مدارات

من أرشيف الكومنترن تقرير قاسم حسن الى الكومنترن * ترجم التقرير عن الروسية: د. عبد الله حبه

(سري للغاية)
(تقرير الرفيق زهير نعيم)
حول الحزب الشيوعي العراقي
عندما عدتُ من الاتحاد السوفيتي الى العراق في اكتوبر 1936 بعد المشاركة في المؤتمر السابع للكومنترن KU كان قد اعتقل جميع قيادة الحزب الشيوعي، وكان صائيموف ** سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي معتقلا ايضاً، ولم يبق من الجهاز السري سوى شخص واحد – كفاح الشعب *** – وهو رجل قوي شديد العزم جداً وشيوعي جيد، وفي مايو 1935 زينت بغداد كلها بالأعلام الحمراء، وكان عدد افراد الحزب قليلا ولكنهم عملوا الكثير بحيث تولد لدى الحكومة انطباع بان الحزب يضم آلاف الافراد وانهالت الحكومة بالقمع الشديد على عوائل الشيوعيين، ونزعوا العباءات من الزوجات والأخوات للشيوعيين ومارسوا شتى اصناف الأذى الاخرى ضد افراد العوائل.
كانت توجد لدى سكرتير اللجنة المركزية صائموف ورشة خياطة وقامت الشرطة بمهاجمتها وادى التعسف ضد افراد عائلته والاعتداء عليه بالضرب (افقدته الشرطة احدى عينيه) الى اصابته بمرض عصبي.
عندما وصلتُ بغداد اعتقلوني ايضاَ بعد مرور اسبوعين بتهمة كوني اعمل في الحزب الشيوعي السري منذ وقت بعيد، وتم اعداد ملف كبير ضد الشيوعيين، وحكم على اثنين بالسجن لمدة عامين وعلى واحد بالسجن لمدة عام واحد.
ولم يستطع صائموف مواصلة العمل بصفة سكرتير اللجنة المركزية (من نهاية عام 1935 وحتى فبراير 1936).
وأعددتُ المواد على اساس قرارات المؤتمر السابع، حول الجبهة الوطنية ضد الامبريالية وأعطيتها الى (كفاح الشعب) لنشرها سراً.
وبدأ الحزب بالنضال من اجل الجبهة الوطنية الموحدة سويةً مع جماعة حزب الشعب العامل سراً ايضاً، لكن لديه جريدة علنية، وكان هذا الحزب يضم الاشتراكيين المتعاطفين مع الحزب الشيوعي والوطنيين الثوريين وقادة معروفين جيداً للحركة الوطنية في 1920.
في عام 1936 سافرتُ الى سورية وكتبت عدة تقارير في بيروت الى الرفيقين آرتين وفرج الله الحلو – سكرتير المنظمة اللبنانية – للحزب الشيوعي، وفي الوقت نفسه شاركت في حملة الصحافة السورية واللبنانية ضد الحكومة العراقية الرجعية، ومن هناك كتبت عدة تقارير الى الحزب الشيوعي العراقي UKKU، كما ارسلت تقريرا الى UKK لأنه تنفيذاَ لقرار UKKU يجب علينا ان نرسل في كل عام 5 اشخاص للدراسة في موسكو، حيث لم توجد لدينا كوادر مؤهلة من اجل العمل الحزبي القيادي، ولم يتوفر لدينا المال من اجل تقديم المساعدة الى عوائل رفاقنا، ولم اعرف شيوعيا واحداً لديه عمل، ولم تكن لدينا نقود من اجل الصحيفة، وقدّم لي سكرتير تنظيم لبنان كل مساعدة ممكنة حين كنت في لبنان، وفي اغسطس 1936 عدت الى العراق.
وكتبت من بغداد عبر الحزب الشيوعي البريطاني وبالذات برادلي وبالم دات، وكذلك عبر الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي عدة تقارير الى UKKU (العناوين الانكليزية والتشيكوسلوفاكية حصلت عليها في موسكو حين كنت في المؤتمر العاشر للكومنترنKU "الأممية الشيوعية".
