مدارات

تظاهرات الجمعة انطلقت من "فيس بوك" وغدت حقيقة فاعلة

أكرم الخاطر
آصرة كبرى بين التظاهرات و"الفيس بوك"، بين تظاهرات الجُمع العارمة، في ساحة التحرير ببغداد وبقية المحافظات العراقية، وبين محرك ناشطي الفيس، من الشباب المتعطشين للحرية، ومحاربة القوى الظلامية، وسرقتهم للحلم العراقي بفسادهم واستهتارهم وتماديهم في النهب والسرقة وتخريب الوطن ودماره.. مَن ينكر ذلك؟، الفيس ساحة اعلامية خطرة، منها انطلقت شرارة التظاهرات، ومنها تمت الدعوة لها والتحريض على قيامها.
بشفافية واضحة تُحسب لها، وعلى صفحاتها المثيرة، تنافس الشباب على ضرورة الاشتراك فيها وتفعيلها باعتبارها ظاهرة وطنية مهمة، والمشاركة فيها مهمة وطنية وأخلاقية، لانها فرصة ثمينة للعراقيين للمطالبة بالإصلاح، ومحاربة الفساد والمفسدين، وتقديمهم للعدالة.
ست ملاحظات فقط
يقول جاسم الحلفي، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وأحد الناشطين في الحراك المدني، خصوصا سيل التظاهرات العارم في العراق: التخطيط للتظاهرات واضح جدا وغير مخفي، ما عليك الا ان تتابع "الفيس بوك"، حتى تكتشف لغز التحشيد للتظاهر، وتتعرف على مطالب المتظاهرين، وتطلع على الاهازيج، وستعرف أيضا مكان التظاهرة وموعدها، فمن خصائص هذه الحركات الاحتجاجية أن تكون مكشوفة، واضحة، شفافة، وكل ناشط فيها هو المخطط القيادي والمشارك في آن، هو ما يطلق عليه المفكر الفرنسي المختص بالحركات الاجتماعية "الن تورين":"الفاعل الاجتماعي"، وبهذا المعنى لا رأس للتظاهرة، فهي لا تتبع التنظيم العمودي المعروف لدى الأحزاب، انما هي عبارة عن شبكات من الاتصالات والتواصل، تأخذ شكلها الأفقي، أما قيادتها فتتشكل بموجب وجهتها، ومحددات مطالبها، ورؤيتها، هناك بالتأكيد مجاميع تنسق لها، وهذه المجاميع ترتبط أو لا ترتبط مع بعضها قبل التظاهرة، لكنها تلتزم بشكل عام بموعد التظاهرة ومكان انطلاقها، لا ناطق رسمي للتظاهرة، فكل من يشترك فيها ينطق بمطلبه ورأيه الذي يعتقده، فلا مصادرة لحق أحد في التعبير، وفي التحدث عن حاجاته إمام اية وسيلة اعلام، شرط التزامه بالوجهة العامة للتظاهرة.
وأضاف: العنوان الأكبر في هذه التظاهرات هو الخدمات، التي غدت مفقودة، خاصة تلك المتعلقة بالحياة والمعيشة والكرامة، هذه الخدمات التي تعد من الحاجات الأساسية للإنسان، ومنها الكهرباء بشكل أساسي، وهنا يبرز مطلب مكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين، كهدف مهم و كبير وواسع، يعبّر عنه بعدد من المطالب، ومن خلال شعارات واهازيج، لها فعل سحري على قلوب المتظاهرين، بالنظر الى ما عانوه من نقص الخدمات وترديها، فيما هم يسمعون بالميزانيات الكبيرة جدا، ولا يحصدون غير الوعود والكلمات الطنانة، لا يحصلون على شيء ولا يتبين لهم سوى ان المليارات تذهب الى حسابات نهّابي الشعب، سراق المال العام، فهذه التظاهرات غير معنية بتغيير النظام السياسي الى رئاسي او غير ذلك، وليست بابا لصراع المتنفذين، او طريقا لتصفية الحسابات في ما بينهم، ولا مجالا لمن يريد العودة الى الحكم بعد ان أتيحت له اكثر من فرصة لحكم العراق، ولم يقدم شيئا.
