مدارات

المناخ الاستثماري وغياب عناصره الضرورية / رياض عبيد سعودي

تتفاوت أمكانات الدول في توفير عناصر المناخ الاستثماري وتبعاً لذلك تتفاوت قدراتها على جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية واستمرار الحفاظ على تلك الاستثمارات. وفي العراق ما زالت أغلب عناصر البيئة الاستثمارية خارج أمكانية توفيرها من قبل الدولة بل يجري وتعطيل المتوفر منها في أحيان كثيرة بسبب نقص الثقافة الاستثمارية عند الكثير من العاملين في اجهزة الدولة، ومنهم الكثير من القيادات والسياسيين الذين يعتبرون الاستثمار ترفاً أقتصادياً في ظل توفر الموارد المالية للدولة.
من جهة أخرى فأن هؤلاء المتنفذين في السلطة يشككون في المستثمر مهما كانت صدقيته، وأنه جاء لسرقة موارد الدولة أو على الأقل للاستفادة من مزايا الاستثمار لصالحه مثلا. وهذا خطأ كبير سيظل العراق يدفع ضريبته في تعطيل الاستثمار وتراجع حركته وأنحرافها عن مساندة استراتيجيات التنمية لفترة طويلة. وما دام هذا هو الواقع الذي يعيشه الاستثمار في العراق فلا يمكن للحكومة ان تنجح في أجراءاتها التشجيعية للاستثمار، رغم جهودها في هذا المجال. لأنها لم ولن تستطيع توفير عناصر المناخ الذي تقتضيه النجاحات المؤمل تحقيقها على هذا الصعيد.
ان معظم الأقتصاديين وذوي الخبرة في المجال الاستثماري يرون ان عناصر المناخ الاستثماري في العراق غير متكاملة الوجود رغم الجهود الحثيثة للهيئة الوطنية للاستثمار وهيآت الاستثمار في المحافظات. ولعل ذلك يعود الى أن معظم تلك العناصر يدخل ضمن صلاحيات الحكومة المركزية.وسنحاول هنا وبتركيز شديد مناقشة واقع المناخ الاستثماري وتحديد مواقع الخلل فيه بشكل واضح:
1- التشريعات:
يخطىء من يعتقد ان قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2009 وتعديلاته يكفي بحد ذاته لتوفير الغطاء القانوني لعملية الاستثمار. حيث لا زالت هناك تشريعات نافذة تعود الى ما قبل صدور هذا القانون مثل قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 581 و 1687 المتعلقين بتخصيص الاراضي واللذين يتقاطعان تماماً مع قانون الاستثمار. كذلك تعليمات تحديد بدلات الايجار للاراضي المخصصة للمشاريع الاستثمارية، حيث اصبحت هذه المشكلة تواجه الان المستثمر، بسبب المبالغة في تقدير الايجارات؛ مما يستدعي تشريع قانون خاص ينظم هذه العملية ويمنع الاجتهادات غير الصحيحة التي تعتمدها لجان التقدير، وهناك ايضاً قانون الاستثمار الصناعي النافذ الذي بموجبه تتصرف المؤسسة المعنية وتصر على سحب الارض من صاحب المشروع، اذا ما أبدى رغبته في تمويل مشروع وفق قانون الاستثمار الجديد للاستفادة من المزايا التي يتيحها في تجديد طاقاته الانتاجية او توسيع القائم منها والى غير ذلك.
المهم ان هناك في اطار التشريع الكثير من التقاطعات مع التشريعات النافذة التي تشكل في اطارها العام وسائل حفظ سلبية على عملية الاستثمار، وتقتضي المعالجة الدقيقة لوضع التشريع الملائم للنهوض بالقطاع الاستثماري.
2- البنى التحتية:
لا بد أبتداء من القول ان وجود بنى تحتية من كهرباء وماء ومجار وطرق وسكن، هو من أهم العناصر التي تدعم المشروع الاستثماري ولا حاجة الى تأكيد اهميته في تسهيل قيام المشروع وتحسين اقتصادياته عند الانتاج. أن فقدان هذه العناصر أو أحدها يكلف المشروع اعباء اضافية ذات مردود سلبي على استمرارية المشروع ونجاحه في تحقيق الجدوى الاقتصادية المخطط لها. وهنا لا بد من التأكيد على ان معظم خدمات البنى التحتية في العراق ان لم نقل انها غير موجودة كما ينبغي ان تكون، فأنها تعاني من نقص شديد او ان هناك حاجة الى اعادة تأهيلها. ولنتذكر دول الخليج انفقت في عام 2012 بحدود 129 مليار دولار على مشاريع البنى التحتية لتجديدها أو اضافة مشاريع أخرى او توسيعها.
3- المصارف:
رغم وجود أربعة مصارف حكومية واكثر من 40 مصرفاً أهلياً، إلا ان هذه المصارف لم تستطع ان توفر قدرات جيدة لتمويل المشاريع الاستثمارية او المساهمة فيها او تقديم الدعم المالي لها. وهي حتى لا تتمتع بثقة المؤسسات المالية الدولية التي تسعى الى ادخال رؤوس اموالها الى العراق، بسبب تعرض بعضها الى مشاكل أدارية ومالية مثل مصرفي الوركاء والبصرة.
4- سوق الاوراق المالية:
مع ان سوق العراق للاوراق المالية مؤسسة حضارية أستطاعت ان تقف في مصاف الأسواق المالية العربية والاسيوية على الاقل، إلا أنها لا زالت تستقطب نصف الشركات المؤهلة للدخول الى السوق. فهي ادرجت في السوق بحدود 82 شركة صناعية وتجارية مساهمة، إلا انها تحتاج الى أدراج ضعف هذا العدد من الشركات التي لا تجد نفسها مضطرة الى دخول السوق بسبب تعقيدات الادراج، تضاف الى ذلك الحاجة الى أعتماد نظام الحافظ الامين الذي يؤمن للمستثمر العربي والاجنبي الشفافية اللازمة لاستثماراته في سوق رأس المال العراقي.
5- الأمن الوطني:
وهذا من أهم العوامل التي تدفع المستثمر لنقل استثماراته الى العراق في حالة تحقق أمن جدير بالثقة. لان المستثمر يكون حذراً من وضع استثماراته في أجواء أمنية قلقة، وما دام العراق يعاني من هذه المشكلة بقوة فأنه سيظل بعيداً عن استقطاب الاستثمارات الوطنية والاجنبية، رغم كل ما تقدمه الدولة من تطمينات في هذا المجال. ان معظم عناصر البيئة الاستثمارية او المناخ الاستثماري التي تمت مناقشتها بأختصار شديد، تعمل في الواقع على تعطيل عملية الاستثمار الوطني. وتشير المعلومات الى ان استثمارات العراقيين في الاردن وحده بلغت سنة 2012 اكثر من 3 مليارات دولار، وأنها أكبر بكثير في الامارات.
ورغم كل التطمينات الحكومية فان الشركات لا زالت بعيدة عن الاستجابة بسبب تعقيدات الاجازة الاستثمارية، وتشتت قرار منح الاجازة بين اكثر من ودائرة، وكل منها يعمل في عراق غير العراق الذي تعمل به الدوائر الأخرى، الى جانب سطوة السياسيين التي لا تنتهي عند حد.