مدارات

ما زلنا ننتظر البديل ! / محمد عبد الرحمن

شكت فئات عديدة ، افرادا وجماعات ، وما زالت ، مما تعلن من تهميش واقصاء ، يقابلهما مسعى متواصل للاحتكار والانفراد وحصر المسؤوليات بالوان محددة لا غيرها ، رغم غنى وتنوع مجتمعنا العراقي .
في السابق وقبل التغيير كان الامر نابعا من طبيعة السلطة آنذاك. فالموالاة لها وحدها ، وما يترك من هامش يكاد لا يذكر. يتذكر هذا جيدا من كانوا يعملون في مؤسسات الدولة المختلفة ، حيث المعيار لم يكن الا الولاء للنظام ، ومدى التفاني في خدمته. ويكون الغضب والاهمال والابعاد نصيب غيره ، ان لم يغيب في سجون الدكتاتور او يصبح من سكنة المقابر الجماعية .
ولو لم يكن الحال كذلك ، بل واسوأ ، لما تطلع العراقيون الى التغيير وانتظروه سنين عجافا ، آملين ان بروا بعده بديلا مختلفا وواقعا مغايرا. وان تبعث الحياة من جديد في اوصال عراق دفع الى الوراء عشرات السنين ، خصوصا وان الكثيرين من حكامه الجدد عاشوا المعاناة.
لسنا هنا بصدد المقارنة الكلية ، فهذا غير ممكن ولا جائز في تقديرنا ، والا سوف يلازمنا خطأ التقدير والانعزال ، او نجد انفسنا مع القادمين من كهوف تورا بورا ، ومع المرسلين الينا بعد غسل ادمغتهم بفتاوي التكفير والقتل والدولار النفطي .
مؤكد اننا لسنا بصدد هذا ، لكن في عراق ما بعد 2003 الكثير من النواقص والثغرات والمشاكل والممارسات السابقة لهذا التاريخ ، والتي واصلت امتدادها الاخطبوطي. ولا مبالغة في القول، ان بعض المظاهر قد تضخم حتى غدا آفة لا تقل خطرا عن الارهاب. وذلك هو الفساد بمفهومه الواسع ، وليس فقط بما يعلن ويراد حصره بالرشى والاموال التي تهدر او تسرق بشكل "قانوني" و"نظامي" ، والكل من المتنفذين على دراية وعلم .
فالفساد اوسع واشمل بكثير من هدر المال العام . وفي جانب من هذا الفساد الواسع المنتشر، هناك هدر امكانية الاستفادة من الكفاءات الوطنية في مواقع الدولة المختلفة ، مرة عبر المحاصصة ، واخرى لها صلة بما يطلق عليه " التوازن" ، وثالثة وهي الاهم الآن تتصل بالمصالح والدوافع الانتخابية ، وبالسعي لزرع المريدين في مؤسسات الدولة بغض النظر عن امكانياتهم وكفاءاتهم ، بدل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. فالمهم هو ان يكون المزروع من الموالين .بل ان المتنفذين على استعداد لابتداع عناوين وظيفية جديدة بغية استيعاب هؤلاء . وهو ما حذرت منه المرجعية امس الاول الجمعة حين دعت الى عدم استحداث وظائف جديدة غير مبررة .
ان ما نشهده اليوم من فوضى عارمة في كل شيء ، لا يمت بأي صلة من قريب ولا من بعيد ، باي توجه لبناء دولة مؤسسات وقانون ، دولة ديمقراطية حقة ، رغم القول بذلك والسعي لخداع النفس والاخرين . فالممارسة والواقع هما البرهان ، وهما يحفلان بمؤشرات مغايرة .
مرة اخرى لسنا بصدد المقارنة الشاملة بين فترتين. لكن المواطن سيواصل من طرفه المقارنة ، حتى يرى ويتحسس ويعيش اجواء وحياة اخرى ، مختلفة تماما ، وفي ظل البديل الذي ضحى وعانى من اجله. البديل الذي يتسع قولا وفعلا لكل العراقيين ، بتعددهم وتنوعهم.