مدارات

من تأريخ الكفاح المسلح لأنصار الحزب الشيوعي العراقي (1978- 1989) "25" / فيصل الفؤادي

الفصل العاشر- الحرب العراقية – الإيرانية وتأثيراتها على حرب الأنصار
في شباط من عام 1979 ثار الشعب الإيراني بقيادة قواه الوطنية ومن مختلف الشرائح ضد نظام الشاهناشاه الذي قهر شعبه في عمليات القتل والتشريد والزج في السجون المعروفة للعالم. وكان الشاه يمارس جبروتًا في سلطته مدعومًا من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الاوربية. وارسل في حينها الحزب الشيوعي برقية تأييد للثورة الإيرانية كونها جاءت ضد الطغيان والاضطهاد والاعتقال للقوى الوطنية والتقدمية.
بعد سقوط نظام الشاه إثر انتفاضة الشعب الإيراني وضرب المصالح الأمريكية في إيران، حاولت الحكومة العراقية استغلال انحلال وتفكك الأجهزة الدفاعية وانحلال الجيش الإيراني والذي ادى الى اضعافه بشكل كبير ، لهذا حاولت السلطة استرجاع مافقدته اثر اتفاقية اذار 1975 في شط العرب ومحاولةً الإستيلاء على منطقة الأهواز الغنية بالنفط.
كان النظام متمثلاً بدكتاتوره صدام حسين يحلم أن يقود المنطقة ويكون الشخص المؤثر في المنطقة مدعومًا من قبل دول الخليج والدول العربية الرجعية الأخرى.
وقد تدارست اللجنة المركزية للحزب الأوضاع في العراق وتطوراتها (... في تموز عام 1979 وتوصلت في اجتماعها الكامل إلى أن حكم البعث في العراق يسير باتجاه المجابهة مع الثورة الإيرانية، وأن هذا النهج المعادي للثورة الإيرانية قد لقي التشجيع والتحريض من جانب الأوساط الامبريالية1 ).
وعندما بدأت الحرب في 22 أيلول من 1980 بين العراق والجاره إيران، أدان الحزب الشيوعي العراقي هذه الحرب وطالب بسحب قوات الطرفين قبل هذا التاريخ ورفع شعار إيقاف الحرب فورًا (إلى أبناء شعبنا. إلى كل الوطنيين الغيارى على مصلحة الشعب والوطن عربًا وكردًا وأقليات. إن إقدام الطغمة الدكتاتورية المتسلطة على الحكم في عراقنا الحبيب بقوة الحديد والنار على الدخول في حرب شاملة ضد الجارة إيران واندلاع القتال على نطاق واسع واشتباك القوات المسلحة للبلدين الجارين في حرب تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، وتدمير المنشآت الإقتصادية والعسكرية والأحياء السكنية، وتهدر الثروات الطائلة على نطاق واسع لم يسبق له مثيل، هو الإمتداد الطبيعي لكل السياسات المعادية لمصالح الشعب والوطن والأمة العربية التي انتهجها الحكام الدكتاتوريون في اضطهاد القوى الديمقراطية والقومية التقدمية والجماهير الكادحة ومصادرة حقوق حقوقها وحرياتها الديمقراطية وامتداد لحربهم ضد الشعب الكردي. واختتم البيان بالشعار، وحدوا الصفوف وعززوا النضال لإسقاط الزمرة الدكتاتورية التي تسبب كل المحن لوطننا الغالي وشعبنا الحبيب وإقامة الحكم الديمقراطي. فهذا هو الطريق لحقن دماء الإخوة عراقيين وإيرانيين، التي تهدر لمصلحة الإمبريالية والصهيونية والرجعية. فلتتوقف الحرب المدمرة وليسقط النظام الدكتاتوري الإرهابي الرجعي، ولتعش علاقات الصداقة وحسن الجوار بين الشعبين الصديقين العراقي والإيراني )، ووضع الحزب شعار إنهاء الحرب مع إسقاط النظام في سلم الأولوية في نضاله, وشعارات اخرى2:
(فلتتوقف الحرب المدمرة! ولتنسحب القوات العراقية من الاراضي الإيرانية!)، (إن اللجنة المركزية تدين بحزم عدوان صدام حسين وطغمته ضد الثورة الإيرانية والجمهورية الاسلامية الإيرانية وتعرب عن تضامنها مع كفاح الشعب الإيراني ضد الإمبريالية وعلى رأسها الإمبريالية الأمريكية واذنابها في المنطقة3 ).
