مدارات

الشيوعي البرتغالي: البلاد في مفترق طرق

رشيد غويلب
صرح زعيم الحزب الشيوعي البرتغالي جيرونيمو دي سوسا، ان بلاده تقف على مفترق طرق. جاء ذلك في كلمة له امام اعضاء ومناصري حزبه خلال التحضيرات للدورة التاسعة والثلاثين لمهرجان جريدة الحزب المركزية "افانتي" الذي اختتم فعالياته امس الاول الأحد .
وبصدد الإنتخابات القادمة قال دي سوسا: " ستكون انتخابات الرابع من تشرين الأول لحظة اختيار بين طريقين: فاما ان تستمر السياسة المدمرة للحكومة اليمينية، والحزب الأشتراكي (وسط) اكبر احزاب المعارضة، او سيفتح طريق جديد لسياسة وطنية ويسارية".
وكان "تحالف الوحدة الديمقراطي" الذي يضم الحزب الشيوعي وحزب الخضر، والذي يعتبر التحالف الإنتخابي التقليدي للحزب الشيوعي في الدورات البرلمانية الأخيرة، قد دعا البرتغاليين لحضور المهرجان. وهيمنت اجواء الإستعداد للانتخابات المقبلة على المهرجان، الذي كرس للإحتفال بالذكرى السبعين للتحرر من الفاشية الهتلرية. وتشير آخر استطلاعات الراي الى حصول الحزب الشيوعي على تأييد 10 في المائة تقريبا من الناخبين، وتعتبر هذه النسبة جيدة مقارنة بقوى اليسار الأخرى التي تعاني من صعوبات جمة، جراء تبعثرها في العديد من التحالفات والتنظيمات الصغيرة.
وسيكون الوضع صعبا بالنسبة لـ"كتلة اليسار" وهي القوة اليسارية الثانية الممثلة في البرلمان، والتي عانت في السنوات الأخيرة من تراجعات انتخابية متتالية. فبعد ان حصلت في عام 2009 على 10 في المائة تقريبا، مثلت افضل نتائجها الإنتخابية، انخفضت النسبة في الإنتخابات المبكرة عام 2011 لتصل الى نصف. ولم يستطع اي حزب من الأجزاب المضادة لسياسة التقشف تحقيق تقدم كبير
. ومنذ ذلك الحين تحكم البرتغال من قبل تحالف محافظ يتشكل من الحزب الإجتماعي الديمقراطي، وحزب المركز الإجتماعي الديمقراطي اليميني. وينفذ هذا التحالف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء بيدرو باسوس كويلو سياسة يمينية واضحة المعالم. وفي انتخابات البرلمان الأوربي حصل حزب "كتلة اليسار" على 4,6 في المائة فقط، وهو يتأرجح في استطلاعات الراي الأخيرة بين 2 3 في المائة.
و تكمن الصعوبة الأكبر في استقالة العديد من اعضاء الحزب المعروفين. علما انه تأسس سنة 1999 وكان ضمن الأحزاب اليسارية الاولى التي اعتمدت التعددية. ولكنه عانى في السنوات الأخيرة من انشقاقات بسبب الموقف من التحالف مع الحزب الإشتراكي المعارض. والقيادة الحالية لـ "كتلة اليسار" ترفض التحالف مع هذا الحزب ولا تعتبره قادرا على ايقاف سياسات التقشف الحكومية. وتقول كاتارينا مارتنز المتحدثة باسم الحزب: " لسنا جزءا من المستنقع، ونحن وجدنا لكسر نظام الحزبين".
في هذه الأثناء اصبحت البرتغال خارج وصاية برنامج "الإنقاذ الأوربي" رسميا، ولكن ثلاثي (صندوق النقد الدولي، البنك المركزي الأوربي، المفوضية الأوربية) ما زال يحدد السياسة المنفذة في البلاد. وعلى هذا الأساس يجري العمل لخصخصة الخطوط الجوية البرتغالية، وقطاع الطاقة في البلاد. ولهذا فان قوى اليسار على حق عندما تصف الحكومة البرتغالية بأنها "المانية اكثر من الألمان".
وكان يمكن لإستطلاعات الرأي ان تكون افضل بالنسبة لليسار، لولا الإنشقاقات التي عانى منها ففي عام 2013 اسس احد نواب حزب"كتلة اليسار" في البرلمان الأوربي حزب "الحر" اليساري البيئي الذي سيدخل الإنتخابات القادمة متحالفا مع انشقاق آخر من "كتلة اليسار" يحمل اسم "عصر التقدم". والمجموعتان منفتحتان على التحالف مع الحزب الإشتراكي المعارض، الذي تمنحه استطلاعات الرأي 37 في المائة، والهدف من ذلك هو التوصل الى حكومة مشابهة لحكومة الرئيس الفرنسي هولاند. وكما هو معروف فان الإشتراكيين في البرتغال ايضا يتبنون خطابا يساريا خلال الحملة الإنتخابية، لكن سرعان ما يتنصلون عنه بعد تشكيلهم للحكومة.
القوة اليسارية الأخرى التي ستخوض السباق الإنتخابي هي حزب "سوية نحن قادرون"، وهو النسخة البرتغالية لحزب "نحن قادرون" الأسباني، وهذا الحزب اسسه ايضا كوادر مستقيلة من حزب "كتلة اليسار"، ولكنهم عادوا ليغادروا الحزب الجديد. وهناك مجموعة يسارية تطلق على نفسها "تفاعل"، ولكن يبدو ان لا حظ لها في الوصول الى قبة البرلمان.
وهكذا فإن تشتت اليسار في البرتغال يشكل عائقا اساسيا امام تحقيق قواه نتائج انتخابية متقدمة كما هو الحال في اليونان او الجارة اسبانيا.