في عام 1936 تولى السلطة الشعبيون وأقامت الحكومة نظاماً ديمقراطياً، وحددت ساعات العمل بـ 8 ساعات يومياً، وتدفع الاجور لدى المرض، وأطلقت الحريات المدنية: تنظيم الاحزاب والنقابات واضطر كبار الاقطاعيين لاستقطاع اجزاء من الاراضي الى الفلاحين، وعملنا مع الشعبيين على اساس هذا البرنامج الديمقراطي، وصار الناس يتحدثون ويفكرون بأن الحكومة شيوعية، وأصبح حزب الشعب علنياً لكن الحزب الشيوعي لم يصبح علنياً، وفي ذلك الوقت اختفت الاحزاب الرجعية من الوجود، وطالبنا حكومة الشعبيين منذ الاسبوع الاول بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، ونظمنا عدة مظاهرات في الشوارع وكتبت حوالي 15 لافتة، وأرسلنا صورها الى الحزب الشيوعي السوري.
وفي هذه المرة ارسلني يوسف سلمان سكرتير اللجنة المركزية الى الاتحاد السوفيتي، وكلفت بإبلاغ UKKU بالوضع السياسي والتنظيمي للحزب الشيوعي العراقي، ولم تكن لدينا اية اتصالات مع UKKU، وقد انقطعت في الواقع مع الحزب الشيوعي السوري والفلسطيني، وحرمنا من اية مساعدة نحتاجها على الاخص في الوضع الصعب الناشئ في العراق، ونوقش موضوع سفري الى الاتحاد السوفيتي في اللجنة المركزية قبل شهر من سفري الى هناك.
حول وضع الحزب الشيوعي العراقي
اعيد تنظيم حزبنا في عام 1940 بقيادة الرفيق يوسف سلمان. وكان قد عاد من الاتحاد السوفيتي في فترة 1938 - 1939 ويشغل في الوقت الحاضر منصب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، علاوة على ذلك تضم اللجنة المركزية الرفاق: عبد الله مسعود – سكرتير اللجنة المركزية، سعيد خليل، جورج (مسؤول النقابات)، وادي ماروغي وأنا.
السيرة الذاتية لأعضاء اللجنة المركزية
يوسف سلمان (فريدرك او فريدلخ) احد منظمي الرابطة الحزبية والكمسمولية، من اسرة عمالية حقق بالتعليم الذاتي تأهيلاً سياسيا جيداً. ويعتبر الآن افضل مناضل ومنظم في بلادنا، ذو تأهيل سياسي جيد ومتطور، ويتولى رئاسة تحرير الجريدة السرية (النشرة) التي تصدر شهرياً.
بعد مغادرته الاتحاد السوفيتي لم يستطع دخول البلاد لفترة طويلة، وكان في فرنسا وحاول السفر عبر اليونان، وحتى اراد في وقتٍ ما العودة الى الاتحاد السوفيتي، لكنه استطاع في نهاية المطاف العودة الى العراق، الى البصرة، في عام 1938 وسكن لدى شقيقه، وهو صاحب دكان صغير لبيع المواد الغذائية، وفي البداية لم يشارك في الحركة لأنه كان تحت رقابة الشرطة الصارمة، وكان يرصد حركات له في كل مكان اثنان من عملاء الشرطة، وفي هذه الفترة كان يأتي الى بغداد سراً لليلة واحدة فقط او الى الناصرية للقائي او للقاء الرفاق الآخرين ثم يعود الى محل سكناه، وفي الواقع لم تتوفر لديه الفرصة للعمل في الحزب.
وفي عام 1940 فقط دعوته للمجيء سراً والإقامة في بغداد وعرضت عليه مساعدتي المادية، لأنه كانت لدي وظيفة وراتب شهري، وكذلك في الاختفاء.
فجاء وبدأ بتوحيد الجماعات الحزبية المتفرقة في تنظيم واحد وبتأسيس المنظمات القيادية للحزب، وتولى قيادة الحزب نفسه.
علاوة على ذلك بدأت في هذه اللحظة حركة التحرر الوطني العلنية، مارس الشيوعيون دوراً كبيراً في قيادتها: يوسف سلمان وأنا وآخرون، وكانت لدينا مجلة علنية.
