مدارات

قصة كليشة إتحاد الشعب

المناضل الشيوعي والصحفي المخضرم الرفيق عبد الرزاق الصافي ، معروف بحيويته ومرحه وذاكرته التي تحتفظ بالكثير من الحكايات التي يجيد روايتها بشكل مشوق ، في إحدى المرات، في سبعينيات القرن الماضي ، وحين كان يشغل رئاسة تحرير» طريق الشعب « تحدث لبعض الرفاق في التحرير عن بعض الشؤون الفنية في الجريدة، واستطرد لذكر ذكريات سنوات مرت ، ولم يذهب الحديث عبثا فقد سجله محرروا الجريدة ووجد طريقه للنشر .
المحرر
كان ذلك عام 1956 ، وبعد اعادة الوحدة لصفوف الحزب ومعالجة المنظمات الانقسامية، وكان من بين ما اولاه الحزب اصدار جريدة الحزب باسم جديد . وقام بنوع من الاستفتاء بين الرفاق والاصدقاء عن الاسم الجديد الذي يرشحونه للجريدة. وحيث ان من جملة المسائل المركزية التي كانت تحتل اهتمام الحزب في تلك الايام كانت قضية وحدة كل القوى الوطنية والتقدمية ضد النظام الملكي فقد حظي اسم «اتحاد الشعب» بقبول واسع عند اختياره من قبل قيادة الحزب وجرى الايعاز بعد ذلك الى احد الرفاق بأن يتدبر الحصول على خط وكليشه للاسم الجديد . الرفيق المكلف ، اتصل بالفنان الراحل هاشم الخطاط وطلب منه ان يخط له كلمتي (اتحاد الشعب) بخط من نوع معين ، فاعترض المرحوم الخطاط قائلا: ان هذا النوع لا يصلح للعناوين الكبيرة، وبعدها خط «اتحاد الشعب» بنوعين من الخطوط احدهما يصلح للعناوين الكبيرة والاخر للصغيرة ونفذ الفنان طلب الرفيق . وقبل ان يتسلم الرفيق الخطوط دخل احد الاصدقاء وراى الاسم مخطوطا على الورقة. وهنا كان على الرفيق ان يحتاط ، لقد كان حريصا على ان لا يكشف علاقته بالفنان الراحل (رغم ان هذا الصديق كان موثوقا) وهكذا ذهب الرفيق الى ستوديو الحكيم في رأس القرية وطلب منه ان يخط «اتحاد الشعب». اصبح لدى رفيقنا الآن خط الفنان هاشم والخط الذي اخذه من ستوديو الحكيم، وتدبر ان يحصل على كليشة للخطين، ثم ارسلهما للحزب مع رسالة يقترح فيها استعمال كليشة ستوديو الحكيم بعدد او عددين (خشية انكشاف علاقة هاشم الخطاط بكليشة «اتحاد الشعب») ثم العودة الى الكليشة التي اعدها الفنان هاشم.وفي عام 1957 جرى كبس مطبعة الحزب ومن جديد كان ينبغي ان يتدبر الحزب كليشة جديدة. اذكر ان المرحوم يعرب البراك تبرع بأن يحصل لنا على الكليشة : سألته كيف ؟ وحذرته من مخاطر الموضوع . قال اتركوا الامر لي فانا كفيل به . وكررت تحذيري له فقد كنت واثقا بان كل محلات الزنكغراف مراقبة . عمد المرحوم البراك الى تجزئة الاسم (اتحاد) و(الشعب) وطلب خط الكلمتين منفصلتين على امل ان يجمعهما بعدئذ، ثم اودع الكلمتين لدى احد اصحاب الزنكغراف، واتفق معه على الموعد. حين ذهب في الموعد المحدد وجد رجال الامن بانتظاره ، ولكن المرحوم البراك كان قد احتاط للامر مسبقا، فقبل مراجعة الزنكغراف ذهب الى مديرية الدعاية العامة وقدم عريضة شرح فيها انه بصدد تأليف كتاب عن الاتحاد الهاشمي وترد في فصول الكتاب كلمتا اتحاد والشعب وطلب البراك من مديرية الدعاية تزويده بالوثائق المطلوبة وسجل عريضته واخذ "رقم وتاريخ" واخذ وصلا بها. وهكذا حين واجهوه في الامن وحاصروه بتهمة العلاقة مع الحزب والعمل على استحصال كليشة باسم جريدته قال لهم ببساطة : انه يريد ان يعد كتابا عن الاتحاد الهاشمي يتحدث فيه عن اهميته . اوقف البراك عدة ايام وتعرض للضغط لكنهم لم يحصلوا منه على شيء. وما كان لهم ان يحيلوه الى المحكمة. ولهذا اضطروا الى اطلاق سراحه وفيما كان الرفيق يغادر التوقيف كان ضابط الامن يقول بعصبية: انظر انا مقتنع بانك اعددت هذه الكليشة للشيوعيين ، مقتنع مئة بالمئة ولكن ما الذي املكه لقد استطعت ان تفلت هذه المرة .
ـــــــــــــــــــ
طريق الشعب العدد 1131، في 15 حزيران 1977