مدارات

مترو بغداد بين القول والفعل / ابراهيم المشهداني

في الاقتصاد، أي اقتصاد، هناك عمليتا إنتاج، الأولى عملية انتاج البضائع والسلع التي تدخل في الاستعمال والتبادل، بمعنى آخر الاستهلاك المباشر وغير المباشر، والثانية عملية انتاج الخدمات وهذه الخدمات بعضها يستهلك مباشرة كالخدمات المسرحية والغناء والموسيقى وغيرها والبعض الآخر يستهلك بصورة غير مباشرة كخدمات النقل مثلا وهذا المثال هو الذي سيدخلنا في صلب العنوان الذي اخترناه .
مترو بغداد قصة لها بداية ولكن نهايتها لم ترتق بعد الى درجة اليقين. فقد بدأ هذا المشروع نظريا في عام 1981 وربما بدأت الفكرة قبل ذلك ليس لان هناك أزمة نقل قاتلة كما نراها اليوم ولكن من باب محاكاة الدول المتقدمة التي سبقتنا حينها بعشرات السنين، مترو موسكو مثلا تم انجازه في عام 1935 وهو من السعة والطاقة الاستيعابية ما قيل انه سيتحول الى ملجأ لأهالي موسكو في حال وقوع حرب ذرية بين الدولتين الكبريين في فترة الحرب الباردة. نعود الى مترو بغداد فقد أحيلت مرحلة الدراسات والتصميم الى إحدى الشركات الفرنسية غير ان هذا الملف قد طواه النظام ووضعه على الرفوف العالية لانشغاله في حرب استهلكت كل القدرات المالية التي يملكها العراق وقتذاك مضافا اليها ديون بعضها حقيقي وبعضها وهمي، كما أكلت الحرب الزرع والضرع.
بيد ان أمانة بغداد بعد عام 2003 وتحديدا في عام 2007 بدأت تفكر في إحياء هذا المشروع وإخراجه من قمقمه فأمين بغداد صابر العيساوي كان أعلن ان هذه السنة ستكون سنة المباشرة بتنفيذ المشروع ولا ندري لعلها نزوة أراد السيد الأمين ان يلفت اليها الانتباه وإظهار جدية لم يسبقه إليها احد من أمناء العاصمة ثم عاد في عام 2008 ليعلن عن خطط لإنشاء المترو بكلفة 1،5مليار دولار. لكن الحظ العاثر لهذا المشروع قاد أصحاب القرار مرة أخرى الى إعادة خزنه في أحد أدراج السيد الأمين، وبعد ست سنوات من التصريحات المتكررة داخل الأمانة. تعود أمانة بغداد في نيسان من عام 2013، لتعلن أن شركة سيستر الفرنسية قد باشرت بتطوير التصاميم القديمة لمشروع مترو بغداد وان هذه التصاميم ستنجز هذا العام من اجل البدء بالتنفيذ وستكون الكلفة التخمينية لهذا المشروع 7،5 مليار دولار، وهكذا تقفز الكلفة خلال ست سنوات بمقدار 6مليارات دولار وإذا صحت هذه التقديرات وهو رقم ليس بوسعنا تصديقه أو تكذيبه بسبب تعدد الأرقام لكننا إذا نظرنا الى المشروع من ناحيته الاقتصادية بإمكاننا الربت على أكتاف القائمين على هذا المشروع عندما يضعونه موضع التنفيذ بدون لف أو دوران فان بغداد ولو بعد حين ستكون واحدة من العواصم العالمية التي يشار اليها بالبنان حيث ان فترة الانجاز النهائي ستستغرق خمس سنوات لم تكتحل عيون الآلاف برؤيته لكن ملايين الناس ستتذوق عسله.
وعلى الرغم من حالة اليأس التي يشعر بها المسؤولون في أمانة بغداد نتيجة عدم الجدية التي يتوقعونها عندما يطرحونها على بساط البحث والمناقشة في مجلس الوزارة الذي سيدفع بمبررات التأجيل معلقا ذلك على شماعة الوضع الأمني أو يضعون أولويات أخرى يعتقدون انها أهم من مشروع يستنزف هذه التكاليف ويستغرق هذه المدة الطويلة. غير ان المنظور الاقتصادي في مناقشة موضوعية سيتفوق على الروح التشاؤمية التي تهيمن على البعض من أصحاب القرار ذلك ان مشروع مترو بغداد سيتخطى كافة المعرقلات لأنه سيحل دفعة واحدة قائمة من المشاكل. فإذا أضيف إليه مشروع القطار المعلق الذي طرحه محافظ بغداد التميمي هذه الأيام ولا ندري ان كان مدروسا ام استهلالا لفترة حكمه، فان أزمة النقل في العاصمة بغداد ستكون شيئا من التاريخ وستكون بغداد قبلة للسائحين، وفي فترة وجيزة سيستعيد تكاليفه في حال فرض أجور منطقية لا تثقل كاهل مستخدمي المترو كما مطبق في كافة العواصم بل يمكن القول ان الإيرادات التي تأتي من هذا المشروع ستكون واحدة من مصادر تمويل الموازنات السنوية المهمة التي لا ينبغي أن تقتصر على الموارد البترولية. دون ان ننتقص والحال هذا من الدور الذي تلعبه طرق النقل الأخرى الداخلية والخارجية على اختلافها وهي على العموم مشاريع يكمل بعضها بعضا. وتسهم إسهاما كبيرا في دعم الاقتصاد الوطني، وإستراتيجية التنمية المستدامة المؤجلة!