تولى يوسف سلمان خلال وجود حكومة الكيلاني في العراق قيادة العمل الحزبي وكان مسؤولاَ عن جميع العمل السري، وجميع جهاز الحزب السري، ويعتبر يوسف في الوقت الحاضر افضل منظم وأفضل عامل في الحزب، يتمتع بتأهيل ماركسي، وبعد اسقاط حكومة الكيلاني بقي في بغداد لممارسة العمل السري، وإذا لم يعتقل الآن فهيهات ان يتمكن من القيام بأي عمل حزبي، ان ظروف العمل الآن صعبة للغاية، ويعاني يوسف الآن من الصعوبات بعد ان حرم من المساعدة المادية، لديه اصدقاء ورفاق في الحزب يقدمون له المساعدة في العيش، لكن يتعين ايقاف العمل الحزبي في اغلب الظن، حيث لا تتوفر الموارد لتنظيم العمل، والإنفاق على العاملين في الجهاز الحزبي، كما ان الرفاق الذين لديهم عمل لا يستطيعون تقديم مساعدة ملموسة، لان الرواتب في العراق ضئيلة جداً ونادرا ما يستطيع المرء ان يطعم نفسه ناهيك عن اطعام عائلته، فمثلاً ان الشيوعيين عبد الله مسعود ووادي ماراغي يكسبان من 3.5 الى 4.5 جنيه شهرياً، بينما يعادل غلاء المعيشة في بغداد حوالي 6 جنيهات للفرد الواحد.
زهير نعيم (قاسم حسن)، وهو مريد وكذلك ناظم ثمين، اما ما يتعلق الامر بي، كما يقول زهير فأنني شاركت في النضال في الفترة الاخيرة، وتوليت قيادة نضال الانصار في الفلوجة، وبعد اخماد الحركة نفيت الى ايران، وبودي الآن البقاء في الاتحاد السوفيتي كلاجئ سياسي والعمل في مجال الاذاعة والنشر (ربما بصفة مترجم الى اللغة العربية، او الكتابة بالعربية)... الخ.
لكن اذا وجدت الأممية الشيوعية KU ضرورة ارسالي للعمل في البلاد، فأنا مستعد للسفر ولو أنه صدر عليَّ هناك الحكم بالسجن المؤبد بقرار صدر ضد جميع قادة حركة عام 1941 الهاربين الى ايران، لم يصدر قرار بحقه شخصياً.
عبد الله مسعود – حوالي 28 الى 29 عاماَ، في البصرة درس في المدرسة الثانوية، من عائلة فقيرة وحصل على التعليم بجهده الخاص، فكان يدرس ويعمل في آن واحد، قبل انضمامه الى الحزب مارس العمل الثوري في البصرة، يجيد اللغة الانكليزية، داعية جيد وكاتب جيد في المواضيع الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالوضع في العراق، انضم الى الحزب في فترة 1938 - 1939.
وادي ماروغي (ربما المقصود وديع مروگي – ع.ح.) عامل من اعضاء الحزب القدامى، منظم جيد لجماهير العمال، تأهيله متوسط، يعمل في بغداد في ورشة لإصلاح السيارات، يوزع المناشير بشكل جيد.
سعيد خليل من اعضاء الحزب القدامى، قائد عمال السكك الحديدية من عائلة عمالية فقيرة، تأهيله السياسي متوسط، داعية جيد.
جورج فيلسوف وكاتب، ذو تأهيل نظري جيد. يدرّس العمال ويعمل موظفاً في التلغراف، يكتب في المجلات العربية في سورية حول التاريخ والأدب، يقرأ كثيراً حول قضايا النظرية الماركسية.
غياب الاتصالات
ان احد اكبر النواقص في عمل حزبنا هو غياب الاتصال المباشر بين الحزب الشيوعي العراقي واللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية UKKU وجرت عدة محاولات لإقامة اتصال لكنها لم تكلل بالنجاح، فمثلاً حاولنا منذ عام 1936 اقامة اتصال ومن ثم في عام 1937 وحاولنا ان نرسل الى الاتحاد السوفيتي الرفيق وادي ماروغي لهذا الغرض ايضاَ، وأنا حاولت مرارا المجيء الى الاتحاد السوفيتي ولم يتسن لي ذلك الى الآن، وفي عام 1940 ارسلناه (المقصود وادي ماروغي - المحرر) مرة اخرى الى الاتحاد السوفيتي، لكنه عاد من الطريق، اننا ارسلناه عبر سورية لكن الرفاق السوريين قالوا لنا ان الحزب الشيوعي العراقي لا يجب ان يقيم اتصالا مستقلاً مع اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، ويجب ان يفعل ذلك عبر الحزب الشيوعي السوري.
قضايا تنظيمية
تتألف اللجنة المركزية من 6 اشخاص يوجدون في بغداد. توجد منظمات حزبية في المدن: في بغداد والبصرة والناصرية.
