مدارات

"اليسار في أمريكا اللاتينية".. نجاحات متوالية ومستقبل واعد

ترجمة وإعداد: رشيد غويلب
عرض/ د. مزاحم مبارك مال الله
كتاب من القطع المتوسط يقع في 120 صفحة ،صدر عن دار الرواد المزدهرة في بغداد بطبعته الأولى عام 2014،ويهدي الأستاذ غويلب كتابه هذا الى"الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي".
الكتاب يتألف من مقدمة و12 مقالاً، ترجمها الأستاذ رشيد عن الألمانية وأعدها للنشر في الصحافة العراقية وجلّها تم نشره على صفحات جريدة طريق الشعب والثقافة الجديدة.
تتناول تلك المقالات ظاهرة "صعود اليسار في أميركا اللاتينية"، حيث يأتي هذا الصعود، وكما يقول بمقدمته "في مرحلة مهمة من مراحل الصراع الاجتماعي والسياسي في العالم ووصول العديد من قواه وتحالفاته الواسعة الى الحكم بالتزامن مع انهيار التجربة الاشتراكية ،ويقول :"أن الانتصارات التي بدأت منذ 1998 في فنزويلا لتستمر في شيلي والسلفادور حتى بداية 2014"، تُعد أهم الردود على انهيار تجربة البناء الاشتراكي وفق النموذج السوفيتي في القرن العشرين، إضافة الى بطلان نظرية نهاية التأريخ الرأسمالية".
إن اختيار النصوص التي ترجمها وأعدها الأستاذ غويلب ليست بالعملية السهلة أو الهيّنة ،خصوصاً وأن الغاية تكمن في إضافة تصورات فكرية معمقة لتفسير حركة اليسار والمقارنة بين النظرية والتطبيق في تجربتين يساريتين إحداهما قامت على أعقاب انهيار الأولى.
ويبدو لي أن أهمية الكتاب تكمن في مقدمته، حيث لخّص الأستاذ رشيد غويلب ما ورد في هذه المقالات ،والتي تناولت التجربة بأبعادها فهي تصل الى نتائج واستنتاجات حددت ملامح اليسار الجديد، فيقول:
أن يسار القرن 21 تمّيز عن يسار القرن الماضي بـ :
- الثقل المتميز للحركات الاجتماعية والمنظمات الجماهيرية والمهنية ،فالتغيير يحدث من خلال شرائح المرأة والشبيبة والطلبة والمعدمين وسكان القارة الأصليين.
- أهداف ملموسة لا تضم بالضرورة الأهداف السياسية الكبرى، أهداف تعبئ أوسع الجماهير حولها.
- الأحزاب السياسية لا تحتكر قيادة اليسار الجديد ولكنها تشكل جزءاً فاعلاً منه وغير متقاطع مع قواه.
- أنه يسار تعددي في الفكر وفي الممارسة العملية، وهذه التعددية ليست انشقاقاً أو تشرذماً ،كما كان معروفاً في القرن الماضي.
- أقل هرمية ولا يسمح بمركزية تقود الى ممارسات تسلطية.
- أنه اتسع ليشمل قضايا الديمقراطية والمجتمع المدني ،الحزب والتحالف الانتخابي ،المسألة القومية ،حماية البيئة.
- أنه تبنى وسائل النضال السلمية والتداول السلمي للسلطة، بعيداً عن وسائل الكفاح المسلح، دون الانقطاع عن التجارب التاريخية من خلال التواصل الفكري والنضالي مع الماضي مع الالتزام بأهداف وقيم اليسار الجوهرية.
- التجربة تجاوزت الجمود والانغلاق الفكري ،وهناك مثالان ،منتدى ساو باولو والسيمنار الأممي الذي ينظمه حزب العمل المكسيكي.
ثم تتناول المقدمة ،أسباب صعود اليسار، فأوجَزَتها بالآتي:
1. هيمنة الامبريالية الكلاسيكية في أميركا اللاتينية بعد الحرب العالمية الثانية وعدم قيام الرفاه الاجتماعي فيها كما في أوربا.
2. استمرار التجربة الكوبية بعد انهيار التجارب الأم.
