مدارات

في العيد السنوي للصحافة الشيوعية/ ناصر حسين

اعتاد حزبنا الشيوعي العراقي وصحافته وصحفيوه الاحتفال في الحادي والثلاثين من تموز من كل عام بعيد الصحافة الشيوعية العراقية. ولم يأت ذلك اعتباطا فهذا التاريخ هو يوم صدور اول جريدة للحزب بعد عام واحد على تأسيسه، ومن ثم تغيير اسمه من (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار) الى الحزب الشيوعي العراقي والتي حملت الاسم "كفاح الشعب".
لينين في مؤلفه "ما العمل" وهو يطرح الاسس التنظيمية لبناء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي اكد على وجوب ان يكون للحزب صحيفة تنطق باسمه، تعرض سياسته للجماهير، توضح افكاره للناس وذلك عبر شبكة المراسلين التي يتطلبها جمع المعلومات عن حياة الشعب ونقلها الى الجريدة وشبكة الموزعين والاجهزة الناقلة، واجهزة الطبع تأخذ طابع (المنظم). فأصدر في حينه جريدة الايسكرا أي الشرارة .وهذا ما لم يفت الشهيد فهد وهو يتصدى لمهمة بناء (حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية) فاصدر كما اشرت اعلاه الجريدة الاولى للحزب (كفاح الشعب) التي لم يدم صدورها طويلا .
عام 1938 عاد الشهيد فهد من موسكو بعد ان اكمل دراسته في المدرسة الحزبية التي كانت تحمل اسم "جامعة كادحي الشرق" والتي تحول اسمها في ما بعد الى معهد العلوم الاجتماعية وكان الحزب لما يزل يعاني اثار الضربة التي وجهتها الاجهزة القمعية للنظام الملكي عام 1936 للحزب. فكرس كل جهوده لاعادة بناء الحزب، وكان اصدار جريدة مركزية للحزب، من اولى المهام التي واجهته فاصدر جريدة "الشرارة" لتكون الناطق الرسمي باسم اللجنة المركزية للحزب وهي لم تدم طويلا كذلك فقد خسر الحزب جريدته المركزية والمطبعة التي تطبع فيها عام 1942 بعد ان استولى عليها عبد الله مسعود القريني وجماعة (مؤتمر وعي البروليتارية العراقية) الذين استغلوا سفر الشهيد فهد الى موسكو، تلبية لدعوة تلقاها من قيادة الكومنترن نقلها له الكادر الشيوعي العراقي مهدي هاشم الذي كان يعمل آنذاك في حزب توده بعد ان نفته الى ايران حكومة بغداد بعد اعتقاله عام 1936، ليعقدوا مؤتمرهم خلافا للقرار المتخذ في اللجنة المركزية والذي حضره مهدي هاشم قبل سفر الشهيد فهد بايام ويعلنوا انفصالهم عن الحزب فاضطر باقي اعضاء اللجنة المركزية وفي المقدمة داود صائغ وبإسناد من القاعدة الحزبية الى عقد اجتماع موسع يعلن الرفض القاطع لما اقدم عليه القريني وجماعته ويقرر اصدار جريدة بديلة عن الشرارة حملت الاسم (القاعدة) تخليدا لموقف القاعدة الحزبية التي تمسكت بحزبها ورفضت بشدة كافة الاعمال الانقسامية التي تضر بوحدة الحزب وكيانه التنظيمي. واستمرت القاعدة في الصدور حتى العام 1956 الذي عقد فيه الكونفرنس الثاني للحزب وحل كتلة ((راية الشغيلة )) وعودة رفاقها الى صفوف حزبهم .
