مدارات

الصراع في سوريا يؤدي إلى تصعيد المضاربات : الأزمة المالية تمتد إلى البلدان الصاعدة / إعداد: رشيد غويلب

تزايد حدة المخاوف من التصعيد في الصراع داخل وحول سوريا ادى الى تعزيز الاضطرابات في اسواق العملة العالمية. واسعار النفط ترتفع هي الاخرى بشكل حاد، اذ ارتفع سعر برميل نفط مناطق بحر الشمال بمقدار 2.75 دولار.
ومنذ الاصلاح النقدي عام 2005 في تركيا، وصلت قيمة الليرة الى ادنى مستوياتها في الاسبوع الفائت، وبلغ سعر اليورو ثلاث ليرات في اسواق العملة العالمية. وفي بلدان صاعدة اخرى، كالبرازيل والهند، تعاني العملة الوطنية ضغوطات هائلة. ويضع اقتصاديون مسؤولية ما يحدث على عاتق بنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي (البنك المركزي). فيما يرى آخرون ان هذا غير كاف لتفسير ما يحدث.
ويمتد تأثير الصراع السوري لتجاوز جارتها تركيا الى الهند، اندونيسيا، ماليزيا، وتايلند، حيث تنخفض قيمة العملة الوطنية في هذه البلدان باضطراد. وشهد شهر آب انخفاضا غير مسبوق لقيمة الروبية الهندية مقابل الدولار. وفي البرازيل تستعر الاسعار في البورصات، لتفقد العملة الوطنية في البرازيل، وبما يشبه الصدمة، 20 في المئة من قيمتها مقابل الدولار، وتصبح بذلك العملة الأضعف في العالم خلال العام الحالي.
وتفجرت الاضطرابات في اسواق العملة، بعد ان اعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي، منذ منتصف ايار الفائت، امكانية انهاء سياسة ضخ الدولار الرخيص، التي اعتمدها رئيسه بن برينانكي لمواجه الازمة المالية منذ عام 2007. ويتوقع ان يعمد برينانكي الى اغلاق حنفية الذهب في ايلول المقبل. وأدى مجرد تغيير طفيف في اسعار العملات الى اضطرابات كبيرة، والى انعدام ثقة واسع "للاسواق" بالبلدان الصاعدة.
لقد مولت البرازيل الهند، اندونيسيا، وتركيا، لفترة طويلة، نموها الاقتصادي بواسطة رأس المال القادم من الخارج، بعد ان قامت البنوك، المضاربين، والشركات في البلدان الصناعية المتقدمة، منذ عام 2007، باستثمار الاموال التي حصلت عليها من البنك المركزي، مقابل فوائد لا تذكر، في اسيا، أمريكا اللاتينية، وجنوب افريقيا، حيث قدمت هذه البلدان معدلات فوائد مرتفعة، ادت الى ارتفاع اسعار العملة. واليوم تتدفق الاموال بالاتجاه المعاكس، حيث يقوم المستثمرون بسحب المليارات يوميا من هذه البلدان.
ويعد هذا التطور خطيراً بالنسبة لشعوب الهند، البرازيل، وجنوب افريقيا؛ فتردي قيمة العملة يؤدي الى ارتفاع اسعار الطاقة والمكائن المستوردة، والمستثمرون المحليون يعانون فقدان راس المال الاجنبي، وهذا يفرض على الشركات والدولة رفع سعر الفائدة على القروض.
ولا تلعب هنا الظروف العالمية، وخصوصا الازمة في بعض البلدان الصناعية دورها فقط، بل ان "العامل الاكثر تأثيرا هو السياسات الاقتصادية المتبعة داخل هذه البلدان"، وحسب تحليل المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، فان النمو المتحقق لا يغطي حاجة السكان من الخبز والأجور.
وأقر البرلمان الهندي في الاسبوع الاخير من الشهر الثامن برنامج تغذية يشمل 820 مليون مواطن يمثلون ثلثي السكان. وفي العديد من البلدان الصاعدة تتجاوز تكاليف معيشة النخبة الاقتصادية قيمة وارداتها. ويبلغ العجز في الحساب الجاري في اندونيسيا مثلا 4.4 في المئة من الناتج الاجمالي المحلي. وعلى الرغم من النمو الاقتصادي المتسارع، فان البلد يستورد أكثر مما يصدر.
ومن جانب آخر يعتمد الازدهار الاقتصادي في الصين على التصدير الى البلدان الغربية. ويحاول اكبر البلدان المصدرة في العالم تحويل قوّته الاقتصادية الى الطلب الداخلي. فالنمو الاقتصادي احادي الجانب (زراعة + المواد الخام) يبقى أمرا محفوفا بالمخاطر؛ فبعض شركات الائتمان خفضت تصنيف البرازيل من الدرجة (أ) الى الدرجة الاخيرة (ج)، مما يعني "مخاطر مالية مرتفعة". وتبدو لوحة التوقعات رمادية بسبب بؤر التوتر الاجتماعي المشتعلة، فقر في النظام التعليمي، ونقض في الموانئ، والشبكة الكهربائية، كلها عوامل تهدد استمرار التنمية.
ويحذر الاقتصادي اليساري مشتلد شروتن من "انخفاض ديناميكية الاقتصاد عموما" في البلدان الصاعدة. وفي تركيا عمد البنك المركزي الى رفع سعر الفائدة الى 7.75 في المئة للحد من هرب الأموال الى الخارج. في حين يطالب البنك المركزي الاوربي بسعر فائدة 0.5 في المئة.
وتبلغ الفوائد المترتبة على السندات الحكومية التركية 10.5 في المئة، اي ضعف ما تدفعه بلدان الأزمة في منطقة اليورو لخدمة سنداتها.