مدارات

12 عاما على أحداث 11 سبتمبر 2001 وتداعياتها(4- 7) / د. صالح ياسر

مأزق استراتيجية الاحتلال في العراق ومحاولات الخروج منه

     كان المأزق الذي واجهته استراتيجية الاحتلال متعدد الابعاد لا يتسع المجال للوقوف عندها هنا (24)، بل سيتم التركيز هنا على ثلاثة مستويات تحتاج الى توقف هنا وهي:

 أولا: على المستوى السياسي- تقرير بيكر – هاملتون

قراءة هادئة في نص ساخن  

     بعد انتظار ليس بالقليل، صدر تقرير لجنة بيكر – هاملتون (25)وهي اللجنة التي أُسست بقانون من الكونغرس الأمريكي في آذار/مارس 2005، حيث كان الجدل محتدما حول الوجود الأمريكي في العراق وخصوصا مع تصاعد الانتقادات لممارسات قوات الاحتلال. ومن هنا حدّد المشرعون الأمريكيون للجنة هدفا واضحا يتمثل في "إعطاء تقييم متبصر للحالة الراهنة والمستقبلية في العراق، بما في ذلك تقديم الاقتراحات والمشورة بخصوص الموضوع".

   وحظي هذا التقرير باهتمام إعلامي كبير في العاصمة الأمريكية، واشنطن، وفي معظم عواصم منطقة الشرق الأوسط والعواصم الدولية، بالرغم من التسريبات العديدة التي كشفت قسماً من مضمونه وتوصياته قبل أن يصدر.

    وتكمن أهمية التقرير، بالإضافة الى الملاحظات أعلاه، في إقراره بخطورة الوضع في العراق وتعقيده، وبأنه لا توجد حلول ناجزة بل محاولات. فالتحديات بالعراق كما يشير التقرير " على درجة عالية من التعقيد "، ومن هنا يستنتج التقرير بأنه " لا توجد عصا سحرية لحل جميع المشاكل العالقة في العراق. ولكن هناك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحسين الوضع هناك وحماية المصالح الأمريكية" .

 المنطلقات والفرضيات الكبرى للتقرير

     ويؤكد النظرة أعلاه ما جاء في التقرير (ص 15) من إشارات واضحة حول جملة من القضايا من بينها:

-        " يعتبر العراق من الأهمية بمكان لأمن المنطقة والعالم، وكذلك بالنسبة للمصالح الأمريكية "؛

-        كما انه " يحظى بثاني اكبر احتياطي بترولي في العالم

-        ثم انه " قاعدة للإرهاب الدولي فيها تنظيم القاعدة

-        كما أن العراق يمثل " جزءاً مهما في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما يؤثر على صورة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم ".

 

السيناريوهات المطروحة لحل الأزمة

     ومما يؤكد الاستنتاج أعلاه هو طبيعة الخيارات الأربعة التي طرحها صائغوا التقرير للخروج من الأزمة في حينه (راجع ص 37 – 39) والتي تتمثل في:

-        الانسحاب التدريجي.

-        الاستمرار في البقاء.

-        إرسال المزيد من القوات. وقد اعتبر التقرير أن هذا الإجراء لن يخفض العنف في العراق إذ انه سيزداد حالما تترك القوات المنطقة. وبالمقابل وحسب وجهة نظر صائغي هذا التقرير فان إجراءاً كهذا من شأنه إضعاف قدرات الولايات المتحدة في مناطق أخرى كأفغانستان مثلا.

-        تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم: وهذا اخطر الخيارات المطروحة، وهو في الحقيقة سيناريو رعب لما يحمله من تداعيات ليس فقط محلية الطابع بل وإقليمية. ورغم أن صائغي التقرير لا ينصحون، على الاقل ظاهريا، بدعم مثل هذا التوجه كخيار سياسي أو فرض هذه النتيجة على الدولة العراقية، غير انهم لا ينفون اعتماده من طرف الولايات المتحدة في حال ما حتمت الظروف الارتكان إليه كوسيلة لضبط الأوضاع, بما يخفف من النتائج الإنسانية واحتواء العنف، والتقليل من الآثار الإقليمية. ومن هنا خطورة هذا الخيار وطابعه المرعب.

