مدارات

اليابان .. عشرات الآلاف يرفضون نهج العسكرة

رشيد غويلب
مررت حكومة اليمين المحافظ في اليابان اخيراً، بأكثرية اصوات التحالف الحاكم، في البرلمان ما يسمى بقوانين الأمن الجديدة، والتي يموجبها يشارك الجيش الياباني، لإول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، في عمليات عسكرية خارج حدود بلاده الوطنية. ورافق اعلان القرار، الذي قاطعت جلسة اقراره احزاب معارضة، منها الحزب الشيوعي الياباني، احتجاجات جماهيرية عنيفة.
وكانت التظاهرات قد اندلعت مساء 15 تموز في الساحة المقابلة لمقر البرلمان اليوناني، وتحدث منظموها عن مشاركة ما يقارب المئة الف مواطن فيها، وانهم عبروا عن رفضهم لإحياء النزعة العسكرية ومايرتبط بها من اهداف توسعية لتأمين دور أكبر لليابان في الشرق الأقصى وفي السياسة العالمية. وحمل المتظاهرون لافتات كتبوا عليها «اوقفوا الفاشية»، و «لا للحرب».
ينص الدستور الياباني، الذي اقر في 3 ايار 947 ، في اعقاب مأساة القصف الوحشي الامريكي بالقنابل النووية لمدينتي هيروشيما و ناكازاكي في 6 و 9 آب 945 ينص في مادته التاسعة على تخلي الشعب الياباني « وفي جميع الاوقات عن الحرب كحق سيادي للامة، وعن التهديد واستخدام القوة كوسيلة لحل النزاعات الدولية» وتتضمن المادة ايضا «ومن اجل تحقيق الهدف الوارد في الفقرة السابقة، سوف لا يتم تمويل قوات مسلحة في البر والبحر والجو. ولا يعترف بحق الدولة في شن الحروب».
ما زال هذا الدستور نافذا، على الرغم من تجاهل مضمونه السلمي بشكل تدريجي في اجواء الحرب الباردة في خمسينيات القرن الفائت، عندما تم في عام 1954 تحت تأثير الولايات المتحدة وتدخلها المباشر تأسيس «قوات الدفاع الذاتي» . وعبر «اتفاقية الأمن» مع الولايات المتحدة تم جر اليابان الى اطار الخطط العسكرية الامريكية في الشرق الاقصى. وتحتفظ الولايات المتحدة الى يومنا هذا بقواعد عسكرية كبيرة في الجزر اليابانية، على الرغم من الانهاء الرسمي للاحتلال الامريكي لليابان منذ عقود. ولكن نشاط الجيش الياباني ظل محصورا رسميا في الدفاع عن بلاده في حال وقوع اعتداء خارجي عليه.
وطيلة عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تجرأ الأوساط الحاكمة على الغاء مواد الدستور التي تؤكد سلمية النظام اليباسي الياباني، او تعديله، ويعود الفضل في ذلك الى حركة الإحتجاجات الواسعة التي تصدت الى جميع المحاولات السابقة، والتي جسدت توق مواطني اليابان الى العيش بسلام والمحافظة على الدستور باعتباره ضمانة لذلك. وتشير آخر استطلاعات للراي نقلتها اذاعة يابانية الى ان 61 في المائة من السكان يرفضون تغيير الطالع السلمي للدستور.
وتحت يافطة «اعادة تفسيرالنصوص الدستورية»، بدات الدوائر الحاكمة في اليابان التجاوز على مضمون مواد الدستور، والزعم ان ضمان امن اليابان لايتحقق، الا في اطار «الأمن الجماعي»، اي بالتحالف مع دول اخرى، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا يجب السماح «لقوات الدفاع الذاتي» الياباني بتقديم مساعدات للحلفاء خارج حدود اليابان. ومنذ عام 2001 يشارك الجيش الياباني في المنارات العسكرية الأمريكية في المحيط الهندي، وفي سواحل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 2003 شاركت اليابان في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي أسقط نظام صدام واحتل العراق. وكان على البرلمان الياباني اقرار قانون خاص بكل مشاركة، اما بعد اقرار «قوانين الامن الجديدة،» فستنتفي الحاجة لذلك.
ان التفسير الرسمي الجديد للمادة 9 من الدستور يستند الى مزاعم «التغير الجذري» للبيئة الأمنية المحيطة باليابان. والمقصود هنا هو تنامي دور الصين الاقتصادي والسياسي في المنطقة، والصراع المتصاعد اخيرا بين البلدين على سلسلة من الجزر في المحيط الهادي، بالإضافة البرنامج النووري والصاروخي لكوريا الشمالية. وقد ادى ذالك الى تصاعد المشاعر القومية، التي لم يعمل رئيس الوزراء على توظيفها في حملته الإنتخابية فقط، وانما كذلك في الحصول على التأييد لـ»الدور الجديد» للجيش الياباني خارج البلاد.
وحذرت الصين اليابان مما عدته «خطوة غير مسبوقة» «يمكن أن تسبب «تغييراً كبيراً في السياسة العسكرية والأمنية لليابان». واضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية «هوا شينينك»، ان ذلك يثير سؤالاً مشروعاً بشأن تخلي اليابان عن موقفها الدفاعي، وعن التنمية السلمية، التي اعتمدتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.وبعد 70 عاما يتذكر الناس التاريخ، وياملون بالسلام «نحن نطالب اليابان بجدية استخلاص الدروس من التجربة التاريخية».