مدارات

السياسي والمثقف العراقي مفيد الجزائري في حوار صريح لـ "البينة الجديدة":


إذا وجدت الجماهير المتظاهرة من أجل الإصلاح استجابة ملموسة فإن العراق سائر بالاتجاه الصحيح
حاوراه: عدنان ابراهيم وحسين رزاق
السيد مفيد محمد جواد الجزائري سياسي يساري عراقي من مواليد محافظة بابل 1939، عين بمنصب وزير الثقافة في حكومة مجلس الحكم وحكومة اياد علاوي، حاصل على شهادة الماجستير في الاعلام عام 1966 من براغ العاصمة التشيكية (تشيكوسلوفاكيا سابقا)، انتمى الى الحزب الشيوعي العراقي اوائل العقد السادس من القرن العشرين وعمل في المعارضة العراقية، في اوائل التسعينات عمل مراسلا لاحدى المؤسسات التلفزيونية الدولية ولجريدة "الحياة" اللندنية، حاليا رئيس تحرير صحيفة "طريق الشعب" لسان حال الحزب الشيوعي العراقي، يجمع بين العمل السياسي والثقافي داحضا المقولة التاريخية عن تأزم العلاقة بين المثقف والسياسي وتحرير الثقافة من هيمنة الرؤية الاحادية الضيقة التي تضع نفسها رهينة الماضي.
(البينة الجديدة) التقت السيد مفيد الجزائري في حوار موسع لا تنقصه الصراحة.. فماذا قال؟
• باعتبارك سياسيا ومثقفا عارفا بالغواطس.. الى اين يسير العراق؟
•اذا اتيح لجماهير الشعب التي تخرج كل اسبوع منذ 31 تموز متظاهرة وطارحة مطالبها المعروفة: من اجل الخدمات، ضد الفساد والمفسدين وسوء الادارة، من اجل الاصلاح.. اذا اتيح لهذه الجماهير ان تجد استجابة فعلية ملموسة وغير مترددة من جانب رئيس الحكومة، فالعراق سائر على الطريق الصحيح، سائر نحو ما كان العراقيون يبتغون تحقيقه منذ 2003 وما قبل 2003، اعني بناء عراق مدني ديمقراطي آمن، ينعم فيه الناس بالعيش الكريم كأبناء آدم مثل غيرهم حتى في الدول المحيطة بنا ولا اتحدث عن الدول البعيدة والمتقدمة، وسائر نحو تعويض الخسائر الهائلة التي سببتها له سياسة المحاصصة الطائفية والقومية التي انتهجها الحاكمون منذ ما بعد 2003، ومباشرة البناء والاعمار، هذا كما قلت اذا وجدت جماهير الشعب تجاوبا حقيقيا، مع مطالبها التي لم يبق احد لم يعترف بانها مطالب مشروعة، والتي تحظى بدعم قوي ومستمر من جانب المرجعية وهي تؤكد وتكرر كل يوم جمعة وقوفها الى جانب الهبة الشعبية، وتلح على الحكومة ان تلبي مطالبها العادلة.
• ساسة اليوم .. هل هم بمستوى التحديات التي يواجهها العراق؟
• الساسة انواع: هناك ساسة الاحزاب المتنفذة، الاحزاب المتحاصصة التي تقاسمت السلطة طيلة المدّة الماضية واوصلت العراق الى الحالة الكارثية التي هو عليها اليوم. وهناك الساسة الذين لا حصة لهم في البرلمان او في الحكومة، ولكنهم يناضلون منذ عقود طويلة ويواصلون النضال من اجل قضية العراق وشعب العراق، وقد اثبتوا في كل المناسبات والاوقات كفاءتهم وإخلاصهم ونظافة ايديهم ووطنيتهم. الساسة من النوع الاول هم اليوم امام امتحان كبير وعسير، فعليهم ان يثبتوا انهم قادرون على الانصات الى صوت الشعب، وتبني مطالب الناس، وعلى التخلي عن انانيتهم وتشبثهم بمصالحهم الخاصة، واعلاء شأن المصلحة العامة، مصلحة الشعب والوطن، وجعلها فوق مصالحهم الذاتية، عليهم ان يراعوا الناس وحقوق الناس ومصالحهم.. وكفى امتهانا وتعذيبا لهذا الشعب بعد امتهان وتعذيب صدام الذي استمر اكثر من ربع قرن. الاقتصادي المعروف ماجد الصوري ذكر قبل ايام ان ما قد يصل الى 35 بالمئة من العراقيين، اي اكثر من 10 ملايين مواطن، يعيشون اليوم تحت خط الفقر، بمعنى انهم يصارعون يوميا من اجل تأمين لقمة الخبز المجردة لاطفالهم وعوائلهم، في ظروف نرفع من قدرها اذا قلنا انها مزرية، فهل يدرك هؤلاء السياسيون الذين بيدهم الحكم حتى اليوم الحاجة الملحة والماسة للاصلاح والتغيير، ويقفون الى جانب السيد حيدر العبادي ويعينوه على تنفيذ ما اعلن من رغبة في تلبية مطالب المتظاهرين؟ اذا لم يدركوا ذلك فسيسقطون في الامتحان. فمن الواضح ان الحراك الجماهيري من اجل الحقوق والمطالب المشروعة لن يتوقف هذه المرة، ولن تستطيع اية قوة ان توقفه وتمنعه من تحقيق اهدافه في الاصلاح والتغيير.
