مدارات

في ذكرى رحيل الفنانة زينب "فخرية عبد الكريم"

متابعة – طريق الشعب
مرت يوم أمس الذكرى الــ15 لرحيل فنانة الشعب "زينب"، الإنسانة التي رسمت بصمتها على خشبة المسرح العراقي، من خلال أعمال لامست وجع العراقيين. لم يكن تمثيلها أو تقمصها الشخصية وفق دور مرسوم بشكله الفني الروتيني، بل كان ويكون عفويا يحكي قصة عاشتها بين أوساط الشعب، نساء ورجالا وأطفالا، لتتحدث باسمهم وتطلق في صوتها دعوات لحرية البوح.
والفنانة الراحلة زينب ولدت عام 1931 في الكوت، وسط عائلة كبيرة يعيلها موظف حكومي (مدير زراعة الكوت)، وشهدت طفولتها في المدينة نمو التيارات السياسية الوطنية المعادية للاستعمار، ووجدت انعكاس هذا التيار في البيت، فقد كان احد أشقائها ينتمي إلى حزب الاستقلال ، والآخر كان شيوعيا، ووالدها رجل متدين متسامح.
مالت زينب منذ أن بدأت تعي، بقوة إلى أفكار أخيها الشيوعي، وفي سن مبكرة، في نهاية الأربعينيات أنهت الدراسة الثانوية، ودخلت دار المعلمين العالية في بغداد، وتخرجت عام 1952 تحمل بكالوريوس في الأدب العربي. وبعد التخرج من الجامعة، عينت مدرسة للغة العربية في الكوت ولم تستمر في عملها سوى أشهر بسبب مضايقات المتنفذين في السلطة وقتذاك، لتنتقل بعدها إلى إحدى مدارس العمارة، وبعد أشهر فوجئت بنقلها من العمارة إلى الرمادي، ثم إلى الشطرة، وبعد أيام من انتقالها طردت من العمل مع أخويها لأسباب سياسية.
تزوجت من زميل لها في الدراسة، الذي دعمها وشجعها وساند خطواتها الأولى بمعية أشقائها في السينما، إذ مثلت في فيلم "سعيد افندي" 1967، ثم مثلت في مسرحية "آني امك يا شاكر" مع فرقة المسرح الفني الحديث عام 1958. وقد لاقت المسرحية انبهارا كبيرا، إذ تذكر زينب باعتزاز كيف أن قيادة ثورة 14 تموز قد شاهدت المسرحية وجاءوا ليحيوها خلف الكواليس، وتذكر أيضا أن الشهيد الخالد سلام عادل وحسين أبو العيس وآخرين أشادوا بأدائها في المسرحية.
برزت زينب بسرعة بعد هذا العمل كما لم تبرز أي ممثله من قبلها، إذ أحدثت "آني امك يا شاكر" ضجة إعلامية كبيرة في الصحف والإعلام، حتى أن الناس في الشارع ومعارفها وأصدقاءها اخذوا يلقبونها بـ"أم شاكر"، وأطلق عليها بعد أدائها هذا الدور لقب "فنانة الشعب".
المسرح بالنسبة لزينب كما تذكر في لقاءاتها الصحفية عبارة عن وسيلة للتعبير عن أفكارها ومعتقداتها وانحيازها إلى جانب الشعب. وفي عام 1963 انفصلت في هذه الفترة عن زوجها، وعاشت في بيت شقيقها، في وضع اقتصادي صعب. فمارست مهنة الخياطة بالقطعة في البيت لتعيش، ولم تعد إلى الوظيفة إلا بعد عام 1968.
عادت لفرقتها "فرقة المسرح الفني الحديث" بعد إعادة إجازتها عام 1965، وسافرت إلى الكويت سنة 1966، تزوجت ثانية من الفنان لطيف صالح في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، وغادرا معا العراق في عام 1979 ليعيشا حياة شاقة وصعبة في المنافي بدءا من الكويت وبلغاريا واليمن وسوريا وأخيرا في السويد، و كانت تحاول في أي بلد تحل فيه في الغربة أن تلف حولها الشباب المسرحيين وتشكل منهم فرقة مسرحية. وزينب مثقفة من طراز جيد، كتبت القصة والمقالة ونشرتها في الصحف منذ أوائل الخمسينيات بأسماء مستعارة، مرة باسم "سميرة الفقراء" ومره أخرى باسم "زينب" وكتبت التمثيلية التلفزيونية والإذاعية.
منتصف عام 1981 حملت حقائبها مرة أخرى لتكون دمشق محطتها الجديدة والتي كانت حافلة بإبداعها. إذ عينت في وزارة الثقافة، وأسست فرقة "بابل" المسرحية التي كانت تضم مجموعة كبيرة من الممثلين. كانت أول أعمالها مسرحية "الحصار" من تأليف عادل كاظم، وإخراج لطيف صالح، ثم مسرحية "ثورة الموتى" من إخراج سعد السامرائي. وتوالت الأعمال فقدمت مسرحية "وحشة وقصص أخرى" من إخراج روناك شوقي، وقد عرض هذا العمل في مهرجان دمشق الدولي. كما قدمت مسرحية "قسمة والحلم"من إخراج ســلام الصكر. تركت الشام سنة 1990 متوجهة إلى بلغاريا للالتحاق بزوجها بعد حصوله على بعثة لإكمال دراسة الدكتوراه، ولم تمكث زينب سوى بضعة أشهر هناك.
حملت حقائبها هذه المرة إلى ستوكهولم السويدية، في 22 تموز 1990، وانتقلت إلى مدن أخرى ليستقر بها المقام أخيرا في مدينة يتبوري، وكان أول شيء فكرت فيه الفنانة زينب هو إنشاء فرقة مسرحية.
منتصف عام 1991 شكلت فرقة "سو مر" المسرحية من الهواة واختيرت زينب مديرا فنيا لها، وقدمت الفرقة حينها عددا من المسرحيات.
رحلت زينب يوم 13 آب 1998، حيث خرجت لوداعهــا جمـوع غفيرة من العراقيات والعراقيين على اختلاف أديانهم وميولهم واتجاهاتهم، فضلا عن العشرات من الشخصيات والوجوه السياسية والثقافية والفنية من مختلف أنحاء العالم.