أن الحرب أحرقت الأخضر واليابس وكان من نتائجها قتل أكثر من مليوني عسكري من الطرفين، إضافة إلى الجرحى وبعضهم أصبح من المعوقين وترملت الآلاف من النساء وتأثر الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والصحي إلى أدنى مستوياته.
كانت سياسة الحزب ضد الحرب وضد الدكتاتورية حيث رفع شعاره لا للحرب لا للدكتاتورية إثر اجتماعات اللجنة المركزية والتي طالبت بضرورة:
نفي حق الطرفين في ضم أراضي أي من البلدين إلى البلد الآخر.
إحترام الحدود الدولية قبل اندلاع الحرب.
إحترام السيادة الوطنية لكلا الشعبين على أراضيهما.
الإقرار بحق كل شعب في اختيار النظام السياسي والاجتماعي الذي يريده وينسجم مع إرادته.
وجاء في البيان (إن النهج الذي سار عليه حزب البعث بمكوناته السياسية والإيديولوجية الطبقية وتطبيقاته في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية وفي ميادينه السياسية العربية والدولية، كان بمثابة الوعاء الذي اختمرت فيه خطة إشعال الحرب ضد إيران. وأن هذه الحرب هي تكثيف مركز لهذا الجهد وامتداد طبيعـي له)4 ، هذه الحرب التي لم تخدم إلا مصالح الغرب والإمبريالية العالمية وإسرائيل والأوساط الرجعية. وفي الوقت نفسه فأن النظام الدكتاتوري وبالذات صدام حسين هو الذي فرط بحقوق العراق بعقده اتفاقية الجزائر مع شاه إيران عام 1975 وقاد البلاد إلى قادسيته المشؤومة.
ومن جانب آخر قامت القوات الإيرانية بالدخول إلى كردستان العراق وقد تأثرت قوات الأنصار والپيشمه مرگة بهذه الحرب كونها قريبة من مواقعها، كما وانتقد الحزب تعاون بعض القوى الكردستانية لمساعدة هذه القوات الغازية وقد اتخذ الحزب الشيوعي مجموعة من القرارات بهذا الشأن ومنها، تجنب الصدام مع القوات الإيرانية والإبتعاد عن معارك الجيشين أو الجحوش الموالية للطرفيــن، ورفض احتلال القوات الإيرانية للأراضي العراقية وبالذات في كردستان كونها تحت سيطرة حركة الأنصار، والإبتعاد عن المناطق التي تصل إليها القوات الإيرانية بعدم التداخل مع هذه القوات. وثبت الحزب موقفه ضد احتلال الأراضي العراقية في منطقة كردستان، وضد تواجده على أراضينا، حيث دخلت هذه القوات الإيرانية إلى محافظتي السليمانية وأربيل لمسافة عشرات الكيلومترات، وتحولت كردستان إلى ساحة عمليات بين البلدين ويصف باني خيلاني الوضع على الشكل التالي:(في تلك الفترة كان المصدر الرئيسي لتمويننا هو إيران لكن ظروف المنطقة أصبحت تتعقد يومًا بعد يوم جراء توارد الباسدار الإيرانيين على المنطقة من خلال الإخوة في البارتي -الحزب الديمقراطي الكردستاني والسوشياليست- ويقصد به الحزب الاشتراكي الكردستاني-الكاتب5) .
وإثر تراجع الجيش واندحاره ودخول الجيش الإيراني الاراضي العراقية أثر بشكل كبيرعلى الموقف السياسي والتعبوي خاصة لدى بعض الرفاق القيادين المتواجدين في الساحة الكردستانية. عندما تحولت منطقة كردستان إلى جبهة حرب ساخنة حيث دخلت القوات الإيرانية في عمق المناطق التي يتحرك ويناضل فيها أنصار حزبنا والمعارضة الوطنية عموما، والذي اثار حفيظت هذه القوات وجماهير شعبنا وفصائل الحركة التحررية الوطنية العربية والكردية.