جاسم أضاف: لا يتوقع المتظاهرون حلولا سحرية، لا يتوقعون ان يحصلوا على الكهرباء فور عودتهم من ساحات التظاهر، يعلمون صعوبة ذلك، ولا يأملون في ردم الهوة بين المتخمين والجائعين، او تضييقها، بين يوم وليلة، ولا يعتقدون بإمكان القضاء على الفساد عبر وعد حكومي، ولا يتوقعون رؤية الفاسدين الكبار واقفين في اقفاص الاتهام امام العدالة، كما لا يصدقون الوعود التي طالما أطلقها المتنفذون بإصلاح الاوضاع، فقد عرفوا المماطلة والتسويف واللعب على الوقت. لذا فجل ما يريده المتظاهرون الآن هو إجراءات حقيقية، واقعية، على طريق الإصلاح والتغيير في اتجاه تحسين الخدمات، كخطوات واقعية نحو إصلاح النظام وتخليصه من المحاصصة والفساد.
يحرص المتظاهرون على اتباع الطرق السلمية في التعبير عن مطالبهم، فنهج اللاعنف مهم وفعال، وهو يعكس الوجه المتحضر للمتظاهرين، ويجعل قاعدة التأييد لهم واسعة، ويشجع الغير على الانضمام اليهم، كما انه يريح القوات الأمنية ويعفيها من اللجوء - من جانبها - الى استخدام العنف، ومن هذا الباب، وتأكيدا للحق الدستوري في التعبير عن الرأي، يترتب على الحكومة توفير المناخ المناسب للتظاهر، وحماية المتظاهرين، وذلك ما يضفي مصداقية على اعلانها انها تتفهم التظاهرات ومطالبها وتتعاطى معها، بعكس ذلك، يكشف اللجوء الى قمع التظاهرات والتضييق عليها واعتقال المتظاهرين، ان الحكومة متضايقة من التظاهر، وقد قطعت الصلة بمطالبها وعزلت نفسها عن اهدافها العادلة واسلوبها السلمي.
وأضاف الحلفي: ساحة التظاهر مفتوحة للجميع، لكل مواطن حق المشاركة في التظاهرة ورفع مطلبه، ولا وصاية على التظاهرات، فهي ليست حفلة حجزت فيها المقاعد سلفا، ولا هي ندوة او ورشة عمل تديرها منظمة مجتمع مدني، ولا هي بيت لا يدخله الضيف الا بعد طرق الباب والاستئذان، هي ساحة عراقية مفتوحة لكل عراقي، مستقلا كان او منتميا لأي تيار سياسي، مدني او ديني، ما دام يحضر تحت عنوان العراق، وليس بأي عنوان اضيق من المواطنة، وما دام يحمل مطالب الناس، ويبدي الاستعداد للتعبير عنها، والدفاع عنها، التظاهرة ليس عقارا نتملكه طابو.
ويرى الحلفي: لا أعرف ماذا يتصور بعض المتنفذين، من الوزراء ونوابهم، وقادة الكتل السياسية، والزعماء الآخرين، وهم يصدرون بيانات تؤيد مطالب المتظاهرين، اكثر من هذا هناك من يزايد على الناشطين في المطالبة بمحاسبة الفاسدين، وهو نفسه يترأس تيارا سياسيا له نوابه ووزراء، وقد شارك في كل الحكومات، الاجدر بهولاء الاعتذار عن اخطائهم وفضائح فساد وزرائهم، والبدء بتغيير الوجوه التي اصبح وجودها، نظرا الى حجم الفساد ومدى الاستهتار الذي عرفت به، استفزازا للمواطنين، ومصدرا للسخط العام.
انه "الفيس"
مع بدء التحولات التي اجتاحت الدول العربية في نهاية عام 2010 فيما بات يعرف بالربيع العربي، والذي لا تزال تفاعلاته مستمرة حتى الآن، كان لشبكات التواصل الاجتماعي دوراً هاماً في الأحداث، لا أحد ينكر دور شبكات التواصل الاجتماعية في "دول الربيع العربي"، فقد شكلت مواقع مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب حلقة وصل بين ما كان يجري في الشارع من أحداث وبين المعلومات التي يتم تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعية، ومن ثم نقلها إلى وسائل الإعلام العربية والعالمية. وذلك في وقت انهمك فيه الإعلام الرسمي في دول مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا في التقليل من شأن غليان الشارع وتبسيط التحركات الشعبية، وتصويرها على أنها لا تمثل نبض الشارع أو أنها غير موجودة على الأرض أصلاً.