بعد حل الكتلة وإيقاف صدور جريدة (راية الشغيلة) ارتأت قيادة الحزب تخليدا لحل الكتل الانشقاقية واعادة وحدة الحزب والتوجه الجاد لتحقيق ائتلاف القوى الوطنية بالعراق في جبهة موحدة، ارتأت ايقاف صدور جريدة القاعدة وتغيير اسم جريدة الحزب المركزية الى (اتحاد الشعب) التي بقيت تواصل الصدور سرا حتى قيام ثورة 14 تموز عام 1958 ، حيث صدرت بالشكل العلني أوائل عام 1959، أي بعد مرور بضعة اشهر على قيام الثورة ولم يتم ذلك الى بعد جهود حثيثة بذلتها قيادة الحزب مع حكومة الثورة ومن بين تلك الجهود دعم الطلب في مذكرة جماهيرية حملت مئات الألوف من التواقيع.
هنا لا بد ان اشير الى ان الحزب وهو يصدر صحافته المركزية السرية الواحدة بعد الاخرى، عمل الى جانب ذلك على اصدار صحافته المناطقية، فللجنة اقليم كردستان للحزب جريدتها التي حملت الاسم (آزادي) وللجنة منطقة الفرات الاوسط جريدتها ايضا وللمنطقة الجنوبية ايضا جريدتها، وقد اهتمت الصحافة المناطقية للحزب بنشر اخبار النضالات الجماهيرية كلاً في مجال عملها ومشاكل الشعب ومطاليبه خصوصا الجماهير الفلاحية التي كانت تعاني الفقر والتخلف والامية والامراض والاستغلال الاقطاعي البشع. وقد تحولت الصحافة المناطقية كذلك الى الشكل العلني بعد ثورة 14 تموز ؛ حيث ترأس تحرير جريدة "صوت الفرات" الشهيد حسن عوينة. اما جريدة لجنة المنطقة الجنوبية فقد ترأس تحريرها المناضل الشيوعي والصحفي البارز نصيف الحجاج. ثم تحولت جميع هذه الصحف الى التوزيع السري بعد تحول حكومة قاسم عن الديمقراطية التي اطلقتها خلال العام الاول من عمر الثورة.
هنا ايضا لابد ان اشير الى جريدة "حرية الوطن" التي كانت تصدرها المنظمة الحزبية العسكرية لحزبنا في القوات المسلحة العراقية وتوزع داخل معسكرات الجيش وقد تقرر ايقاف صدورها بعد ان طلبت منظمة الضباط الاحرار عام 1957 من الحزب ذلك كي لا يلفت توزيعها نظر الاستخبارات العسكرية فتنكشف لها بعض الخيوط عن تنظيمات الضباط الاحرار، فيلحق بذلك ضرر بالنشاط الموجه لاسقاط النظام الملكي واستبداله بالنظام الجمهوري .
وهناك جريدة سرية اصدرها الشهيد سلام عادل باللهجة الشعبية لتكون سهلة الفهم لجماهير الفلاحين لكنها توقفت عن الصدور لعوامل عديدة ذكرتها الرفيقة ثمينة ناجي يوسف في مؤلفها (سلام عادل سيرة مناضل). عام 1960، وصحافة الحزب لما تزل تواصل الصدور بالشكل العلني اصدر قائد الفرقة الاولى باعتباره الحاكم العسكري العام للالوية الجنوبية السبعة، أمراً بمنع دخول جريدة "اتحاد الشعب" للالوية السبعة قارنا امره بتصريحه الشهير (أمي مخلص خير من مثقف هدام) .
بادرت منظمات الحزب تنظيم شبكة توزيع سرية للجريدة في الالوية السبعة وقد كانت من السعة والدقة في العمل بحيث ازداد توزيع الجريدة وبلغ مدى اعلى من معدل توزيعها قبل قرار المنع . ومن اجل ان لا يحصل فراغ في التوزيع العلني لصحافة الحزب في الالوية الجنوبية اصدر الحزب وبسرعة جريدة (صوت الشعب) وكان صاحب الامتياز الشهيد محمد حسين ابو العيس. في النصف الثاني من عام 1961 ومع اشتداد القمع البوليسي للسلطة المسلط على منظمات حزبنا اضطر الحزب بعد ان قامت السلطات بإيقاف صدور (اتحاد الشعب) الى الاصدار السري لجريدته المركزية التي حملت آنذاك اسم "طريق الشعب" والتي ما زالت تواصل الصدور مرة بالشكل العلني وأخرى بالشكل السري منذ ما يقرب من النصف قرن.
