مدارات

قراءة للمشهد السياسي في مصر* / بقلم: ممدوح حبشي**/ ترجمة: رشيد غويلب

يختمر في مصر شيء ما. فنحن نقف منذ انتفاضة 25 يناير 2011 امام ظاهرة جديدة لا مثيل لها في تاريخ الثورات العالمية. طليعة شابة تحدد موعد لاطلاق حركة شعبية، لا بل لتحريك الشعب بأكمله.ولم يدر بخاطرها انها ستتطور الى انتفاضة شعبية واسعة النطاق ، وتستمر حتى اسقاط النظام، كما كان الحال مع هروب الرئيس المصري حسني مبارك بطائرة مروحية في 11 شباط 2011 .وخلافا لما حدث تراهن القوى الديمقراطية اليوم، التي اصدرت نداء "حركة تمرد" على اسقاط السلطة.

ان الاستياء من حكومة الاخوان المسلمين في مصر هائل، لانهم لن يوظفوا النفوذ الذي اكنسبوه كمعارضين لخدمة الشعب، بل للاثراء وخدمة مصالحهم وتعزيز مواقفهم.وبعد اقل من عام على انتخاب محمد مرسي رئيسا للجمهورية، سئم الناس من تراجع الاقتصاد، انخفاض قيمة العملة، انهيار التجارة الخارجية، الوعود الفارغة، ومن بيع ممتلكات الدولة. أن الوقت قد اصبح ناضجا لموجة جديدة من الثورة.

في الذكرى السنوية الاولى لتسلم مرسي مهام منصبه، في 30 حزيران 2012 ، سيعبر الشعب عن استيائه من الحكومة السيئة للاخوان المسلمين باشكال متعددة. فمنذ اسابيع يجمع المصريون في طول البلاد وعرضها، ومن مختلف الطبقات والتوجهات الدينية، التواقيع للمطالبة باستقالة الرئيس، وإجراء انتخابات مبكرة. وقد وقع، في هذه الاثناء، اكثر من 17 مليون مواطن، على المذكرة. وهذا وحده نجاح كبير لحركة "تمرد"، التي اطلقتها الشبيبة.

ان تحديد وقت لإسقاط السلطة له فوائد ومضار . الاول يكمن في قدرة القوى الثوربة على التاكيد على التحدي، ورفع وعي الجمهور وتثوير الراي العام، بان جميع الحلول الجزئية، واية مفاوضات الحظة الاخيرة سوف لن تكون في صالح الثورة. والمضار تكمن في التخلي عن عنصر المفاجأة، الذي يعد عنصر نجاح هام لكل تكتيك سياسي او عسكري. فالحكومة اتخذت الاستعدادات المطلوبة، وقامت ببناء جدار واقي حول مرافقها الرئيسية. وان فكرة، ان ذلك الجدار ستثني الشعب من فرض مطالب الثورة، تبدوا بالنسبة للشعب مثيرة للسخرية.

بحصولهم على رئاسة الجمهورية، استولى الاخوان المسلمين على المؤسسة الأكثر أهمية في مصر. ولكن ادائهم السيئ، وقيادة الرئيس عن بعد من قبل جماعة الاخوان، جعل هذه المؤسسة في اسوء حالاتها منذ عقود. ومشكلة مرسي تكمن في عدم امتلاكه الكاريزما، التي لو امتلكها لعوض بعض نقاط الضعف في سياسة جماعة الاخوان. والمشكلة الكبيرة التي تواجههم، هي عدم قدرتهم على الاقل تحسين حالة الجموع الفقيرة تدريجيا، وبالتالي عملوا على التعجيل بفقدان قاعدتهم الاجتماعية.وسوف لن نفاجئ، اذا ما القينا نظرة على الخصائص الطبقية للفئة السائدة في قيادة جميع الاحزاب والتيارات في الاخوان المسلمين، السلفيين، والجهاديين. فسنجد انها تتكون من راس المال المالي، التجاري، والخدمي المتشابك مع رأسمال البلدان النفطية في الخليج وتركيا.

معركة طويلة

ان جميع القوى الديمقراطية تقريبا مقتنعة، بان المعركة ستكون طويلة وقاسية ودموية حتى يغادر الاخوان المسلمين السلطة، لان جماعة الاخوان متأكدة من انها حصلت في حزيران 2012 على فرصة فريدة لحكم البلاد. وانها غير قادرة على تكرار هذه الفرصة، لا عن طريق الانتخابات، ولا باستخدام العنف. ان عاما من سلطة الاخوان المسلمين منح المصرين المناعة ضدهم والى الابد.

ومشكلة جماعة الاخوان، انهم جاءوا الى السلطة بدعم امريكي،وانهم يستطيعون بواسطة هذا الدعم البقاء فيها. لقد صرحت السفيرة الامريكية قي القاهرة آن باترسون،في 19 حزيران بدعمها الواضح للرئيس، واشارت الى ان مرسي جاء للسلطة بواسطة الانتخابات. وفي نقس الوقت تنمو الشكوك في البيت الابيض بشان قدرة الاخوان المسلمين على الوفاء بوعودهم: وعودهم المتعلقة بتلبية المصالح الغربية بشكل عام، وخصوصا وعودهم تجاه اسرائيل، ولكن ايضا وعودهم بشان تحجيم واحتواء حركة الاحتجاج الجذرية الجارية في مصر....