ففي مصر يوجد أكثر من 30 مليون مستخدم لشبكة الإنترنت، وأكثر من 12 مليوناً منهم يستخدمون الفيسبوك، أما مستخدمو تويتر فعددهم 800 ألف فقط. ومن هنا يرى البعض أن شبكات التواصل الاجتماعي كانت اختراعاً جيداً بالنسبة للناشطين المصريين. وكان الناشطون المصريون يتناقلون المعلومات عبر التويتر، وأغلبهم من المدونين. لكن ميزة الفيسبوك أنه كان أكثر انتشاراً في العراق ومصر وسوريا وغيرها من الدول العربية.
ادخل على الفيس واقرأ المشهد العراقي
ما أن يسجل أي عراقي اسمه ورقمه السري على صفحة الفيس بوك، حتى يواجه العديد مما يعرف ب "البوستات" العائدة للكثير من المشتركين، وغالبيتها تتناول غليان الشارع العراقي، وتظاهرات العراقيين في مساء كل جمعة ومطالبهم الداعية الى اصلاح القضاء ومحاربة الفساد وتحسين المستوى المعاشي والخدمات وغيرها.
المشاركون، وعبر البوستات يوجهون انتقادات حادة إلى المسؤولين ويؤكدون انهم لن يقدموا على انتخابهم مرة أخرى، وكتب أحد ناشطي "الفايسبوك " محسن عبد اللطيف، ان "الشعب العراقي مسكين، 200 مليار دولار ذهبت دون فائدة ومع هبوط أسعار النفط الحياة ستتدهور بشكل بشع".
وبين ناشط آخر قائلا:"الله يساعدك ويعينك يا شعب العراق، والله ينتقم من كل ظالم.. والله العراقيين ميستاهلون هيج يصير بيهم ضيم وقهر".
مشترك آخر يقول:"الله يلعن كل من يذل هالناس الفقراء ويهلك كل مسؤول فاسد"..
آخر ينشر بوست يقول فيه:" الحكومة الفاشلة حرامية، بس للبوك يعني الفقير يموت بهل الحر وهمة ميدرون بحال الفقير حسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم"!
عراق.. فيس
في الفيسبوك، وجهت رسائل النداء لقوات الجيش والشرطة أن يكونوا حماة للوطن والشعب، وأن يقف الجيش والشرطة كوقفة أخوانهم في تونس ومصر فلسنا في عصر الغوغاء والأسلحة القاتلة بل في عصر القلم والكلمة الناطقة بالحق من أجل الفقراء وأبلغوا الجميع بيوم "ثورة الغضب العراقي" من أجل التغيير والحرية والديمقراطية الصادقة، فالحكومة لم توفر للمواطن أبسط حقوقه في مقدمتها أزمة الكهرباء والغلاء والسكن ومفردات البطاقة التموينية، وهكذا خرج الملايين من العراقيين في بغداد ومختلف المحافظات، بمظاهرات حاشدة مطالبين بالقضاء على الفساد.
وعمّت تظاهرات عشر محافظات عراقية على الأقل، حيث طالب المحتجون بإصلاح القضاء العراقي الذي تفشى فيه الفساد وسمح للمسؤولين بالاستيلاء على أموال الشعب دون محاسبة.
فمع أزمات معيشية خانقة، لجأ العراقيون إلى الشارع للاحتجاج على الفساد والمطالبة بالإصلاح. وللوصول إلى قلب كل عراقي استخدموا سلاح السخرية والفكاهة.
فوزير الكهرباء لم يجد ردا على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي سوى مطالبة العراقيين بالحد من استخدام سخانات المياه، فكان رد المحتجين العراقيين متمثلا في "جنازة" شيعوا فيها سخانا للمياه.