كان القتال بين القوات العراقية والإيرانية على أشده في المناطق الحدودية في محافظة السليمانية ( .. , الإنتقال إلى شاربازير. كانت مقراتنا لا تزال في سفوح جبل سورين عندما بدأ قصف مدفعي كثيف في تمام الساعة العاشرة مساء من ليلة 24/6/1985، إستهدف سلسلة الجبل بأكملها واستمرت لغاية منتصف نهار اليوم التالي مضرمة النار في الوديان والمرتفعات، وتصاعد الدخان من كل مكان. لقد كان القصف المدفعي شديدًا وكثيفًا إلى درجة لم نتمكن لا نحن ولا الاخوة في البارتي من زيارة المقرات القريبة منا، وتصورنا بأنه قد يكون هناك هجوم واشتعال في جبهة الحرب العراقية الإيرانية. تبين فيما بعد أنه كان هجومًا لقوات السلطة على مقرنا ومقر حدك في خورنوزان6).
فرضت الحرب قرب مقراتنا الأنصار والبيشمه مركة وضعًا غاية في الصعوبة، حيث تطلب الأمر إنتقال مقرات قاطع السليمانية وأفواجه إلى أكثر من مكان. إضافة إلى الجو العام الذي ساد حياة الأنصار على أثر احتلال الإيرانيين الأراضي العراقية. ويشير بانيخيلاني الى (... أن الإيرانيين حولوها إلى ساحة حرب، الأمر الذي أثر على مساحة تحركنا ويذكر أيضًا أننا لم نكن مستعدين إطلاقا لهجمات الباسدار وقوات الجمهورية الإسلامية. وثانيًا كنا على عكس الأحزاب الكردستانية، كنا نعتقد بأن انتقال جبهات الحرب العراقية الإيرانية إلى مناطق كوردستان من شأنه التغطية على النضال العادل والمشروع لشعبنا الكردي من جهة، ومن جهة أخرى فأن المناطق التي كانت محررة ومصانة بدماء الكورد كادت تصبح مرتعًا للقوات الإيرانية. وثالثًا لم تكن القوة العسكرية كافية لمنع الإيرانيين من النفوذ إلى مناطقنا دون أن نجد انفسنا في خندق الحكومة العراقية)7 .
وكثيرًا ما تعرض رفاقنا لاستفزازات البازدارية (الجيش الشعبي) والجيش الإيراني، وكانوا يقطعون الأشجار (بدون وجع قلب)، ويفتحون الشوارع كأنهم يستقرون في هذه المناطق. وقد شاهدت ذلك في ذهابي في إحدى المفارز إلى لولان وبيربينان وكلي رش، كيف كان الإيرانيون يفتحون الطرق بالشفلات الضخمة، وفي أثناء الليل حيث يوفرن الكهرباء من خلال المحركات الكبيرة، وكانت طائراتهم تجوب الوديان وعلى مستوى منخفض. وقد انتقلت مقراتنا أكثر من مرة من موقعها إلى مواقع أخرى ومنها (موقع الاعلام) في لولان وكذلك بقية المهمات مثل المخابرة والمكتب السياسي إلى منطقة خواكورك بعيدًا عن التماس مع الإيرانيين. يصف عزيز سباهي الامر على الشكل التالي : (... ومن المؤسف والمثير للغضب، أن العمليات العسكرية الضاغطة على منطقة كردستان، والتي اتخذت في الآونة الأخيرة طابع احتلال أجزاء منها، واختراق حتى مناطق محررة تقع تحت سيطرة الحركة الوطنية، كل هذا كان يعزز القناعة بأن إيران تستهدف التوسع والعمل على تعطيل إرادة الشعب العراقي )8.