• الكتل السياسية الكبيرة اصبحت عالة على تشريع القوانين، من جانب تدعي هذه الكتل وطنيتها في حين تعمل على تكريس المحاصصة وهو ما يتعارض مع الوطنية.. كيف تنظر الى هذا الموضوع؟
- هناك الكثير من التناقضات الملفتة للانتباه، فمثلا يدعي بعض الجهات والاشخاص ان المتظاهرين يسيئون للمرجعية، بينما المرجعية ممثلة بخطيبي الجمعة في كربلاء تقف علنا وبوضوح الى جانب المتظاهرين وتؤيد مطالبهم، وتؤكد ذلك وتكرره اسبوعا بعد اسبوع وتطالب رئيس الوزراء بان يكون جريئا وشجاعا في تحقيق مطالب المتظاهرين وان يضرب على الفساد بيد من حديد، نعم لو كان المتظاهرون يسيئون فعلا الى المرجعية، لما وقفت المرجعية هذا الموقف الثابت الى جانبهم. فالادعاءات المذكورة لا اساس لها واصحابها يمارسون سياسة ذات وجهين حيث يدعون شيئا ويفعلون شيئا آخر، خذ مثلا ثانيا، عندما تصاعدت نقمة الناس على المحاصصة الطائفية التي هي اساس البلاء بدأ الكثيرون منهم يلعنون في تصريحاتهم المحاصصة ويدينونها، لكنهم في الواقع كانوا يعملون في الخفاء على إدامتها وتكريسها تحت عناوين جديدة، بدليل انهم في السنتين الاخيرتين اتجهوا الى تطبيق ما سمّوه خطة (التوازن) وشكلوا لجنة رسمية بهذا الاسم مهمتها اعادة تقسيم الغنائم و(الحصص) من كعكة السلطة فيما بينهم كاطراف في حكومة (الشراكة الوطنية) المزعومة، وهذه اللجنة كما تعلمون لم تحقق شيئا يذكر لأن اعضاءها بدؤوا يتعاركون فيما بينهم على الحصص واحجامها ودسامتها..!
• يبدو ان الامريكان قد تنصلوا عن وعودهم للعراقيين ببناء دولة رائدة.. فهم الان ينظرون الى العراق وهو يتألم من دون ان يثبتوا انهم بالفعل داعمين له واجراءاتهم خجلى في تقديم الدعم لهذا الشعب؟
- الولايات المتحدة دولة لها مصالحها وهي تنطلق في سياستها من هذه المصالح ولا تفعل الا ما ينفعها ويخدمها. فهي ليست جمعية خيرية تغيث المستغيثين بدون مقابل وتساعد من يحتاج للمساعدة، الولايات المتحدة بلد يطبق بمنتهى الصرامة مبدأ سيادة المصالح في السياسة، علما ان مفهوم هذه المصالح غير ثابت فهو في عهد اوباما مختلف عما كان في عهد بوش، وبالنسبة الى العراق يدخل في صياغته تطور الاوضاع في العراق نفسه ومصالحهم هم وخططهم في المنطقة، كذلك اوضاعهم الداخلية في الولايات المتحدة نفسها وغير ذلك، فالامريكان (واقصد الحكام طبعا) لم يفعلوا ولن يفعلوا شيئا من اجل عيون الشعب العراقي او عيون اي شعب آخر وعلينا ألاّ نتوقع منهم ان ينفذوا دائما وعودهم لنا وعهودهم ولا ان نعول على مشاعرهم وانسانيتهم في التخفيف من معاناة العراقيين وعذاباتهم. و نحن لا ننسى انهم مسؤولون عن ادخال ارهابيي القاعدة الى بلدنا وانهم متهمون بالوقوف وراء تأسيس واطلاق تنظيم داعش، وكلاهما فعلا بالعراق والعراقيين ما لم يفعله سوى المقبور صدام حسين. هذا هو الواقع الذي يجدر ان نضعه في حسابنا ونحن نحاول ان نفهم الامور ونجيب على الاسئلة.
