم ولم نعرف مصيرهم حتى اليوم المذكور واذا بأدخالهم علينا بنفس ادخالنا سحباً على الارض وهم فاقدو الوعي وبذلك كان قد لجأ المجرمون الى طريقة جديدة استفزازية في التحقيق وكانت شكوك المجموعة تدور حول الخائن هادي ناصر وتقربنا له والمزاح معه لأعتقادنا بأنه مزود بمسجل لتسجيل ما نتكلم به اثناء النهار وردود افعالنا وهذا ماثبت لنا بعد ذلك رغم جراحنا والامنا فاحتطنا حذراً مضاعفاً من الاساليب الخبيثة والقذرة لأجهزة النظام وكيف تعمل على اذى ابناء الشعب العراقي والشيوعيين على الخصوص.
بعد اليوم العاشر من اجراءات التحقيق معنا عجزت القوة الامنية المكلفة بالتحقيق عما كانوا يرومون تحقيقه حيث عرفنا فيما بعد بأن الامن العامة قد ارسلت مجموعة مختصة لأجراء التحقيق معنا حيث ان ذلك مكسب لايضاهيه مكسب بالنسبة لهم لارضاء سيدهم المجرم صدام حسين وكان المشرف الرئيسي وعلى اتصال مباشر طيلة وقت اجراءات التحقيق مدير الامن العامة آنذاك محمد الدوري وتمت مواصلة التحقيق واجراءاته حتى الليلة الخامسة عشر حيث ليلة المواجهة الاخرى بعد اسبوعين من المواجهة السابقة التي تم فيها استدعاؤنا واجراءات التحقيق ضدنا...
وجه مدير الامن العامة بأن ليس من المعقول ان هذه المجموعة وهذا العدد لم يحصل انهيار بأحدهم اضافة الى الخائن هادي ناصر لكي تتم اجراءات المحاكمة وتصفيتها على ضوء اعترافاتهم واثناء هذه الليلة كما ذكرت الليلة الخامسة عشرة من التحقيق كانت بحق من اقسى الليالي وكانت المجموعة بكاملها تحت طاولة التحقيق الواحد تلو الاخر فكان نصيبي هذه الليلة اقل من الاخرين بالتعذيب لكثرة عددنا وعجزهم واعيائهم من التعب فعندما كنت ساقطاً على الارض ولا زلت بكامل الوعي وكان غطاء العين قد تحرك من عيني ففتحتها قليلاً لاستطلع احوال مجموعتي سراً واذا امام عيني احد ضباط التحقيق عرفت اسمه فيما بعد، هذه الحالة وانتهاؤها كان جالساً على جنب ويبكي وعيونه تذرف دموعاً فادركت حينها رغم الاذى الذي نتعرض له هم منهزمون وان الكلمات التي يطلقونها علينا اثناء التحقيق مثل يالله عيني... اعترف... مو راح تموت... وهكذا ما هي الا هزيمة لهم وما بكاء هذا الضابط بألخفاء الا دليل على ذلك وعندما استعدت وعيي في اليوم التالي أخبرت لمجموعتي بما شاهدت من احد الضباط وفي يوم المواجهة هذا كنا جميعاً غارقين في الخيال حول مصير عوائلنا لكن اغلب المجموعة ادركوا بان عوائلهم لم تتعرض الى الاذى سواي حيث كنت قلقاً جداً خاصة حول مصير مالك ابن عمتي حيث لم يتم صحبه معنا طيلة هذه الفترة كونه ليس بسجين ولم تثبت ضده التهمة الموجهة له اثناء مجريات التحقيق وفي يوم المواجهة هذا كان قد وجه مدير الامن بألقاء القبض على من يستطيع القبض عليه من عوائل المجموعة فكان الهدف الرئيسي زوجة المناضل مهدي حسين مهدي (ام ماجد) بعد ان اعلم فريق العمل على التحقيق بان الموقوفين والمقصودين (نحن؟) لم تثبت جريمة ضدهم فيجب انهاء التحقيق حيث ليس من المعقول ان لا ينهار احدهم ويدلي بما لديه من معلومات وهنا اثناء المواجهة جاءت زوجة المناضل مهدي حسين مهدي وتم القاء القبض عليها وجهت لها الاسئلة كيف تنقلين المنشورات بين زوجك والحزب الشيوعي العراقي وبحكم خبرتها وهذا ما ذكرته لي لاحقاً، اجابتهم اية منشورات يابة؟ انا زوجي سياسي منذ الستينيات وقد مللنا من السجون ونحن نحسب الايام لاطلاق سراحهم هل هناك مجنون يقوم بمثل هذه الاعمال خاصة زوجي وهذا الكلام لام ماجد تقول فقلت له اتق الله فيه انه صاحب عائلة ونحن تحملنا ما تحملنا...تقول وانا جالسة امام المحقق فقال المحقق واذا كان عليك شاهد بذلك تقول وانا هكذا اتأمل الوقف المفاجيء حيث لم اعرف ان زوجي موقوف بقضية محاكة ضده ومجموعته فطلب المحقق جلب الشاهد للادلاء بشهادته فدقائق معدودة واذا بأدخال هادي ناصر علي وقال الضابط هذا الشاهد قال له الضابط اشهد عليها بالجريمة التي ارتكبتها ضد الدولة.