ينبغي لكسب العضوية في الحزب الشيوعي العراقي التعاون مع الحزب والمشاركة في عمله خلال فترة ما، من دون ان يكون عضواً في الحزب.
مسألة قبول او عدم قبول الرفيق في عضوية الحزب غيابه ويبلغ بالنتيجة، لا توجد أي بطاقات حزبية، ولا تستحصل اشتراكات من الفقراء، اما الذي يعمل فيدفع نسبة معينة من أجور عمله، حصل الحزب على موارد من نشر دستور الاتحاد السوفيتي، والفصل الرابع من موجز مقرر تاريخ الحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) الصادرين بـ 1500 نسخة.
نبعث كثيراً من الشيوعيين للعمل مع غير الحزبيين ولممارسة الدعاية ضد الامبريالية، يوجد في المنظمة الحزبية كلها حوالي 70 عضواً، علاوة على ذلك يوجد عدد كبير من المناصرين في اوساط المثقفين والموظفين في دوائر الدولة.
في الفترة الاخيرة، وأثناء انقلاب رشيد عالي الكيلاني شارك كثير من المثقفين، وفي اثناء المعارك قتل 500 شخص واعتقل 500 واعدم كثير من الشيوعيين جهارا بدون محاكمة.
بدأ تشكيل الحزب في عام 1934، وفي عام 1935 اصبح كثير العدد وقوياً، ولكن بعد تولي الحكومة الرجعية السلطة في عام 1937 بدأت الانقسامات الشديدة في صفوف الحزب واختتمت بعقد بلينوم (اجتماع موسع - المحرر) تقرر فيه فصل يوسف متي وزكي خيري من الحزب (راجع مادة خاصة عنهما)، وبقي الحزب خلال عدة سنوات يتألف من جماعات وكتل متفرقة، ثم بدأت عملية التوحيد في منظمة واحدة ضمت جميع الشيوعيين في العراق، لكن لم تدخل جميع المنظمات في الحزب حتى الوقت الحاضر.
المنظمات الجماهيرية في العراق
في الوقت الحاضر لا توجد اي منظمات جماهيرية فقد اغلقت جميعها. وتوجد فقط منظمات دينية تؤيد الامبريالية البريطانية. وتضم هذه المنظمات فقط الفئات القيادية من رجال الدين. وهذه المنظمات تشبه نوادي رجال الدين التي تضم 25 - 30 شخصاً.
يوجد حزب واحد نصف فاشي يتزعمه صائب شوكت، ويضم الحزب 200 عضو جلهم من الموظفين والمعلمين الخ فقط، والشيوعيون لا يعملون في هذه المنظمة، والانضمام اليها صعب جداً، ويتطلب توصية من 3 اشخاص وتدرس لدى الانضمام بدقة مسألة مكان الولادة والوالدين وهلم جرا.
حزب الشعب – حزب ثوري، غير علني في الوقت الحاضر، ويضم 15000 عضو يتمتع الشيوعيون بنفوذ فيه وتوجد لدى بعض الشيوعيين صلات مع قادة وأعضاء حزب الشعب، تعقد مؤتمرات (كونفرنسات) صغيرة لمناقشة بعض القضايا.
ان القسم الاساسي من الاعضاء هم من ممثلي البرجوازية الصغيرة في المدن، وأحد قادة الحزب هو جعفر جلبي ابو التمن القريب جداً منا، ويشاطر الشيوعيين آراءهم ولا ينضم الى الحزب لاعتبارات شخصية.
* من وثائق الكومنترن
** صائموف اسم حركي وليس صريحا/ المحرر
*** كفاح الشعب – نفس الملاحظة اعلاه/ المحرر
(سجل من حديث زهير – كوزلوف)
28 / ديسمبر 1941
تنويه: تتوجه هيئة تحرير مجلة (الثقافة الجديدة) بالشكر الجزيل للدكتور عبد الله حبة على مبادرته بترجمة عدة نصوص من سجلات الكومنترن تخص الحزب الشيوعي العراقي، نضع هذه المادة (ضمن عدة وثائق) بين ايدي المؤرخين والباحثين وطلبة الدراسات العليا والمهتمين بالحزب ليطلعوا عليها مباشرة ومن دون وساطة أو من خلال ترجمات منحازة وذات طابع ايديولوجي، هدفها بالأساس تزييف الحقيقية وليس انتاج معرفة علمية عنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة "الثقافة الجديدة"
العدد 378 - 379
تشرين الثاني 2015