إن سياسة النظام الرعناء حملت شعبنا وضعًا إقتصاديًا سيئًا، حيث توقف تصدير النفط الذي أثر على البنية الإقتصادية والاجتماعية لشعبنا. إن هذه الحرب هي عدوانية ورجعية مثل طبيعة الحكم في العراق، وبالنسبة إلى إيران هي إثبات وجود الحكم الجديد والثورة واستمراره، لأنها اطاحت بأقوى نظام دكتاتوري في المنطقة، وقد خلفت هذه الحرب مئات الألوف من القتلى والجرحى والمفقودين. وعلى ضوء هذا الإنحدار، فقد جرى تجيش وعسكرة شعبنا من خلال تجنيد طلاب المدارس وكبار السن والموظفين وكل من يستطيع حمل السلاح، إضافة إلى تشكيل ما سمي جيش القدس وغير ذلك، الأمر الذي جعل هروب الآلاف من هذه الحرب العمياء إلى جهات مختلفة، إلى الاهوار والجبال والأرياف، وهذا بحد ذاته ولد وضعًا نفسيًا قاسيًا وضاغطًا على عموم شعبنا العراقي وانعكس على العوائل والنساء الأرامل وتسبب في تفكك أسري كبير، بقي تاثيره حتى بعد الحرب بسنوات.
من جانب آخر فإن انسحاب الجيش العراقي وأفواجه الخفيفة والجحوش من مناطق القتال في كردستان، سهل في بعض الجوانب اللقاءات مع جماهير واسعة من المنطقة التي بدأت بالتعرف على الأحزاب وقواها المعارضة وأهدافها، وكشفت تشويهات النظام الدكتاتوري لها، حيث فرغت تلك المناطق وأصبحت خالية، بعد أن نقلت إلى جبهات القتال الأخرى.
(... وتجدر الإشارة من ناحية ثانية إلى أن إشعال النظام الحرب على إيران في 22/أيلول/1980 أضعف إلى حدما وجود وانتشار قواته في مساحات واسعة من كردستان. وساعد هذا على خلق ظروف موضوعية لصالح توسيع حركة الأنصار ونشاطاتها )9.
في الوقت نفسه ونتيجة لهذه الحرب إلتحق بعض المجندين الفارين من الأكراد إلى الأحزاب القومية. وبالنسبة لنا كان الإلتحاق قليلاً جدًا، سوى من كانوا رفاقًا في السابق. أو من عوائل محسوبة على الحزب.
لقد وضع الحزب مسؤوليته تجاه تدمير شعبنا ولهذا وفي أكثر من مناسبة وبيان كان يطالب بوقف هذه الحرب, يقول سكرتير الحزب عزيز محمد :(إننا ندعم من منطلق المسؤولية تجاه شعبنا الذي ذاق الأهوال من هذه الحرب، وتجاه حركة التحرر الوطني العربية وقضية السلم في المنطقة والعالم، أية مساع أو خطوات تساعد على إنهاء القتال أو تخدم التقدم نحو تسوية سلمية. ويضيف مادام أحد النظامين قائمًا أو مصرًا على شروطه التي يصعب عليه التنازل عنها، فأن ما يمكن تصوره في هذه الحالة هو أن تتخذ حالة الحرب صورة نزاع سياسي مرهق قد يطول أو يقصر، وهذا الإحتمال مستمد من طبيعة ومواقف النظامين العاجزين عن تحقيق تسوية سلمية ديمقراطية عادلة )10.
الإلتحاقات لم تكن بالمستوى حتى انتفاضة آذار 1991 حيث التحقت أفواج وسرايا بقوات المعارضة والتي لم تستطع استيعاب عددها الكبير، وبعضها رجع أو خرج إلى دول الجوار.
في 8 آب توقفت الحرب العراقية الإيرانية على ضوء قرار الأمم المتحدة المرقم 598 والصادر في تموز 1987.
**************
1 عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3 .
2بيان اللجنة المركزية طريق الشعب العدد 2 سنة 45 اواخر ايلول 1980
3من بيان اللجنة المركزية طريق الشعب العدد 3 سنة 45 تشرين الثاني 1980
4نفس المصدر السابق
5باني خيلاني مذكراتي ص 405
6باني خيلاني ص 412.
7نفس المصدر السابق ص 411.
8عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ص 217
9 تقيم الحركة الانصارية 1979-1988
10 عقود من تاريخ الحزب لشيوعي العراقي ص