مدارات

من تأريخ الكفاح المسلح لأنصار الحزب الشيوعي العراقي (1978- 1989 ) "4" / فيصل الفؤادي

بداية تأسيس الحركة الأنصارية

في حدود شهر تشرين الأول 1978، بدأ الرفاق من منظمات حزبية عديدة بالانتقال إلى مناطق أخرى غير مناطقهم للحفاظ على ذواتهم الحزبية والشخصية والتنظيمية، وكان لدى البعض منهم أصرار واضح هو الصعود إلى كردستان لرفع السلاح بوجهة دكتاتورية بغداد. لقد إنتقلت مجاميع من تنظيمات الموصل بقيادة بعض الكوادر الحزبية متجهة إلى مناطق في السليمانية. وبعد عدة لقاءات مع رفاق في المركز في بغداد ونقاشات في مقر الحزب في محافظة سليمانية لم يتوصل فيها الرفاق إلى رأي واضح وصريح وموحد حول كيفية أيقاف الحملة المسعورة ضد رفاق الحزب واصدقاء هو تأمين سلامتهم المادية والمعنوية.
ويشير القائد الأنصاري توما توماس (إلى لقاء له مع الرفيق جاسم الحلوائي عضو اللجنة المركزية آنذاك جرى يوم 8/3/1979، أبلغه الأخير "بضرورة السفر إلى أربيل والإتصال بأبو حكمت للتهيئة والانتقال إلى الجبال، وذكر بأن الرفاق المتواجدين في الداخل يطالبون بإيجاد قاعدة لايوائهم في كردستان، وكذلك من أجل الضغط على السلطة للتراجع عن سياستها، وعلى الرغم من توضيحات الرفيق الحلوائي (أبو شروق)، إلا أن القرار لم يكن واضحًا، فيما اذا كانت النية تأسيس قواعد لإيواء الرفاق والكادر الحزبي، أم هو توجّه جاد لتشكيل فصائل مسلحة... ويضيف توما توماس "تركت بغداد في منتصف الليل في 12/3/1979 لأصل صباحا إلى مقر الإقليم وكان حينها محاطًا برجال الأمن، إلتقيت هناك مع مجموعة رفاق من لجنة الموصل كانوا قد وصلوا قبلي في طريقهم إلى الرفيق كاويس رشيد الذي كان قد شكل مفرزة مسلحة تتجول في ريف كويسنجق) .
لقد طرح تنظيم الموصل على رفاق القيادة موضوعة الصعود إلى الجبل وحمل السلاح ومقاومة البعث. وبادر عدد من كوادره إلى التنقل بين بغداد وأربيل، من بينهم أبو عمشه وأبو ماجد وأبو فؤاد وأبو داود وتوما توماس وغيرهم للصعود إلى كردستان بالتنسيق مع رفاق الإقليم والكوادر الحزبية في التنظيم. إن البلبلة التي حدثت أثناء الهجمة الشرسة على الحزب وتنظيماتها الواسعة جعل الخطط التكتيكية تضيع أمام سرعة الإعتقالات والانهيارات كما حدث لتنظيم (كركوك) وأماكن أخرى، وأعتبر في تلك الأيام ضعف المسؤولية الحزبية من البعض في قادة حزب عريق له تأريخ ناصع ولمواجهتة أعتى الدكتاتوريات في تأريخ العراق والعالم.
إذ "لم تحسم قيادة الحزب قضية الإنتقال إلى العمل الأنصاري في تلك الظروف، رغم أن رفاق الداخل قدموا المقترحات بهذا الشكل أو ذاك, باللجوء إلى العمل الأنصاري في كردستان دون تحديد مغزى هذا الإنتقال وهل هو من أجل حماية الكادر والأعضاء أم بهدف إتباع أسلوب الكفاح المسلح لإسقاط النظام، وقد أتخذت خطوات أولية بالانتقال إلى العمل السري وأخرى إلى العمل الأنصاري" .
ولغرض التموية على السلطات الأمنية فقد فكر بعض القياديين وكوادر الحزب في أن ينسحب بعضهم إلى الجبل والتظاهر أمام البعثيين بأن هناك انشقاقًا في الحزب.
ولهذا شكل بعضهم حزبًا سُمي (العمل) لكي يكون داعمًا لموقف الحزب في سياسته الجديدة وانتقاله من الجبهة إلى الجبل. ويشير الباحث عزيز سباهي إلى انه كان يبدو "هناك رأي عند بعض القياديين في اللجنة المركزية على ضرورة إيجاد مكان في الجبال لاختفاء الرفاق الهاربين من إرهاب السلطة (آراء خاجادور وبهاء الدين نوري- المؤلف)، واللذان بادرا إلى تأسيس حزب ثوري يتولى فضح سياسة البعث ويدعو إلى برنامج ثوري) . وحسب معلوماتنا فقد كوّنا مع الرفيق صالح دكله (حزب العمل) الذي دعم الحزب في توصيل السلاح إلى مناطق حدودية مع العراق من جهة سوريا.