كما حمل محتجون آخرون نعشا رمزيا كتبوا عليه أسماء المدن والمناطق التي انعدمت فيها الكهرباء. وجاب وسط المتظاهرين نعش آخر للبرلمان، للإشارة إلى فقد نسبة كبيرة من العراقيين الثقة في المجلس التشريعي.
الفلكلور والأغاني القديمة كانوا أيضاً حاضرين جنبا إلى جنب في التظاهرات، لكن المحتجين قاموا بتعديل بعض الكلمات لتلائم حال الشارع العراقي حالياً.
محرك رئيسي
لم يكن أكثر خبراء التكنولوجيا العالميين وأساتذة الإعلام الاجتماعي يتوقعون أن بداية عام 2011 ستبرز وسائل إعلام مفتوحة الفضاءات يحررها بلا خبرة الناس العاديون في كل مكان ومن موقع الحدث، وإذا وُضع في الاعتبار ما تسببت فيه هذه الوسائل الإعلامية الاجتماعية الجديدة من أحداث كبيرة ضربت أنظمة ديكتاتورية وهيجت الشعوب ضد الطغاة، فإن أهم ما قامت به أيضا هو عملية ما يعرف بالتشبيك الاجتماعي، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من المشهد العام في العالم العربي، الذي يعاني أصلا وجود ما يقرب من مائة مليون عربي أمي.
وحتى العام قبل الماضي كانت مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها مواقع:"فيس بوك وتويتر ويوتيوب" في اعتقاد كثيرين مجرد مواقع لتكوين صداقات والتواصل بين الأصدقاء إذا تعذر الالتقاء في حال حدوث ظروف ما أو مراسلة الأقارب في بلاد بعيدة.
ومر عام 2010 سريعا ليزيد من حكم التشبيك خاصة في الفضاء العربي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لتخرج الثورات العربية من رحم هذه المواقع الإلكترونية. وذلك بعد أن استخدمها المواطنون العرب من تونس مرورا بمصر وليبيا وصولا إلى سوريا واليمن والعراق من أجل التواصل والتفاعل مع واقعهم، والتعبير عن غضبهم من الأوضاع في بلادهم.
وبين عشية وضحاها، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي المحرك الرئيسي لأحداث ثورات الربيع العربي في هذه الدول، بل إنها غدت بمثابة الزعيم أو القائد لها، حتى إن البعض يحلو له إطلاق لقب "ثورة الفيس بوك" على الثورة المصرية، بعد أن أصبح ما يعرف بشباب الفيس بوك هم وقود تلك الثورات، خاصة في أعقاب تشكل ثقافة "فيس بوكية" من خلال شبكة الإنترنت والتواصل عبر المواقع الاجتماعية مع العالم الخارجي.
وبحسب تقرير لمعهد التنبؤ الاقتصادي لعالم البحر الأبيض المتوسط، فإن عشرات الملايين من الشباب العربي يستخدمون شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وإن الإنترنت كان بمثابة أرضية للمقاومة في خدمة الثورات التي شهدتها بعض الدول العربية أو ما بات يعرف بـ "الربيع العربي". وإن "فيس بوك" مثلا كمحرك للثورات العربية لعب دورا لا يستهان به، حيث سمح بالانتشار الشامل للمعلومة غير المراقبة، مستمدة من مستخدمي الإنترنت أنفسهم.
وأشار التقرير، الذي أعدته مجموعة من الخبراء بعضهم من الجزائر وتونس، إلى أن الإنترنت وتطبيقاته مكّن من خلق نوع من الثقة في المعلومة التي يتناقلها الشباب الذين عادة ما يوصفون بأنهم لا يهتمون بالأشياء العمومية غير آبهين بما يجرى حولهم، مما ساعد على الإطاحة في بضعة أسابيع بنظامين شموليين "تونس ومصر" كانا يعتقد أنهما يسيطران دوما على هذه الأنظمة التكنولوجية.