3. هيمنة الليبرالية الجديدة واختفاء الاتحاد السوفيتي ،عززا تفوق الولايات المتحدة والتي أصبحت تشكل خطراَ حقيقياً على اليسار والسيادة والتنمية الاقتصادية في أميركا اللاتينية.
4. لم تعد أميركا اللاتينية ،بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ،تحتل الأولوية في اهتمام الولايات المتحدة التي وجهت اهتمامها الى مناطق العالم الأخرى.
ثم يطرح الأستاذ غويلب في نهاية مقدمته ،ثلاث قضايا فكرية ،في غاية الأهمية ،يعتقد أنه على اليسار اللاتيني أن يقف إزاءها وقفة جدية، وهي:
أولاً ـ محصلة تجربة بناء الاشتراكية في القرن 20.
ثانياً ـ تحليل الرأسمالية في القرن 21.
ثالثاً ـ بلورة إستراتيجية ملائمة للمرحلة الجديدة.
المقالات:
الأول/ جاء تحت عنوان "نشوء وتطور يسار جديد متعدد ،اليسار في أميركا اللاتينية في بداية القرن الحادي والعشرين" وهو بالحقيقة [المحور الأول من الفصل الثاني من دراسة بعنوان (الاتحاد الأوربي واليسار في أميركا اللاتينية) والذي صدر عن مؤسسة روزا لوكسمبورغ التابعة لحزب اليسار الألماني].
الثاني/ وعنوانه "أمريكا اللاتينية ومواقف اليسار"ـ بقلم أخيم فالديتربوريس، يتناول الانتخابات الفنزويلية التي جاءت بشافيز الى سدة الحكم، فيوجز المقال الانجازات التي تحققت في فنزويلا خلال 13 عاماً:
1. استعادة السيادة والسيطرة على الموارد الطبيعية للبلاد.
2. انخفاض واضح لمعدلات الفقر والظلم الاجتماعي.
3. نهوض وتقدم الديمقراطية الحقيقية.
ويحتوي المقال عدداً من العناوين (التغيرات في أميركا اللاتينية ،وقت التحديات ومناقشة لبعض المشاكل)، لينتهي المقال بعنوان أخر صغير وهو (ما العمل؟)، مؤشراً الى ضرورة أن يتناول اليسار كل المشاكل بنقاش مفتوح وروح تضامنية والبحث عن طرائق مشتركة بديلة.
الثالث/ عنوانه"حول العلاقة بين أحزاب اليسار والحركات الاجتماعية الجديدة ،نحو بعث مفهوم الاشتراكية من جديد" فهو يشير الى الاجتماع التشاوري الذي نظمه الحزب الشيوعي الألماني في 22/10/2011 مع مجموعة من نشطاء الحركة الاحتجاجية، ناقش المجتمعون أعادة تشكيل اليسار بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ،مع أعتماد خطاب يكون ذا أهداف ملموسة ومشتركة وهو ،النضال ضد (الرأسمالية، النظام الأبوي، تخريب وتدمير الطبيعة والعسكرة).
الرابع/ وهو من المقالات المهمة جداً التي احتواها الكتاب ،فهو بقلم (د. أتيليو بورون) ،عنوانه "الوحدة في التنوع".يستهل المقال بهذه العبارة: (أعطت الحركة الاجتماعية في أميركا اللاتينية الأفكار الماركسية في القرن 21 آفاقاً جديدة بخصوص العلاقة بين الإصلاح والثورة والمشروع الاشتراكي).ويتضمن المقال عناوين فرعية وهي (النماذج الجديدة للبروليتاريا ،تعدد العوامل الذاتية ،الإصلاح والثورة ،وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الكلمات).
الخامس/ وهو لا يقل أهميةً عن سابقه ،وجاء بعنوان "حكومات اليسار في أميركا اللاتينية :الإمكانيات والحدود "تجربة النافذة المفتوحة" وهي محاضرة (فالتر بومار)التي القاها في السيمنار الـ 16 للأحزاب اليسارية والشيوعية في العاصمة المكسيكية آذار2012.