والى جانب انخفاض دعم الولايات المتحدة، تواجه جماعة اخوان المسلمين تحديات اخرى. أولها الوضع الأمني في سيناء، مع وجود الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، وزيادة نفوذ الإسلاميين الفلسطينيين. وهناك أدلة متزايدة لحدوث اضطرابات طائفية بين سكان الأحياء الفقيرة، والعشوائيات، والتي تهدد باتخاذ ابعاد حرب أهلية. وبالإضافة إلى ذلك تاتي اثيوبيا ببناء سد على نهر النيل،الذي يمثل شريان الحياة الرئيسي للمصريين.
ان الاخوان المسلمين على دراية بهذه المصاعب، ولم يبقوا مكتوفي الايدي تجاهها. لقد حققوا نجاحا انتخابيا، موظفين امكانياتهم المالية والايديولوجية الكبيرة، وعلاقاتهم الخارجية، وتمكنوا من تحييد مقاومة بعض المؤسسات في جهاز الدولة. وكذلك نجحوا في شق تحالفات معارضة وحركات شبابية، واستمالوا مجموعات وقيادات "معتدلة" كانت متحالفة مع سلطة مبارك.

جبهة موحدة

وعلى الضفة الاخرى يقف معسكر القوى الثورية بوضع أفضل، فمباشرة بعد اصدار مرسي مرسومه في 22 تشرين الثاني 2012، والذي ركز بموجبه ا السلطات الثلاث في يده، وأعطى لرئيس الجمهورية حصانة ابدية، تم تشكيل "جبهة الانقاذ". وهي تتكون من عشرة احزاب ومنظمات تنتمي الى ثلاث تيارات من خارج المعسكر الاسلامي: الليبراليون، القوميون واليسار . ومثل هذا الكيان غير المتجانس يمكنه التوافق فقط على اسقاط سلطة الاخوان المسلمين لا غير.

وتلعب قوى اليسار في جبهة الانقاذ دورا هاما للغاية. لكونها تشكل الضمانة للحفاظ على التحالف، والتعددية في البلاد (الاسلاميون في مواجهة بقية الشعب) . وسيحتاج اليسار الكثير لكي يلعب دورا قياديا في مصر. وهذه المعلومة تدركها الغاليبية العظمى، مما يضغط باتجاه تصعيد اشكال العمل المشترك، نعم – وفي ضوء المخاطر الهائلة – يملي الوحدة.

لقد استطاعت حركة التمرد ضد مرسي والإخوان ألمسلمين، التي ستعم جميع انحاء مصر يوم الاحد (30 حزيران) الاتفاق على الحد الادنى من المطالب والمتمثل بـ:

- رفع الحد الادنى للأجور الى 1500 جنيه مصري في الشهر، وخفض الحد الاعلى للاجور الى 15 ضعف الحد الادنى.

- توزيع عبء الازمة الاقتصادية، بحيث يتحمل الاغنياء اكثر من الفقراء، بواسطة نظام ضرائب تقدمي،وتسهيلات ضريبة،وحتى اعفاء ذوي الدخل المنخفض منها.

الحرية فورا. وهذا يعني، الحق في تأسيس الاحزاب السياسية بمجرد تسجيها، ودون اية عقبات تجعلها مقصورة على الاغنياء. حل جميع الاحزاب والمجاميع والجمعيات التي تمتلك مليشيات مسلحة و/ او التي تعمل على اثارة النعرات الدينية، والتحريض على العنف الطائفي والتكفير.

- الحرية فورا تعني الحق في تأسيس النقابات بمجرد تسجيلها، واقرار فوري لقانون حرية العمل النقابي، والاعتراف بكل النقابات المستقلة القائمة.

- الحرية فورا تعني الحق في تأسيس المنظمات غير الحكومية.

- اصلاح نظام التعليم والصحة، والبدأ مباشرة بمضاعفة الميزانية المخصصة لهما.

- اقرار حق الاضراب والتجمع والتظاهر وحرية الصحافة.

- اصلاح قانون الاراصي، وعدم السماح بتجريد الفلاحين من اراضيهم وتهجيرهم، وإصدار قانون لعقود إيجار الاراضي الزراعية وتخفيف عبء الديون على المزارع المتوسطين والصغار، والعودة إلى نظام ديمقراطي للتعاونيات وجمعيات الفلاحين.

- اعادة تأميم المصانع التي تم خصخصتها، وفق القرارات القضائية التي صدرت بشأنها.

 

* - مقالة نشرت بتارخ 26.6.2013 في جريدة "اليونغه فيلت" (العالم الشاب) الالمانية

** - ممدوح حبشي المتحدث لشؤون السياسة الخارجية في الحزب الاشتراكي المصري