فتقول صدمت صدمة لا استطيع ان اصفها ولا ارادياً قول هادي فقال انك تنقلين المنشورات هذه (واخرج الضابط اوراقاً) من زوجك الى الحزب الشيوعي العراقي ومن الحزب اليه. فقالت لم يكن امامي الا ان اقول له بكل حزم والله حرام عليك لقمة العيش التي اكلتها مع ابو ماجد ولك وتريد تعدمه من دون سبب لعنة الله على والديك يا كلب، فتفاجأ الضابط وقال له هل رأيت وحدك هذه المنشورات عندما سلمها زوجها لها او كان معك اخر ولكون المجرم يعرف جيداً ان خيوط المؤامرة لا تكتمل بشخص فأجاب نعم معي الكردي لطيف فأمر الضابط فوراً بجلب السجين لطيف ليدلي بشهادته تقول ام ماجد وانا هكذا والمجرم واقف وتم ادخال السجين الكردي لطيف علينا في غرفة التحقيق فسأله الضابط مباشرةً، هل تعرف هذه المرأة؟ كذلك وهو اجاب مباشرةً من اين اعرفها فقال الضابط وكيف رأيتها تسلم المنشورات لزوجها؟ وانت الان لا تعرفها، فكان بحق شجاع فتكلم بالعامية اواش اواش أي منشورات هذه فقدمها الضابط له، فضحك السجين لطيف وقال يابة اواش اواش هذه المنشورات كتبتها بيدي انتم تعرفون هادي ناصر حيث كان هذا الخائن يدعي الاشقيائية في السجن، لقد ضغط علي هادي وكتبتها بيدي وهاكم طابقوا الخط فحينها تفاجأ ضابط التحقيق وأشار لأثنين من مساعديه وهو ونزلوا ضرباً بهادي لا يوصف وعاد وجلس وقال فوراً يطابق الخط وانا هكذا وتم كتابة ورقة عليها بعض الكلمات بيد السجين الكردي لطيف واخذت للمطابقة فبعد اكثر من ساعة جاء الجواب بان الخط مطابق، فتم اجراء تحقيق مع هادي وثبت انه متفق مع المجرم طارق الهيتي على هذه الجريمة لكي ينال هو اطلاق السراح والمجرم طارق الهيتي يحصل من سيده المجرم صدام حسين على ترقية تليق به وبالنهاية تمَ انكشاف خيطي الجريمة وعند مساء اليوم المذكور تم ابلاغنا بان قضيتكم قد حسمت لصالحكم وانكم ابرياء فكانت فرحة لنا لكنا لا نعرف بأي طريقة حسمت وكيف انتهت؟ وابلغنا احد الضباط حيث جاء لنا في الغرفة وقال ستبقون هنا حتى تشفى جراحكم وتستعيدون نشاطكم وبعد ذلك نعيدكم الى مواقعكم في السجن وعرفنا فيما بعد كيف كان انقاذنا على يد زوجة المناضل مهدي حسين مهدي وبقي مجرما القضية لهذه اللحظة هادي ناصر والمقدم طارق الهيتي دون عقاب.

واحتراماًُ لكل من صمد بوجه الجلاد اهدي هذه الابيات...
لقد صمدنا على جراحنا
وابكينا الجلاد توسلاً
يخاطبنا....
انكم موتى.... فلماذا التحمل؟
فقلنا.... للحياة جمالها
نحن اليه نشاهدُ
كما تشاهدُ سوطك
ملوحاً به على اجسادنا
انك تبكي من اجل غنيمة
من سيدك أو تشكرا
وصمدنا من اجل
ان نحيا حياتنا
فبعد ان ينهك.... ينزوي
يبكي على حاله.... معتقداً
بانه على حالنا باكياً
وهكذا رحلوا
بأسيادهم الى حفرة
بعد ان اوهموه بأن الشعب
مات.... وهو الباقيا
ويقيناً علموا
ان الشعب.... باق
وهم بعارهم رحلوا.