السادس/ "ماذا يعني أن تكون اليوم يسارياً".وهو مقال كتبه البروفسور الكوبي(داريو ماشادو)، مقال في غاية الروعة ،ويُفرّق بين مفهوم أن تكون يسارياً وبين مفهوم الوقوف الى جانب اليسار.
السابع/وعنوانه: طاولة مستديرة للأحزاب اليسارية والشيوعية في المكسيك/دعوا الشبابيك مفتوحة ،وهو ذات السيمنار الذي نظمه الحزب الشيوعي المكسيكي في آذار 2012، السمينار ألأممي هذا كان يحمل عنوان: "الأحزاب السياسية ومجتمع جديد". وهو تقليد سنوي دأب على تنظيمه الحزب منذ 16 سنة ،شارك فيه 200 حزب يساري وشيوعي يمثلون 48 بلدا، و300 مندوب يمثلون منظمات مكسيكية،وكان محور السمينار:
1. أزمة الرأسمالية العالمية والهجوم المضاد للامبريالية ضد الحكومات والمشاريع البديلة.
2. محصلة عمل الحكومات والمشاريع البديلةـ الدولة، الأحزاب، الحركات الأجتماعية وبناء سلطة الشعب ـ أشتراكية القرن الـ 21.
الثامن/ كتبه رئيس جمهورية البرازيل السابق (لولا دا سلفيا) ،وعنوانه "أميركا اللاتينية بعد شافيز".
التاسع /"أميركا اللاتينية ..كيف أثّر منتدى ساو باولو في وحدة اليسار"، بقلم(من مايتي مولا و أوبي آمنت).المنتدى يضم حالياً 50 حزباً، ولدت فكرة تأسيسه في سياق النقاش بين (لويس دا سيلفا)وبين فيديل كاسترو في حزيران 1990 إثر سقوط جدار برلين وليعكس إصرار اليسار على عدم التخلي عن أهدافه التقدمية. لقد فاز اليسار في فنزويلا والبرازيل، ونجح في انتخابات الولايات والبلدات في السلفادور وأورغواي والمكسيك، وهناك صراعات كبرى في بوليفيا، والأرجنتين. لقد استطاعت قوى منتدى ساو باولو خلال 25 سنة من تغيير توازن القوى في القارة?
العاشر/"ليس هناك وصفة جاهزة لبناء الاشتراكية ، موضوعات حول بوليفيا".وهو أهم ما جاء في المقابلة التي أجرتها مجلة التجديد الاشتراكي مع الشخصية الماركسية هوغو مولديز، حيث سلط الضوء على طبيعة النظام الاقتصادي في بوليفيا، العلاقة بين حماية البيئة والحقوق الاجتماعية ،لا خوف من حركة الاحتجاج ،مستقبل التجربة في بوليفيا وأهمية التضامن العالمي لبوليفيا وبلدان أميركا اللاتينية.
الحادي عشر/ "الانتعاش الاقتصادي والمساواة الاجتماعية بدلاً من برامج الركود والتقشف ،سبل الخروج من الأزمة". محاضرة القاها (روائيل كوريا) رئيس جمهورية الأكوادر يوم 23/4/2013 في الجامعة التكنولوجية في العاصمة الألمانية برلين.
الثاني عشر/" البرازيل .. هل فشل رأسمال المال في كسر هيمنة اليسار؟" يتناول دراسة مستفيضة اقتصادية وسياسية، فوز رئيسة البرازيل اليسارية (ديلما روسيف)، المقال يتناول أهمية الانتخابات في البرازيل، من يدعم حركة اليمين؟،موقف الحركات الاجتماعية ،البرنامج الانتخابي وكاريزما المرشحين ،ودور المؤسسات الإعلامية.
إن قراءة هذا الكتاب تمنح قارئه شحنة عالية من الفهم الأقرب الى الحقيقة الجدلية في تفسير نشاطات اليسار في بقعة تعد من أهم بقاع العالم اقتصادياً وسياسياً بالنسبة في حسابات الهيمنة الرأسمالية العالمية ،وأنه الدليل الملموس في أن مستقبل البشرية هو الاشتراكية .