مدارات

غوركي، ماركس، الجواهري.. خرجوا من تحت الأرض!* / زهير الجزائري

كنت في الكاظمية نائما في حديقة بيت خالي في شارع النواب الذي سمي فيما بعد (شارع 14 تموز)..أتذكر أن خالي وهو شيوعي نزل من السطح، يصرخ بهستيريا (جمهورية، إنقلاب) ..كأن المدينة كانت على موعد مع هذا الحدث.. الناس خرجوا الى الشارع يتناقلون الأخبار والأسئلة والأجوبة.. وقد ذهب كثيرون مشيا الى بغداد وبالتحديد الى وزارة الدفاع.. ومنذ الصباح رأيت شبانا يخطون على الجدران شعارات: عاشت الجمهورية، اخوة العرب والأكراد، أخوة الشعب والجيش.. وكانت تمر بنا شاحنات عسكرية محملة بالجنود.. الناس يوقفون الشاحنات بالقوة ليقبلوا الجنود أو يشدوا على أيديهم... وقد?رأيت شبانا خرجوا الى الشوارع يحملون أسلحة قديمة، ويذهبون لمحاصرة رموز العهد الملكي..
المشهد الذي لن أنساه في تلك الإيام المجيدة، هو عودة أحد أقاربي من السجن... وفور عودته أخذنا الى بيت قديم تركناه لنخرج كتبا دفنت قرب سياج الحديقة.. كانت ممنوعة، تعرفت عليها لأول مرة: غلاف عليه صورة رجل بشوارب طويلة.. أنهم غوركي، ماركس، تولستوي، لينين، الجواهري... أتذكر رائحة الأرض والرطوبة في تلك الكتب التي بقيت سنوات طويلة تحت الأرض بورقها الحائل الرقيق... مع هذه الكتب بالذات بدأت علاقتي الجدية بالثقافة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رسالة العراق العدد 91/ تموز (يوليو) 1988