وأحصى التقرير أكثر من 20 مليون مستخدم عربي لـ "فيس بوك" في نهاية 2010. وكترجمة لما جاء في هذا التقرير؛ فإنه من دون مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن من الممكن أن تخرج للنور قصة الشاب "محمد البوعزيزي" الذي أحرق نفسه في منطقة سيدي بوزيد احتجاجا على عدم توفر فرصة عمل له ومضايقة عناصر الشرطة وإهانتهم له في عمله البسيط كبائع متجول، ونفس الأمر مع مشهد جثة الشاب "خالد سعيد" الذي انتزعه عناصر الأمن المصري من مقهى للإنترنت قبل مقتله في محافظة الإسكندرية.
ولم يحرم العراق من هذا الشرف حيث الرمز العراقي الشاب المظلوم شهيد التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بتحسين الخدمات الشاب منتظر الحلفي الذي ألهب الشارع العراق ب استشهاده فأشعل ثورة مواقع التواصل فاندلعت الاحتجاجات والتظاهرات التي لن تتوقف قبل إصلاح كل ما فسد في جسد الدولة العراقية. وكذلك لعبت المواقع الاجتماعية دور المنسق لتظاهرات 25 كانون الثاني "كانون الثاني" في مصر، ثم حشد الملايين للاعتصام في ميدان التحرير.
ثم كانت المفاجأة، بأن يصدق هذا التوقع، سواء في مصر وقبلها في تونس، وتصبح مواقع التواصل الاجتماعي أو "وسائل الإعلام الجديد" هي أحد أسباب ثورتي "الياسمين" في تونس و"اللوتس" التي تفجرت في مصر، واللتين أسقطتا النظام السياسي الحاكم في البلدين، وبدأتا صفحة جديدة لمستقبل جديد، وها هو الفيسبوك يصبح ساحة اعلامية لتظاهرات الجمع في العاصمة بغداد وبقية المحافظات العراقية، ويتحول الى منبر لتبادل الآراء ووجهات النظر والتحريض والدعوة الى المشاركة، ونشر الصور ومقاطع الفيديو بعد انتهاء كل تظاهرة عارمة مساء كل يوم جمعة.
ورغم حالة التشبيك هذه بين الشباب العربي وواقعهم المرير عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ فإن الحكومات العربية لم تفطن لقيمة هذا السلاح الخطير إلا في مرحلة متأخرة. لكن رغم الحظر الذي كان يواجه به نظام زين العابدين بن علي في تونس وبشار الأسد في سوريا، ونظام حسني مبارك في مصر خلال أيام الثورة عند قطع جميع أنواع الاتصال من إنترنت وشبكات هواتف محمول لحرمان الشعوب من الاتصال بالعالم، فإن الشباب تحدى ذلك وهو ما وضح جليا خلال ثورات تونس ومصر، وما زال مستمرا في سوريا.
فالشباب في الجانبين استخدموا «فيس بوك» و«يوتيوب» عن طريق إرسال مقاطع فيديو حية وصور توثق للأحداث الميدانية بين الشعب وأجهزة الشرطة سواء إطلاق النار أو والقمع البوليسي. كما استعانت المحطات الإخبارية العربية والأجنبية بهذه المقاطع في تغطية الأحداث التي عوضت المراسلين الإخباريين ووكالات الأنباء الذين تم منعهم من تغطية الاحتجاجات.
"جمهورية الفيس بوك"
يرى بعض المختصين انه في أواخر عام 2010 ومطلع 2011 اندلعت موجة عارمة من الثورات والاحتجاجات في مُختلف أنحاء الوطن العربي بدأت بمحمد البوعزيزي والثورة التونسية التي أطلقت وتيرة الشرارة في كثير من الأقطار العربية وعرفت تلك الفترة بربيع الثورات العربية. وكانت من أسباب هذه الاحتجاجات المفاجئة انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ وسوء الأوضاع عموماً في البلاد العربية، حيث انتشرت هذه الاحتجاجات بسرعة كبيرة في أغلب البلدان العربية، وتميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربيّ أصبح شهيراً في كل الدول العربية وهو:"الشعب يريد إسقاط النظام".
