مدارات

بعد صراع سياسي طويل.. النيبال جمهورية مدنية اتحادية

رشيد غويلب
باقرار الدستور الجديد توج النيباليون نضالهم لعقود طويلة من اجل المساواة في الحقوق الأساسية لجميع المجموعات السكانية في البلاد، ضد بقايا العلاقات شبه الإقطاعية التي لا تزال سائدة هناك. وشهدت النيبال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ثلاث انتفاضات شعبية واسعة تسمى هناك بالثورات الديمقراطية، وعاشت في سنوات 1996-2006 حربا اهلية استمرت عشر سنوات خلفت العديد من الضحايا. وباقرار الدستور الجديد، تدخل النيبال مرحلة جديدة من تاريخها السياسي.
واقرت الجمعية التأسيسية، التي هي بمثابة برلمان مؤقت،في منتصف الشهر الحالي، الدستور الجديد، باكثرية 507 صوت مقابل 25 من مجموع الحاضرين، رفضوا مشروع الدستور، بهذا تم تجاوز اكثرية الثلثين الواجب تحققها لإقرار الدستور. وانحصر رفض الدستور الجديد بالكتلة المحافظة المؤيدة للملكية، والتي فشلت في تثبيت الهندوسية كدين للدولة.
ان اقرارعلمانية الدولة رسميا بموجب الدستور يعتبر الخطوة المهمة الثانية بعد الإطاحة بالعائلة المالكة، وتحويل المملكة الوراثية الهندوسية الى جمهورية. وقد بدأ التحول السياسي الكبير بانتصار حركة الأنصار الشيوعية (ماويون)، وبالتعاون مع مع تحالف الأحزاب السبعة، بعد انتهاء الحرب الأهلية خلال الفترة الإنتقالية في سنوات 2006 - 2008 . وعاشت النيبال صراعا سياسيا صعبا بين القوى السياسية، وخصوصا الاحزاب الثلاثة الكبيرة، على طبيعة وشكل النظام السياسي، منذ انتخاب الجمعية التأسيسية، واستمرار تمديد فترة عملها الى عام 2013. وساد الشلل الحياة السياسية، وكادت العملية الدستورية ان تصل الى طريق مسدود.
وفي هذه الأثناء حدث انشقاق في الحزب الشيوعي الماوي، الذي دخل الحياة السياسية كخلف لحركة الأنصار المسلحة. وعملت اكثرية الحزب ذات التوجه المعتدل تحت اسم "الحزب الشيوعي النيبالي المتحد الماوي" بقيادة باشبا كما داهال وبابورام بهاتاري، وقدم الحزب في المرحلة النهائية من مناقشة المواد الدستورية العديد من التنازلات، وكذلك قدم حزب "المؤتمر الاجتماعي الليبرالي" بقيادة رئيس الوزراء سوشيل كوير، و"الحزب الشيوعي النيبالي/ المتحد الماركسي اللينيني" تنازلات مقابلة. ويعود الفضل في الوصول إلى الاتفاق النهائي بين الأحزاب الثلاثة الى المهارات الدبلوماسية التي تمتع بها رئيس الجمعية التأسيسية واحد قادة الحزب الشيوعي النيبالي سوباش شاندرا، والذي شغل الى جانب مهامه السياسية رئاسة جمعية الحقوقيين النيباليين. وأكد العديد من المراقبين أن ما تحقق يمكن اعتباره نجاحا شخصيا لشاندرا.
ولأول مرة تتأسس في النيبال دولة علمانية فيدرالية تتكون من سبع أقاليم، مع ضمان المساواة في الحقوق الأساسية لجميع السكان. واحتوى الدستور الكثير من الأحكام التقدمية، التي تم عكسها بصياغات عمومية. ورغم الاحتفالات الواسعة، فان قيادات الأحزاب الثلاثة يعلمون قبل غيرهم ان عملية بناء دولة معاصرة لا تحسم بإقرار الدستور، وإنما تحتاج سنوات أخرى قادمة.
وقاطع 60 نائبا ،يمثلون أهم المجموعات السكانية القاطنة في منطقة السهول الجنوبية المحاذية للهند، جلسة التصويت على الدستور لأنه لم يلب مطالبتهم بنظام فيدرالي قائم على نظام الكوتا، اي شكل من أشكال دولة المحاصصة، والمعروف ان هذه الأحزاب تعاني صراعا داخليا كان وراء فشل حركة احتجاجهم المضادة لمشروع الدستور. والأحزاب الثلاثة الرئيسة يتوقعون استمرا هذه المعارضة للدستور الجديد. وستقوم لجنة بإدارة الحوار بشأن ترسيم حدود الولايات الفيدرالية، ومن غير المعروف مدى التجاوب الذي ستبدية جبهة المعارضة معها.
النيبال في سطور
أعلنت النيبال جمهورية في 28 أيار عام 2008 بعد 240 عاما من الملكية، فقد التأمت الجمعية الوطنية المنتخبة (البرلمان) والغت الملكية رسمياً وبدأت بإعداد دستور جديد. تحد النيبال التبت من الشمال، و الهند من الشرق والجنوب والغرب وطول البلاد يمتد من الغرب إلى الشرق، وعرضها بين الشمال والجنوب وتبلغ مساحتها 141 الف كيلو متر مربع، وعدد سكانها اكثر من 27 مليون نسمة تقريبا، وفق تقديرات 2011، وعاصمتها كاثماندو. والنيبال بلد متعدد الأقوام والأديان واللغات.