مدارات

ثورة تموز وجراح الوطن / ألفريد سمعان

تمر عربات السنين.. تسترجع الآهات ذكرياتها.. تتوهج الايام الحزينة وتتراكم الاوجاع على الضلوع وتموت الابتسامات على فراش الحبيبة وضياع الفرصة الذهبية بعد ربع قرن من النضال المتواصل للحزب الشيوعي العراقي أسهم في ايقاد جذوة الصراع والتحديات ومجابهة قوى السلطة والاقطاع ومؤامرات الرجعية وفتحت المعتقلات والسجون ابوابها لعشرات الألوف من المواطنين المؤمنين بالقضية الكبرى وهو تحرير العراق من قيود السلطة الاستعمارية وتحقيق شعار الاستقلال الوطني.
الصحافة السرية تكتب بغضب وتحرض على ترحيل السلطة الملكية التي استأثرت بالحكم ولم تستطع رغم الامكانات الهائلة النفطية والزراعية مع قلة عدد السكان من تأمين عيش مناسب للملايين السبعة وتنويع الانتاج والدخول الى مرافىء الصناعة وتطوير العلوم ورصد الحركات الفكرية وتطور الحضارة ومتابعة قوافل التقدم التي لا تعرف التوقف والتخاذل والتراجع عن الاهداف الاسياسية التي يتوق الشعب الى تحقيق جزء منها في اطار الحد الادنى وآثرت الاسر الكبيرة والسياسيون الذي فرضوا ارادتهم بالقوة وتنفيذ برامج بوليسية اضافة الى الاعتماد على جهابذ? الاقطاع التي تشدد الخناق على الفلاحين وحولتهم الى ارقاء لاحول لهم ولا قوة.
في هذه الاجواء الملبدة ولدت المقاومة العراقية واعلنت القوى الوطنية سخطها واحتجاجها ورضوخ الطبقة الحاكمة الى الاستعمار البريطاني وحماية مصالحه البشعة في سرقة الثورة النفطية وتشريع القوانين التي تحمي امتيازاتها وتؤكد على تسلطها وقمع الحريات وادانة الاحرار بتهم ملفقة، في الوقت الذي كانت تمرر شتى الانتهاكات وتفرض سيطرتها وسياطها على الشعب ان كل ما كان يجري على ارض الكرامات حفز عددا من العسكريين الذين كانوا يعانون الرقابة والبطش والاحتكار وانتهاك الكرامات والتصدي لاحتجاجات الجماهير بالرصاص والسياط والمهانة ونش? الرعب والفزع، فكانت الانتفاضة الثورية التي تجمعت فيها كل شعارات الوثبات والانتفاضات المتواصلة وتضحيات المناضلين فكان يوم 14 تموز 1958 الانطلاقة العظيمة لاكتساح النظام الملكي والقضاء على ابرز رموزه وما زالت الاصداء تهز العروش وتعطي صورة متألقة لانتصار الشعب على اعدائه وتحقيق الاهداف المرسومة على خارطة التقدم الاجتماعي واعادة بناء الوطن على أسس جديدة وفتح الطريق امام القوى الثورية لتحقيق اهدافها.
لقد كان انتصار ثورة 14 تموز حدثا جبارا ارتعشت له القوى الاستعمارية وثبت من خلالها ان الشعوب المضطهدة لن تركع الى الابد ولن تؤدي التضحيات الجسام الى قمعها والقضاء عليها، بل تزيدها قوة وتؤكد صلابة القوى الثورية وارتقاء القمم الشماء وتحقيق الامنيات التي كانت مغطاة بعباءات الظلم والتعسف والدكتاتورية.
وسرعان ما تحركت القوى المناهضة للثورة وكافة الجهات التي كانت تستشعر الخوف والرعب من انتفاضات مشابهة تنطلق هنا وهناك وتكتسح اسوار الحكام وتعيد السلطة الحقيقية الى اصحابها الحقيقيين.. اجل تحركت قوى الاستعمار مع حزمة ذليلة من دعاة القومية والطائفية لترويع الشعب من مشاعل الثوريين التقدميين، فكانت الانتكاسة الاجرامية الكبرى في شباط الاسود عام 1963 التي لم يحسب لها عبد الكريم قاسم حسابها بشكل دقيق وضيع على القوى الثورية التي وقفت معه ورفعته قائدا وثائرا وعادلا ودعمت نظامه الجديد واشادت بمنجزات الثورة، ولكن المؤامرات لم تتوقف ولم تؤخذ بنظر الاعتبار رغم التحذيرات التي حملتها القوى الثورية وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي.
وهكذا كانت المأساة العراقية التي نذوق مرارتها خلال اكثر من نصف قرن على بيادر من الضحايا والمناضلين. ولكن القدر ينتظر انتصارات قادمة رغم الاجواء السوداء التي يعيشها العراق اليوم.