مدارات

في أمريكا اللاتينية.. التوزيع العادل للثروة يضمن استمرار انتصارات اليسار

رشيد غويلب
استمرت الانتصارات الانتخابية للحكومات اليسارية في أمريكا اللاتينية، في عام 2014، ويعود ذلك إلى السياسة الاجتماعية التي تتبناها هذه الحكومات، والى استقرار الوضع الاقتصادي في بلدانها، في وقت يفتقد فيه اليمين المعارض الى مشاريع وأفكار جديدة.
وجاء الانتصار الانتخابي في البرازيل، التي تمثل قوة اقليمية، في تشرين الاول الماضي ليؤكد هذا الاتجاه، الذي يسود القارة منذ عقد ونصف العقد. وبالرغم من ان وسائل الاعلام اليمينية في البرازيل حاولت ان تعطي انطباعا، بان مزاج الناخبين قد تغير ، وان القوى اليمينية والمحافظة تمتلك أفاقا جديدة، لكن اكثرية الناخبين منحت الثقة مجدد لرئيسة الجمهورية ديلما روسيف.
واستطاع تحالف اليسار الواسع في الأوروغواي ان يؤكد جدارته في تشرين الثاني مجددا، وفاز مرشحه تاباري فاسكيز برئاسة البلاد. وفي بوليفيا فاز ايفو موراليس برئاسة البلاد للمرة الثالثة على التوالي بعد ان حصد 61 في المائة من اصوات الناخبين. وفي شيلي عادت رئيس الجمهورية السابق ميشل باشليه،ومرشحة تحالف يسار الوسط مباشرة بعد دورة رئاسية واحدة لليمين، في كانون الأول 2013 ثانية الى السلطة. وحدث الشيء نفسه في السلفادور.
واستطاعت التحالفات اليسارية، التي وصلت للحكم منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، الفوز في جميع الدورات الانتخابية، ولم تشهد امريكا اللاتينية خسارة اي تحالف يساري وصل عبر الانتخابات الى السلطة. ويبدو ان اليمين المنقسم في كثير من البلدان على نفسه، والغارق في الجدل، فشل في الوصول الى وصفة تعيد اتجاه التطور الى الخلف.
وتقول أستاذة العلوم السياسية الشيلية فرانسيسكا كيروغا، منذ بداية الالفية الحالية حدث تغير نموذجي في امريكا اللاتينية " لقد استطاع العديد من الاحزاب اليسارية ان تقدم البديل لنموذج الليبراية الجدية التي سادت في التسعينيات. ولان الظلم الاجمتاعي مترسخ في القارة اكثر من اي مكان في العالم،"وجدت سياسة توزيع الثروة ، ومكافحة الفقر ارضا خصبة" واضافت " ان السياسة الاجتماعية، واستقرار الاقتصاد، هما الضمانة اليوم لنجاح هذا النموذج".
والى جانب التوزيع العادل للثروة، فان التنمية والدور القوي للدولة، والاستغلال السريع للموارد الطبيعية، تمثل القاسم المشترك بين الحكومات اليسارية. ولكن هذا لا يمنع التباين في طبيعة الانظمة السياسية، ففي الوقت الذي تتبنى فنزويلا ، وبوليفيا، والاكوادور الثورة البوليفارية تحت مسميات مختلفة جوهرها بناء اشتراكية القرن 21 ،يبدو الاستقطاب الاجتماعي في هذه البلدان واضحا للعيان. وللتخفيف من حدة هذا الاستقطاب، تتبنى البرازيل، والارجنتين، وأورغواي، وشيلي نموذج الاصلاح التدريجي، او ما يعرف بالإصلاح الناعم.
ويمكن اعادة تقدم الحكومات اليسارية الى اعتماد سياسة التكامل الاقليمي. لقد ازاح اتحاد امم امريكا الجنوبية المعروف بـ Unasur منظمة البلدان الامريكية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الى الخلف، ليصبح اهم تحالف اقليمي في القارة، ويلعب تنامي الوعي والثقة بالنفس هو الآخر دورا في النظر بتفاؤل الى المستقبل، وان النمو الاقتصادي والاجتماعي يعد عاملا محركا لتعميق هذه الثقة.
ويعود تواصل هذا النجاح ايضا الى تمسك اليمين المعارض بوصفات الليبرالية الجديدة التي خيبت آمال الناخبين في تسعينيات القرن الفائت، كما تعوزه عقلية التجديد. ويرى متابعون لتجربة اليسار في القارة اللاتينية ضروروة ربط التوزيع العادل للثروة، ضرورة جعل الحد من الفقر وإعادة توزيع الثروة نموذجا تقدميا يعتمد سياسة ضريبية تصاعدية ، بدلا من التخوف في بعض البلدان من النزعات الاشتراكية وانكماش الاقتصاد المتوقع.
ويجب على تحالفات اليسار المتنوعة ان تعمل على تطوير سياسة التوزيع العادل للثروة، وبرامج مكافحة الفقر، ولا تميل الى المراوحة، كما حدث في شيلي عام 2009 ، عندما فقد تحالف يسار الوسط السلطة لصالح اليمين وان كان هذا الفقدان مؤقتا، اذ سرعان ما استعاد هذا التحالف مواقعه ثانية.