• كيف يتم فرز السياسيين الطارئين وتجاوزهم؟
• قضية فرز وعزل ونبذ السياسيين المتطفلين على العملية السياسية تنهض بها جماهير الشعب وقواه الحية المخلصة، حقيقة كل سياسي سواء كان مائلا او مستقيما لا بد ان تظهر وتنكشف حقيقته عاجلا ام آجلا، والشعب هو من يختار في النهاية بين من يستحق ثقته ومن لا يستحقها. والعراقيون كما تبين الهبة الشعبية اليوم والتظاهرات المتواصلة والمتصاعدة قادرون على التمييز بين الصالح والطالح وعلى نبذ من خيب آمالهم واساء استخدام الثقة التي منحوها له، ونحن نرى الآن في التظاهرات الشعبية تزايدا متواصلا في اعداد المحتجين ممن كانوا قد اعطوا اصواتهم للاحزاب الحاكمة، فهم الان يثورون ضدها لانها لم تبرر ثقتهم بل خيبت امالهم، لذلك ينخرطون في معركة الاصلاح و التغيير ويطالبون بمحاسبة الفاسدين ومعاقبتهم واسترداد ما سرقوه ونهبوه من اموال الدولة وممتلكاتها ومن ثروات الشعب، ربما هناك من يقول ان مطالب المتظاهرين تعجيزية فكيف يمكن بين ليلة وضحاها محاسبة ومعاقبة كل رؤوس الفساد وما اكثرها، لكن الامر ليس كذلك فالناس لا تطالب بمعاقبة فورية لكل من يستحقون العقاب، بل تريد ان تتلمس توجها جديا الى ذلك وقد يكفيها ان ترى رؤوس الفساد المعروفين يزاحون الآن من المواقع والمناصب المهمة التي ما زالوا يحتلونها والتي يستطيعون عن طريقها عرقلة عملية الاصلاح كلها واحباطها.
• يشعر المواطنون بخيبة امل كبيرة من الذين انتخبوهم ممثلين لهم في البرلمان كيف تقرأ الانتخابات المقبلة على ضوء ما يجري الان؟
اتوقع ان يفكر الكثير من المواطنين مرات عدّة قبل ان يعطوا اصواتهم. اتوقع انهم لن يعطوا اصواتهم الى من خيب ظنهم ولم يحترم ثقتهم. فالانسان كما يقول المثل لا يلدغ من جحر مرتين فكيف وقد لدغ مرات ومرات، الانتخابات المقبلة يفترض ألاّ تجري قبل صدور قانون الاحزاب ولا قبل تعديل قانون الانتخاب. فغياب الاول وبقاء الثاني على حاله يعني ان اي انتخابات مقبلة سوف لن تختلف عن سابقاتها المطعون في ديمقراطيتها ونزاهتها، والتي جاءت ببرلمان لا يعبر عن ارادة الشعب وقد قام بدور شاهد الزور على السياسات المدمرة للحكومات السابقة وكان اداة لتمرير تشريعاتها اللاديمقراطية والمتعارضة مع حقوق الناس ومصالح الوطن، كذلك تتوجب اعادة النظر في وضع مفوضية الانتخابات لتكون مستقلة حقا وان يتشكل مجلسها من شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة وبعيدا تماما عن المحاصصة الطائفية والاثنية.