ولم تكن ثورات الربيع العربي الا رد فعل للأوضاع المتردية التي عانى منها المواطن العربي خلال قرون من الزمن، فأنظمتها السياسية، تقمع مجتمعاتها، وتختزلها بالحاكم الواحد، وتقيد حرياتها وتكتم أفواهها، وتنبذ الديمقراطية وحق الاتصال والتعبير، وتمنع مشاركتها في صنع القرارات والتعبير، وبطالة قاتلة، وشباب مهمشون وضائعون، وفساد ورشى تستشري في مؤسساتها، وأنظمة تعليمية تقليديّة تجتر معلومات الأمس، وتهمل العصر وتقتل ثقافة الأمة ولغتها، وأنظمة إعلاميّة عربيّة تبحث عن الترفيه، وتسطح الفكر والحياة، وتكون أداة لتخريب ذوق المواطن .
في واقع الأمر، فإن الشباب العربي يعيش في مأزق ما يسمى بالتغيير، وقد لخصه أحد الباحثين العرب بمجموعة من الظواهر السلبية التي تتعلق بالمحيط الاجتماعي، وبمناخ الواقع الذي تسوده جملة من القيم الرديئة والتناقض الثقافي والفوضى الاقتصادية والفقر والفساد الإداري ومظاهر الاستغلال والتسلط والانحراف بكل صوره وأشكاله وأنواعه. إذ يبدو معقولاً أن نقول:إن الشباب يعانون من إرهاب اجتماعي متمثل في الظلم الاجتماعي، وإرهاب عدلي متمثل في ضياع الحقوق وعدم تكافؤ الفرص . وهناك التناقض الصارخ في مكونات وقواعد الدليل الثقافي عبر تربية الأسرة وتوجيهها، وتربية المدرسة وتوجيهها، وتربية وسائل الإعلام وتوجيهها، ما يخلق آثاراً بالغة التناقض على يقين الشباب والتزامه الأخلاقي، فالشباب عندما ينظر حوله تبدو الصورة كئيبة من خلال البطالة والتمزق والفقر، وانعدام أو غياب العدل، فتمتلئ الصدور بالحقد والغضب والرغبة في تدمير كل ما هو قائم . وعند هذه النقطة تكون النفوس جاهزة لمسلسل الغضب والثورة.
وجد الشباب العربي متنفسهم في المدونات فكتبوا، وآخرون وجدوا متنفسهم في الفيديو، واكتشفوا جميعاً أن همهم واحد فكان اللقاء الرقمي في جمهوريتهم الافتراضية الجديدة "جمهورية الفيسبوك" بعيداً عن الاجتماعات الخفية في الغرف السرية، وتوزيع المنشورات في جنح الليل، حيث نجحت ثورات تونس ومصر وليبيا اليمن، وكان هذا التعبير أصدق تلخيص لإسهام الإعلام الجديد في تسونامي الاحتجاجات العربية التي ما زالت تهز العالم العربي حتى الوقت الحاضر، بعد أن أطاحت نظماً سلطوية .
وبفضل الفيسبوك وتويتر ويوتيوب خرجت الاحتجاجات من الحجرات إلى الشوارع، حيث ادرك المواطنون أنهم ليسوا بمفردهم في هذا السخط وأن آخرين يجرؤون على رفع أصواتهم.
وعبر شبكات التواصل تم التغلب على "الجهل التعددي"، وهو مصطلح في علم النفس الاجتماعي يصف حالة مجموعة من الأشخاص في وضع صعب ولا أحد منهم يعرف ما ينبغي أن يفعله ويحاول كل شخص منهم أن يستشف أي تصرف مفيد ممن حوله.
يقول موظف:"بعد ما حققه اخوانا المصريون من نصر في أقل من ثلاثة أسابيع على دكتاتورية دامت أكثر من ثلاثــين عاماً على التوالي، قيدت لهم حريتهم وحرمتهم الكثير من حقوقهم، لكنهم أخيرا حصلوا على ما يرغبون به من تغيير جذري.
وأضاف: الشباب العراقيون, استغلوا الفيسبوك، وبدأوا بتنظيم تظاهرات في جميع انحاء العراق مطالبين باجراء اصلاحات جذرية ومحاربة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، فكفانا وعود كاذبة، لنجعل للفاسدين نهاية ويكون سقوطهم على أيدي تظاهراتنا، ولتكن الانطلاقة من تظاهرات أيام الجُمع في ساحة التحرير ببغــــــداد الحبيبة وبقية المحافظات.