     لقد حاول التقرير وضع الجميع في سلة واحدة (الأمريكان والعراقيين)، من حيث تحمل مسؤولية ما آل الوضع إليه. وهذه المقاربة خاطئة في جوهرها لأنه ليس من الصحيح المساواة بين المحتل وبين الشعب العراقي وقواه السياسية التي شاركت في تدشين العملية السياسية وسعت لتحمل مسؤولياتها تجاه الوضع الجديد، بغض النظر عما ارتكبته القوى المهيمنة منها من أخطاء، ولكن مفاتيح تسيير هذه العملية بقيت خاضعة للطرف الذي هندس خيار الحرب واحتل البلاد، والذي شرع المجتمع الدولي احتلاله بموجب قرار مجلس الأمن 1483.

 

التوجهات الكبرى للخروج من المأزق– الحلول والتوصيات

 طرح تقرير بيكر - هاملتون نوعين من التوجهات:

·       التوجه الخارجيوالمتمثل ببناء إجماع أو توافق دولي، يقوم على أربعة عناصر كبرى:

1.    أسلوب " الهجوم الدبلوماسي الجديد. وبحسب التقرير (ص 9) فان تحقيق ذلك يستلزم من الولايات المتحدة " إن تتبنى خطا دبلوماسيا جديدا لبناء توافق دولي بشأن استقرار العراق والمنطقة، على أن يتضمن هذا النهج والهجوم الدبلوماسي كل الدول التي لها مصلحة في تجنب الفوضى في العراق بما فيها دول الجوار ".

2.    الدعوة الى قيام " المجموعة الدولية لدعم العراق". بحسب صائغي التقرير، فان " الهجوم الدبلوماسي الجديد " لا يمكن أن يحقق النجاح المنشود " الا إذا تضمن مشاركة فعالة من هذه الدول التي من مصلحتها المباشرة حماية العراق من الوقوع في حالة الفوضى " (ص 50).   ومن اجل تشجيع مشاركة هذه الدول يدعو التقرير الى وجوب أن تعمل الولايات المتحدة فورا على تشكيل " المجموعة الدولية لدعم العراق "، " كوسيلة من وسائل الهجوم الدبلوماسي الجديد " (التوصية 4)، والتي يتعين أن تشمل كل الدول التي تشترك حدودها مع العراق بما فيها سوريا وإيران ودول أساسية أخرى في المنطقة بما فيها مصر ودول الخليج، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوربي. كما يمكن إضافة دول أخرى مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية (التوصية 5).

3.    التعامل مع سوريا وإيران: يؤكد التقرير على انه يتوجب على مجموعة الدعم الدولية " إن تعمل بنشاط للتعامل مع سوريا وإيران من خلال حوارها الدبلوماسي بدون أي شروط مسبقة " (ص 54). وتؤكد التوصية رقم (9) أن التعامل مع هاتين الدولتين يستلزم استخدام سياسة " العصى والجزرة "، أي التهديد بفرض عقوبات يقابله استخدام الحوافز للحصول على نتائج بناءة. وبحسب التقرير فإن من بين تلك الحوافز التي تستطيع الولايات المتحدة تقديمها للدولتين المذكورتين  لدفعهما الى اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق استقرار العراق ما يلي:

-        مساعدةالدولتين في الدخول في المنظمات الدولية بما فيها منظمة التجارة العالمية.

-        فرص تقويةعلاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة.

-        إمكانية تغييراستراتيجية الولايات المتحدة تجاه البلدين من الدعوة الى تغيير النظام فيهما الى التركيز على تحقيق اصلاحات اقتصادية وسياسية.

-        توفير الفرصلإمكانية تحقيق سلام حقيقي بين سوريا وإسرائيل من خلال المفاوضات بينهما, وبمشاركة أمريكية " كجزء من مبادرة لسلام عربي – إسرائيلي ".