عام 1972 ولفترة وجيزة اصدر الحزب جريدة (الفكر الجديد) وكانت نسخة من جريدة (بيري نوي) الكردية التي كانت تصدر الى جوارها جريدة (ريكاي كردستان).
كما لا يمكن نسيان مجلة "الثقافة الجديدة" التي صدرت لأول مرة عام 1952 وما زالت تواصل الصدور كمجلة ثقافية بارزة، مجلة للفكر العلمي والتقدمي، منبرا للثقافة الديمقراطية.
واليوم ونحن نستذكر صحافة الحزب لابد وأن نستذكر صحفيينا، حملة القلم الشريف، الذين وضعوا كل امكانياتهم الادبية والفكرية والساسية في خدمة العمل الصحفي للحزب واستفادوا من النشر لنشر سياسة الحزب وافكاره بين جماهير الشعب وتطوير مدارك رفاق الحزب.
لقد عمل في تحرير صحافة الحزب سياسيون كبار وصحفيون بارعون وفي مقدمتهم الشهيدان الخالدان فهد وسلام عادل والشهداء عبد الرحيم شريف, عزيز الشيخ، جمال الحيدري، عبد الجبار وهبي (ابو سعيد)، عدنان عبد الله البراك، شمران الياسري (ابو كاطع)، الدكتور صفاء الحافظ والشهيد كامل شياع .
انني لأذكر جيدا كيف ان القارئ كان اول ما يتصفح جريدة (اتحاد الشعب) ينتقل الى الصفحة الاخيرة منها ليقرأ العمود اليومي للشهيد (ابو سعيد) وكذلك فعل القراء مع كتابات (ابو كاطع) في "طريق الشعب" سبعينيات القرن الماضي .
كما لا بد ان نستذكر جهود رفيقات ورفاق أمنوا طبع صحافة الحزب في فترة العمل السري، متحملين كل المتاعب والمخاطر. في بالي الان ما ورد بحقهم في رسالة للمكتب الساسي للحزب موجهة الى المنظمات الحزبية في ستينيات القرن الماضي من ان رفاقا للحزب ورفيقات طلقوا كل مباهج الحياة وأخذوا يطوون الليل والنهار متحدين كل المخاطر من اجل تأمين مستلزمات نجاح العمل الحزبي. وهذا هو الشهيد سلام عادل يحدث رفيقا من رفاق الحزب بعد اختتام اعمال الكونفرنس الحزبي الثاني المنعقد عام 1956 عن وضع اولئك البواسل- الجنود المجهولين اذ ابلغه بانه ذاهب الى المطبعة ويؤكد له انه سيمضي معهم ليلته ويتأسى لحالهم بالقول ((منذ ثلاثة اسابيع لم يمر بهم احد، ما اقسى حياة هؤلاء الرفيقات والرفاق، انهم يعملون بصمت حتى انهم لا يكادون يعرفون شيئا عن اعمالهم الباهرة، لقد فرضنا عليهم نظاما صارما ان لا يخرجوا من الدار، ان لا يزوروا ولا يزاروا سأحدثهم عن حزبنا، عن نجاحاتنا، عن الافق النير لحركتنا الوطنية)) "سلام عادل.. سيرة مناضل" الكتاب الاول ص 31.
كما كان لنا صحفيونا الذين نكن لهم التقدير والاعتزاز ممن ساهموا في ارساء دعائم صحافتنا الشيوعية كالرفيق عبد الرزاق الصافي، سلام الناصري، محمد كريم فتح الله، وهذه الاسماء اذكرها على سبيل المثال لا الحصر.
المجد للعيد الثامن والسبعين لتأسيس الصحافة الشيوعية والتهاني الحارة للصحفيين الشيوعيين العراقيين بعيدهم المجيد.