مدارات

تقرير صندوق النقد الدولي / محمد شريف أبو ميسم

لم يأت تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر مؤخرا بجديد يمكن أن يشير الى ملامح جديدة للتطور أو مواطن للخلل، غير معلومة في جسم الاقتصاد العراقي، على الرغم من اجترار ذات الجمل والكلمات.
فالتقرير السنوي الذي أعد بعد زيارات عديدة تخللتها عملية جمع البيانات من داخل مشهد الاقتصاد العراقي، أشار الى أهمية تنويع الايرادات وعدم الركون الى الجانب الواحد في الايراد خشية من التقلبات في اسعار النفط ، بجانب أهمية تنمية القطاع الخاص غير النفطي وتحرير سوق الصرف الأجنبي لتشجيع الاستثمار.. وما ألحق بذلك هو تكرار واجترار لما قيل ويقال يوميا في كتابات وتنظيرات الاقتصاديين العراقيين في الندوات والمؤتمرات .
التقرير أعاد ذات الأسباب التي تتكرر سنويا فتقف وراء الاخفاقات الاقتصادية المتواصلة (الوضع الأمني المتردي الناجم عن استمرار التصارع السياسي، سوء استخدام الأموال- مطالبا بتوجيه الانفاق في الموازنات العامة، وتقليل الهدر ورفع مستوى جودة الانفاق «فيما يتعلق بقطاع الكهرباء والانفاق على الرواتب عن طريق الحدّ من نمو التوظيف في القطاع العام» مع بناء احتياطيات مالية عامة تستطيع تحصين الإنفاق من تراجعات في الصادرات النفطية أو في أسعار النفط- الا انه أثنى على أداء الحكومة في المحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي في العراق.
صندوق النقد الدولي الذي ألزم العراق مع البنك الدولي ونادي باريس بماسمي اصلاحات اقتصادية عند تسوية قضية المديونية دون قوانين تنظم علاقات السوق وحركة رأس المال، ساهم في توجيه السياسة النقدية في العراق على مدار السنوات العشر الماضية والتي أفضت الى ما أفضت اليه بعد كشف حركة تحويل الأموال في مزاد المركزي، وكان وصيا مع البنك الدولي على صانعي الموازنات العامة سنويا في العراق.. جاء في تقريره السنوي هذا العام ، ان السبب في انتقال الطلب «الذي سماه مشروعا» على العملات الأجنبية إلى السوق الموازية هي اجراءات البنك المركزي الأخيرة ولم يعط معالجة حقيقية لهذه الاشكالية ولم يكشف لنا عن نتائج الاصلاحات الاقتصادية التي ألزم بها العراق ، وعن سر عدم الاستقرار في السياسة النقدية على الرغم من الكلف العالية التي تنفق على العمل بأدوات تلك السياسة التي ساهم في وضعها، واكتفى بالمطالبة بتحرير سوق النقد الأجنبي، مشيدا بـ»السياسات السابقة للبنك المركزي التي حققت الاستقرار النقدي على مدار ثلاث سنوات» بحسب ما جاء في التقرير. وعلى هذا فان المتتبع لتاريخ التوصيات والمطالبات التي كان يمليها الصندوق على البنك المركزي العراقي وكأنه الأب الروحي ، يستغرب حقيقة ما ورد بالتقرير في هذا الشأن ، الذي يكتفي بعرض واقع الحال ( ويترك مسألة عدم تحقق الاستقرار النقدي على الرغم من تعدد منافذ بيع الدولار بشكل كبير) فيما يتجاهل الطلب المتزايد على الدولار من قبل تجار دول الجوار العراقي بهدف تمويل تجارة تلك الدول المحاصرة، تاركا هذا الأمر لأهله وكأنه لم يكن ذا شأن يوما بهذه السياسة التي تتعاطى مع نتائجها ادارة البنك المركزي الحالية ، في وقت أسهب فيه بالاشارة لمعدل النمو في الاقتصاد الكلي الى درجة يعتقد القارئ ان نسبة 9% من هذا النمو جاءت من خارج صادرات النفط!