 4.    الإطار الإقليمي الأوسع. الفكرة المنطلقية هنا هي أن الولايات المتحدة لن تستطيع تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط ما لم تنظر الى مشكلات المنطقة في إطار ارتباطها الوثيق وتأثيرها المتبادل. ولهذا تؤكد التوصية رقم (13) على انه " يجب أن يكون هناك التزام متجدد ومستمر من قبل الولايات المتحدة لتحقيق سلام عربي – إسرائيلي شامل على كل الجبهات: لبنان وسوريا، والتزام الرئيس بوش عام 2002 لحل إقامة الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية ".

 

ب . التوجه الداخليويقوم على فكرة محورية قوامها "مساعدة العراقيين لأنفسهم"، حسبما يذكر التقرير، والذي يعتبر أن السؤال الأهم هنا حول مستقبل العراق هو مدى تحمل العراقيين.

 ثانيا: على المستوى الاستراتيجي: الدرس الكيسنجري والحاجة الى تقليب جميع جوانبه الظامرة والمكشوفة

        في عددها الصادر اليوم، السبت 25/11/2006، نشرت جريدة " الشرق الأوسط " اللندنية - وعلى صفحة الرأي - مقالا لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر).

     تتيح القراءة السريعة لهذا المقال الهام بلورة جملة من القضايا التالية التي تحتاج الى تدرس بإمعان وتستخلص منها الدروس لرؤية ما هو "جوهري" في كل هذه "الخلطة الاستراتيجية"، لأن هذا المقال تضمن في الواقع رسائل ذات طابع استراتيجي وليس تكتيكي، خصوصا وان كيسنجر أحد الآباء الروحيين للاستراتيجية التي اعتمدها الجمهوريون، وهو أيضا ومنذ عدة عقود أحد الصناع "المهرة" للاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة. ابرز ما أثاره المقال/الدرس الاستراتيجي هو التالي:

1.    الاستراتيجيات الكبرى لا تخضع لتبدلات ميزان القوى الانتخابي في الولايات المتحدة بل هي مسؤولية الحزبين الكبيرين. يقول كيسنجر هنا " .... أننا بحاجة إلى مقاربة ثنائية يشارك فيها الحزبان ..... إذ أنه ليس هناك من خيار آخر بغض النظر عمن فاز بالانتخابات".

2.    الإقرار بوجود أخطاءوقع بها الأمريكان في العراق ولكن ليس هي المهمة المطلوب التركيز عليها " ... بدون شك، فقد وقعت أخطاء كبيرة، لكن ذلك لا يساعدنا الآن كي نركز عليها "  بل إن ما يجب أن يحتل الأولوية هو تجنب " ظهور نظام شبيه بنظام طالبان في جزء من العراق أو بروز نظام أصولي جهادي، حتى لو لم يكن على نمط نظام طالبان أو على نمط النظام الإيراني " . الأولوية إذن ما زالت للعدو الأول للولايات المتحدة/الإرهاب وقواه، لمنع ظهور نظام أصولي من الجانبين. لكن ألا تفتح هذه الملاحظة الشهية لإثارة سؤال: هل يقبل السيد كيسنجر ببدائل أخرى مثلا عودة بعض قوى النظام السابق ضمن صفقة سياسية واسعة؟

3.    الإقرار بعدم نجاح الولايات المتحدة في مهمتها في العراقوالدعوة الى تدويل أوسع للقضية العراقية حيث يشير كيسنجر هنا الى انهم " بحاجة إلى أن نضع العراق ضمن السياق الدولي "، وليس السياق الإقليمي. وفي هذا الصدد يؤكد على عدم الاكتفاء " بدعوة إيران وسورية بل حتى دعوة بلدان أخرى مثل الهند وباكستان وبالطبع روسيا. وهذا بحد ذاته يخلق إطار عمل لتدويل القضية إلى حد ما ". هذا مع العلم أن كيسنجر  يقر بأن " هذه الطريقة لن تحل المشكلة بحد ذاتها لكنها ستساعد على تحديدها ".