هذا وغيره اذا تحقق يمكن ان يجعل من الانتخابات القادمة محطة مميزة في مسيرة العملية الديمقراطية و في بناء دولة المؤسسات والقانون والحريات والحقوق التي نتطلع اليها جميعا، ويحق لنا ان نأمل بعد ذلك في ان نرى تلك الانتخابات تتمخض عن مجلس نواب مختلف، اقرب الى الشعب واكثر تعبيرا عن ارادته وعن مصالحه ومطاحه.
• المصالحة الوطنية .. من يتصالح مع من ؟
– موضوع المصالحة الوطنية وبناء الوحدة الوطنية مهم جدا وموقعه متقدم بين المهمات التي تواجه البلد اليوم بقواه السياسية وجماهير شعبه، واذا احرزنا تقدما في هذا الملف الحساس نكون قد وافرنا مستلزمات دحر داعش وقوى الارهاب عموما و متطلبات استعادة الامن و الاستقرار و الحياة الطبيعية في بلادنا، اما مع من تكون المصالحة فطبعا مع كل من لم تتلطخ ايديهم بالدم العراقي وكل من نجد معهم لغة مشتركة للتخلص من (داعش) وللعمل معا من اجل اصلاح العملية السياسية وبناء عراق ديمقراطي وآمن لجميع العراقيين.
• باعتبارك مثقفا عراقيا كيف تنظر الى دور المثقف في ممارسة مسؤولياته الوطنية؟
- المثقف العراقي يعي جيدا دوره كمواطن وقد نزل الى الشارع الى جانب الاخرين من ابناء الشعب وبناته وفي جميع المحافظات ومراكزها والاقضية والنواحي، اما فيما يتعلق بدوره كمثقف وهو دور لا بد ان يكون مميزا فالامر يحتاج الى وقفة. والمثقفون انفسهم يدركون ذلك وليس من قبيل المصادفة ان ندوة عقدت قبل ايام في اتحاد الادباء تحت عنوان (المثقفون والحراك المدني) وطرحت فيها آراء وافكار بشأن الموضوع وتوصلت الى خلاصات احتواها بيان صدر عن الندوة. نعم هناك حاجة لدور اكبر للمثقفين في كل جانب من جوانب الحراك والتظاهر، وبضمنها الحفاظ على سلمية المظاهرات والتمسك بشعاراتها الاساسية المتعلقة بمحاربة الفساد وتأمين الخدمات و تحقيق الاصلاح.
• ايهما الاقرب اليك الادب ام السياسة؟
-انا محب للادب وكنت دائما كذلك، وابقى حتى اليوم وما حييت قارئا للنتاجات الادبية من شعر ورواية وقصة وغيرها متمتعا بها ومتعلما منها. اما السياسة فلم انقطع عنها لحظة، لاسيما منذ انتمائي الى الحزب الشيوعي العراقي اوائل ستينات القرن الماضي.
• ماهو تقييمكم لما يؤديه الحشد الشعبي من مهمات وطنية؟
• الحشد الشعبي يقوم بدور كبير في مواجهة الارهاب وفي درء خطر داعش بالذات وكف عدوانها وتحرير الارض من دنس احتلالها، لولا الحشد الشعبي لاختلت معادلة الحرب مع هذا التنظيم الدموي الوحشي نظرا الى الوضع الصعب لقواتنا العسكرية و الامنية التي لم يتم بناؤها و قيادتها للاسف على اسس سليمة، وهذا كما نعرف جميعا كان من اسباب سقوط الموصل والانبار، نحن ننظر للحشد الشعبي الذي نحترم ونقدر كثيرا تضحيات مقاتليه وانجازاتهم بعدّه تشكيلا عسكريا نشأ تلبية لنداء المرجعية من اجل اداء مهمة وطنية كبيرة وعاجلة في مواجهة داعش، لم يكن الجيش والقوات الامنية وبقية التشكيلات قادرة على النهوض بها منفردة، وهي مهمة مؤقتة تنتهي بانتهاء عملية تحرير ارضنا من داعش، وبناء على ذلك ايضا فان الحشد الشعبي يعمل في اطار الدولة، وضمن هيئة تابعة للدولة، وليس قوة مستقلة عنها.
•كلمة اخيرة
- تحيتي لجريدتكم "البينة الجديدة" ولذكرى مؤسسها المرحوم ستار جبار الذي كانت تربطنا به علاقة اكثر من طيبة ونحن نحفظ ذكراه ونصونها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة "البينة الجديدة"
الثلاثاء 1 أيلول 2015