مدارات

ثورة تموز المجيدة وقانون الاصلاح الزراعي

عاصي دالي
تأثرت القضية الفلاحية بالاضطرابات  طيلة القرن العشرين وشكل الفلاحون أعلى النسب السكانية في المجتمع العراقي وكما يشير أغلب المؤرخين بعدم وجود نظام إقطاعي في العهود القديمة في العراق  أي قبل وبعد الاحتلال المغولي  في عام  1258 كمفهوم علمي لذلك النظام الذي يعتبر الإقطاعي هو ذلك الإنسان الذي يمتلك ألآلاف من الهكتارات الزراعية حيث كانت ملكية الأرض تعود الى العشيرة وتسمى ( ألديره) وتزرع من قبل جميع أفراد العشيرة . بعد الاحتلال العثماني للعراق، في القرن الأخير لحكمهم عملت السلطة العثمانية على تشجيع  العشائر والقبائل الرحل على ا لاستقرار حيث كانت نسبتهم تتجاوز الـ 50بالمئة من السكان وانخفضت النسبة إلى  19بالمئة في عام  1905 واستحدث النظام العثماني مبدأ التسجيل العقاري (الطابـو ) بعد أن أصبح ارتباط العشائر بالأرض والمياه وشكل ذلك نمطا جديدا من أنماط الملكية ألزراعية وهو النظام الإقطاعي وتحول رؤساء العشائر عموماً إلى أقطاعيين
 
ثورة تموز المجيدة وقانون الاصلاح الزراعي
 
وفي أعقاب ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ألمجيدة وتسلم السلطة من قبل قوى وقفت من حيث المبدأ ضد الاقطاعيين وهيمنة المشايخ على الفلاحين وجهت ضربة لعلاقات الإنتاج التي كانت سائدة والمتمثلة بالنظام شبه الإقطاعي وصدر قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 وهو اول قانون ينظم ملكية الأرض التي كانت العوائل الاقطاعية تسيطر على ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية بينما كانت نسبة 58 بالمئة  من العوائل الفقيرة وصغار الفلاحين لاتملك شبراً واحداً من الأرض وسجل صدور قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 بداية جديدة لمسيرة  الإصلاح إلا أن السنوات التي أعقبت صدور القانون شهدت تراجعا خطيرا في تطبيق فقراته  والتجاوز عليها مما وفر للملاكين الكبار الالتفاف على القانون وإفراغه من محتواه  وساهمت مساهمة كبيرة في ذلك الوقت الاجهزة ألزراعية والتي ترتبط مصالحها بالإقطاع ومكنت الاقطاعيين من تحقيق أغراضهم في العودة بالريف الى ما كان عليه في العهود التي سبقت ثورة 14 تموز 1958.
واصطدم تطبيق قانون الاصلاح الزراعي بالمقاومة الضاربة من كبار الملاكين الذين استعملوا كل انواع السلاح بما فيه الاغتيال لأنشط المناضلين من الفلاحين فقد اغتيل خمسة من نشطاء الفلاحين في الناصرية وعشرة فلاحين في الكوت وكذلك اغتيل المناضل صاحب ملا خصاف في ريف العمارة.        
 
ورغم كل الظروف التي أدت إلى تهميش الفلاحين فقد ظل أبناؤها يناضلون بدون هوادة وبكل السبل المتاحة حتى تم إصدار قانون الإصلاح الزراعي رقم  117 لسنة 1970 والذي جاء بعدة خطوات إلى الأمام ومنها خفض الحد الأعلى للملكية الزراعية وتحديد مواصفات الأرض ونوع ألزراعة وطريقة الري والغاء حق الاختيار للملاكين.
 
وثائق الحزب وحلول القطاع الزراعي
 
وقـد أولى الشيوعيون العراقيون اهتماما كبيرا بالقضية الزراعية , وجاءت وثائق حزبهم في جميع المؤتمرات الوطنيةه التي عقدت منذ تأسيسه وهي تتناول المسألة الزراعية وتضع الحلول للقطاع الزراعي والسبل الخاصة لتطويره. وجاء في برنامج الحزب الذي أقـره المؤتمر الوطني التاسع:
1
ــ العمل على إعادة النظر بقوانين الزراعة والإصلاح الزراعي، ووضع مصالح صغار الفلاحين في صدارة الاهتمامات، ومكافحة المساعي لإعادة العلاقات شبه الإقطاعية، أو الخصخصة الشاملة في القطاع الزراعي.
2
ــ تمليك الأراضي  التي وزعت على الفلاحين، وفقاً للقانون رقم 30 لسنة 1958، والقانون رقم 117 لسنة 1970، وتشريع قانون جديد لايجار الأراضي الزراعية.
3
ــ تشجيع الفلاحين على الاهتمام بأراضيهم وزيادة إنتاجيتها، كماً ونوعاً، واستعمال المكننة المتطورة والبذور عالية الرتب والأسمدة الكيمياوية والمبيدات وغيرها باستخدام الاساليب العلمية الحديثة في الزراعة والري.
وكان للسياسة الخاطئة التي أنتهجها النظام الدكتاتوري المقبور والتي ادخلت البلاد في حروب عبثية أدت الى تدهور جميع الاوضاع في البلد  وانعكس ذلك على الواقع الزراعي حيث تمت  تصفية المزارع التعاونية ونهب ممتلكاتها وتقسيمها لصالح رموز النظام والسلطات الحاكمة  وتخريب العلاقات الأجتماعية الأقتصادية فيه، وجرى ايقاف سبل الدعم الحقوقي للفلاحين وتسهيلات الحراثة والبذور وتطهير مشاريع الري وقلصت المستوصفات البيطرية وفرق المكافحة البيطرية السيارة، وتمت تصفية العديد من المضخات وتحويلها الى من يستطيع أستئجارها، فيما جرى تحويل القوى العاملة الزراعية الى جبهات الحرب.
 
واقع الزراعة بعد سنوات التغيير
 
وبعد سقوط النظام الدكتاتوري في التاسع من نيسان 2003 وقيام النظام السياسي  الجديد كان من المؤمل ايلاء اهمية للقضية الزراعية التي تشكل عنصرا مهما من عناصر النهوض بالاقتصاد الوطني الذي يعاني من الركود لكن جرى الاعتماد الكلي على النفط وتم اهمال العناصر الانتاجية الاخرى ومن اهمها العنصر الزراعي رغم ماقدمته الدولة من المبادرة الزراعية لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب.
 
ان حل المسالة الزراعية في بلادنا يستهدف  في هذه المرحلة تطبيق اصلاح زراعي جذري وشامل واشاعة التعاونيات  الزراعية والمزارع الجماعية ومزارع الدولة باعتبارها التنظيم الاقتصادي والاجتماعي الاكثر فعالية لتعبئة الفلاحين في عملية التقدم الاجتماعي والتنمية الزراعية وضمان قيادة الجمعيات الفلاحية والتعاونيات والمزارع الجماعية من قبل الفلاحين الكادحين، أصحاب المصلحة الحقيقية في تقدم الزراعة.
المجـد والخلود لشهداء الحركـة الفلاحية العراقية.