4.    حسم السجال بشأن الثنائية المعروفة الاستقرار/الديمقراطية. هنا يتساءل كيسنجر: " هل وصلنا الى النقطة التي علينا ان نختار للعراق امرا من اثنين: الديمقراطية أو الاستقرار ؟ ". في معرض بحثه عن اجابة لهذا السؤال الملتبس يقول كيسنجر بأن هذه اللحظة قد حانت وذلك بأولوية الديمقراطية على حساب الاستقرار " فامريكا لا تستطيع أن تذهب إلى منطقة ما لتقول إن كل ما نريده هو الاستقرار ". وعلى عكس ما تردد في اثناء التحضير للانتخابات بانها تعزيز للشرعية يرى كيسنجر ان من " الخطأ التفكير بأنك تستطيع أن تكسب الشرعية من خلال عملية الانتخابات ".

5.    وبالمقابل يرى كيسنجر ان إجراء الانتخابات في العراق بتلك السرعة التي جرت فيها لم يكن في صالح عملية بناء النظام الديمقراطي المنشود بل كانت بمثابة " حرق مراحل هذه العملية " الأمر الذي " أدى إلى تشويه أهدافنا وتحويلها إلى ما نراه الآن ". 

6.    وارتباطا بالملاحظة أعلاه فان الانتخابات التي جرت في العراق بغض النظر عن الأمنيات الطيبة بشأنها والنتائج التي ترتبت عليها كانت بمثابة " عنصر تعميق للنزاع الطائفي ". ولهذا فانه " من غير العدل أن نطلب من الحكومة التي ظهرت نتيجة لعملية كهذه أن تتصرف كحكومة وطنية". الاستنتاج بسيط: الحكومة الحالية هي حكومة طائفية !!. 

7.    الإقرار" إن فرصة إيجاد طرف سياسي في العراق قادر على تحقيق الاستقرار أصبحت متأخرة الآن "، ولهذا فالمطلوب البحث عن بدائل أخرى. واستنادا الى هذا يستنتج أن من المحتمل ظهور نظام كونفدرالي حيث كتب قائلا : " أظن أن نظاما كونفدراليا بصلاحيات محدودة جدا هو الذي سينتج في الأخير. ....... . النظام المرجح ظهوره في العراق هو كونفدرالية لوحدات تتمتع باستقلال ذاتي كبير ". هذه أطروحة خطيرة للغاية ولكن السؤال هو هل كانت مجرد تجريدة نظرية أم "رسالة تحفيزية" لصناع القرار والممارسين لتحويلها الى واقع في محاولة لتجاوز مأزق الاستراتيجية الأمريكية في العراق؟. ويبدو انه كان على العراقيين توقع " أفكارا جديدة " من قبل صناع السياسة والاستراتيجيين الأمريكان المولعون بكل شيء " جديد ". ومشروع بايدن الذي طرح في حينه لم يكن " تخريفا " صادرا عن احد شيوخ السياسة هناك بل يدخل في هذا السياق. ولهذا فالحاجة ملحة الى قراءة هذا الدرس الاستراتيجي وتقليبه جيدا من جميع جوانبه الظامرة والمكشوفة.

  

ثالثا: على المستوى العسكري: من "الصدمة والترويع" الى " دليل مكافحة التمرد"

عقيدة باتريوس " افعى الاناكوندا"

     أدت الصعوبات والخسائر الكبيرة المادية والبشرية التي واجهتها القوات الامريكية في كل من افغانستان والعراق الى انتعاش النقاش وسط صناع الاستراتيجية في الولايات المتحدة وتصاعدت الدعوات لاجراء تغييرات في هذه الاستراتيجية (26). قابل ذلك عقبات غير قليلة ناجمة عن واقعة ان العقيدة العسكرية الأميركية ترتكز على جملة من الثوابت وتدعمها قوة نارية وتفوق تكنولوجي هائلين واستخدامها لخيارات متنوعة: "الحرب الخاطفة" و"النظيفة" و"حرب الصفر خسائر"..الخ.

    وقد تنبّه بعض الاستراتيجيين من أمثال الجنرال الامريكي (دافيد بتريوس) وخبير ومستشار الحكومة الأميركية والكندية في مكافحة التمرد، الأسترالي (دافيد كيلكولان David Kilcullen)، والمهتمّ أساسا بانثروبولوجيا الإسلام الأصولي وحركات التمرّد أو المقاومة، لضرورة العمل على سد الثغرة القاتلة بالعقيدة العسكرية الأميركية، خصوصا بعد الفشل المروّع بالعراق وأفغانستان. فكان التحوّل من عقيدة الصدمة والترويع، Shock and Awe، إلى عقيدة بتريوس، التي عُرفت بالـ COIN، أو COunterINsurgency Field Manuel، عقيدة مكافحة التمرّد.