والبعض الآخر كان مترددًا في الصعود إلى الجبل كوننا لا زلنا في الجبهة، ولم يصدر قرار أو بيان من الحزب بفكّ التحالف مع السلطة والبعث. ولا زال التوجه إلى قواعد للأنصار في كردستان سابقًا لأوانه.
لقد بذلت منظمة إقليم كردستان للحزب جهودًا جبارة في سبيل تسهيل خروج الرفاق والأصدقاء إلى مناطق آمنة والتنسيق مع بعض التنظيمات الأخرى في بعض المحافظات وبالخصوص بغداد والسليمانية وأربيل وتجمعيهم في مناطق جبلية بعيدة عن المدن وقريبة من أماكن الأحزاب الكردية الأخرى. ولعب الدور الأساسي في تحقيق ذلك الرفيق أحمد بانيخيلاني (أبو سرباز) الذي تأثر بشكل كبير لأوضاع التنظيم المأساوية، حيث فقدنا الكثير من رفاق التنظيمات نتيجة الإرهاب والتنكيل بهم بما في ذلك ممارسات الإعتداء الجنسي عليهم والتوقيع على براءة من الحزب والتسقيط السياسي.
ويشير القيادي أبو سرباز الى ذات الموضوع بالقول:
و "خلال الفترة التي كنت في بيت الرفيق محمود سألته عن الرفاق عارف محمد أمين ومحمود حاجي وعلي حاجي والرفاق الآخرين الذين اختفوا عن الأنظار من منظمة رانية. وحسب اتفاق مسبق معهم فقال إنهم مختفون في منطقة جبل كوسرت ولديهم بضعة قطع سلاح لحماية أنفسهم، أبلغته بأن يطلب منهم التوجه إلى الحدود حيث تواجد بعض رفاق قلعة دزه، وعما إذا كانوا بحاجة إلى النقود ليعطيهم وليسترجعها من الرفيق نائب - ويقصد نائب عبد الله عضو اللجنة المركزية للحزب." .
وقد اختلف الرفاق بشأن يوم تأسيس أول قاعدة للأنصار واختلفت الاراء بين معظم الكوادر التي وصلت إلى منطقة ناوزنك، حيث تم تجاوز أصعب الظروف في بناء بعض الغرف(الاكواخ) التي أصبحت قواعد للأنصار،وهنا نشير أن بناء القواعد الأنصارية يقترن بالموقف الجديد لتوجهات الحزب.
ِأن أول المجاميع التي صعدت إلى الجبل وبالذات إلى المنطقة التي تتواجد فيها الأحزاب القومية، كانت مجموعة من منطقة بشدر حيث تابع أبو سرباز مسيرته مع الرفاق فيقول :(في صباح 14/1/1979 خرجنا الساعة العاشرة مع الرفيق سليم سور من المدينة وعبرنا الربايا العسكرية ولم يسألونا. . . إلى أن وصلنا إلى الحدود حوالي الساعة العاشرة إلى (كورره شير) الحدودية التي نصب فيها أوك نقطة تفتيش وكان الأخ سيد مجيد مسؤول النقطة الذي تعرف علينا ورحب بنا. . . وبناء على طلب أصحاب الحيوانات نزلنا من الحيوانات وتحركنا مشيًا على الأقدام نظرًا لكثرة الثلوج المجمدة ووعورة الطريق ).
في المنطقة الحدودية بين إيران والعراق يقع جبل ممند (مامند) الممتد على اطراف قلعة دزه،حيث كان مقر ناوزنك الذي أصبح لرفاقنا (مجموعة جوارقرنه) في بداية عام 1979, موقع قدم لها في هذا الوادي مع القوى الأخرى ومنها الإتحاد الوطني بقيادة جلال الطلباني والذي أصبح مقرا له ولقيادته. لقد بنى رفاق بشدر قاعدة خاصة بالحزب برغم الظروف القاسية التي مروا بها، حيث أن المكان عبارة عن سفح في الجبل،بعيدا عن غابات يمكن استخدامها كوقود ووسائل تدفئة, برغم كثافة الثلوج أثناء الشتاء القارس. ويشير جلال الدباغ بقوله: "إلتقى الرفاق أبو سرباز وسيد توفيق مسؤول السليمانية وأبو شوان وأبو حکمت واجتمعنا في 8/1/1979 في دار أحد أشقائي وبعد مدأولات تفصيلية وإنتقادية هامة قررنا تنظيم الوصول إلی المناطق الحدودية وإيران والبدء بالإنتقال الی الکفاح المسلح والمشارکة فيه جنبا لجنب مع القوی الوطنية الأخری المعارضة للنظام والمتواجدة في الجبل ضد السلطة الدکتاتورية " .

*********

مذكراتي احمد باني خيلاني ص 260
نفس المصدر السابق ص 260-261
مذكرات جلال الدباغ المنشورة في موقع الناس الالكتروني الجزء الاول.