    فأمام التغيرات الجذرية التي لا حظها (بتريوس) سواء على مستوى الحرب ومسرحها أو تلك التي حدثت مع نهاية "الحرب الباردة" وتنامي الحروب غير المتوازية و"الإرهاب" المعولم، واستخلاصا لدروس الفشل والتورّط الأميركي بالعراق وأفغانستان، فكّر هذا الجنرال في إعادة النظر في العقيدة العسكرية الأميركية مستندا او مرتكزا على ما ورد بكتاب صدر سنة 1964 لصاحبه (دافيد غالولا،David Galula، (1919-1968ومستعينا بالخبير دافيد كيلكولان. لم يتأثّر بتريوس اذن كغيره من صفوة استراتيجيي المؤسسة العسكرية الأميركية بالاستراتيجيين الكبار، بل بمفكّر عسكري فرنسي (دافيد غالولا)، ظلّ مغمورا حتى 2006 حين صدر مخطوط بتريوس: دليل مكافحة التمرّد (الصادر في 15 ديسمبر 2006 والذي يقع في 220 صفحة و 8 فصول)، أو ما بات يُعرف بعقيدته (27).

 

استراتيجية الأفعى«الأناكوندا Anaconda»

    يعرّف بتريوس عقيدته بأنّها استراتيجيا أفعى «الأناكوندا Anaconda» (افعى الأناكوندا ثعبان كبير الحجم يصل طوله الى 12متر في الوضع الطبيعي وهناك بعض الطفرات قد تصل الى 17متر وتقتل الاناكوندا فرائسها بقوة العصر لا بالسم)،
 التي تعمل على خنق حركة التمرّد وذلك باعتماد مقاربة شاملة تجفّف مصادرها وتقطع خطوط دعمها اللوجستي وتصفّي قادتها وتعزل العناصر المتشدّدة من المتمرّدين عمّن يمكن تأليف قلوبهم واستيعابهم. موضحا: "أن الأفكار الكبرى حول العيش بين السكان وكسب قلوبهم وعقولهم فرضت نفسها وأدت إلى اعتماد مناهج تدريب جديدة". وتحت اسم: دليل مكافحة التمرّد، صدرت هذه الوثيقة حيث تناولت بالتحليل التوصيات الواجب اتباعها ونماذج الاشتباكات والخطوط العريضة لقيادة العمليات والتطبيقات العاجلة لإنجاحها. وكان قد جمع لها "فريقا من المتمرّدين على التقاليد، يشمل مجموعة من الضبّاط المستعدّين للتفكير خارج الإطار التقليدي". وتحتوي استراتيجيته على 3 عناصر:

- هجومية

- ودفاعية

- وأخرى تثبيتية.

     تتوقّف العناصر الثلاثة اعلاه على مدى كسب ودّ الأهالي ومشاركتهم، حتى أنّه أوصى بوضع ملصق لضبّاطه كُتب عليه: "ماذا فعلت اليوم لكسب قلوب العراقيين؟" ثم على الواقع والساحة والإمكانات والمهمة.

    في تقيمه لاستراتيجية بتريوس، خلص توماس ريكس، صاحب كتاب المقامرة: الجنرال بتريوس والمغامرة العسكرية الأميركية في العراق: 2006-2008، (28) "أن تجربة العراق أسوأ من فيتنام لسببين: أولا، فيتنام كانت على هامش المصــالح الأميركية، في حين أن العراق يقع في قـلب منطقة مهمة جدا بالنسبة للاقتصاد العالمي. وثانيا، لأن الحرب في العراق لم تنته بعد، بل على العكس سوف تستمر لفترة طويلة". كذلك أفغــانستان لن تكون العراق، لخصوصيات معطيات الواقع العراقي، التاريخي والطوبوغرافي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والجيوبولتيكي... فلا الجغرافيا متشابهة ولا التركيبة السكانية ولا المذهبية متقاربة.