مدارات

أيام مفعمة بالحب والأمل ...( 4 ) / فيصل الفؤادي

بناء مقرات الأنصار
بعد وصول الرفاق (الأنصار) من الخارج او من الداخل، يأخذون إستراحة لعدة أيام، يكتبون خلالها رسالة تعريف بوضعهم الحزبي وإمكانياتهم وإختصاصاتهم، يتم بعدها توزيعهم على ضوء حاجة هذا القاطع او ذلك، مثلا وجود حاجة الى رفاق لديهم خبرة في الإتصالات او الصحافة او من هم خريجي الإعلام او لديهم معرفة في هذه الاختصاصات، أو وجود نقص في الخبرة والأمور العسكرية في هذا الفصيل أو ذاك ,كما تلبى أحيانا رغبة الرفيق في العمل في قاطع او فوج معين.
ويعد بناء المقرات من أساسيات حياة الأنصار، حيث يجب أن تبنى هذه المقرات في اماكن تكون بعيدة عن عيون النظام ومحصّنة من خلال مواقعها بين الوديان وبين الجبال الشاهقة بقدر الإمكان وتتوفر فيها مياه (ينابيع) كافية إضافة الى كثافة الأشجار من العفص و الجوز والبلوط، وأن تكون مساحته المسطحة مناسبة للبناء.
ويعتمد بناء المقرات على الحجر والصخور الموجودة في الموقع وعلى وجود أشجار كافية. وعند إختيار المكان يبدأ الأنصار بوضع الإساس من خلال جمع هذه الصخور او تكسيرها بواسطة مطرقة خاصة. وتشكل مجاميع خاصة للقيام بهذا العمل. ثم يتم نقل الحجر ونقل الأغصان أو ما تسمى بـ (الجلو) ثم نقل التراب وتكسير الحطب ونقل الجذوع..الخ . ويتم تسقيف القاعات والغرف بالإغصان والجذوع الطويلة نسبيا (ثلاثة الى اربعة امتار او اكثر) ويوضع فوقها التراب او الطين ثم التراب وتسوى من قبل الأنصار بواسطة حادلة يدوية تسمى (الباكردان) وهي عبارة عن بكرة تسحب بواسطة (حبل ) من الطرفين. اما الأرضية فبعد ان تعدل بواسطة الألات الموجودة (القزمة والكرك والفأس والهيم والجاكوك و...الخ )، يبنى الإساس من أكبر الصخور او الحجر، وتوضع بين صفوف الحجر مادة الطين مخلوطة بالتبن إن وجد لكي يتماسك بشكل اكثر. كما ان بناء الجدار يكون بعلو أكثر من مترين، وتوضع بعض الشبابيك او (الروازين) فيه. وتبنى القاعات عادة في الربيع او الصيف، لسرعة جفافها، لكنها تبنى في الشتاء عند الضرورة. والبناء في الشتاء يتطلب جهودا كبيرة .وكانت هناك معاناة حقيقية في البناء خاصة وان النسبة الكبيرة من الأنصار لا تعرف كيفية البناء خاصة في ظروف الطبيعة القاسية.
(خشـوف.....
على السـفوح
فــوق القنـن
وفـــي الوديـان، الســهول
انتشـــروا
كمـــا اللقــاح،
الـــى المياســم انتثــروا
جعلــوا السـماء
لحـافا
والصخـــور فــراشا) [1
تفرش القاعات بواسطة سجاجيد بسيطة عادية، يتم شراؤها من المناطق الحدودية، وأحيانا توقد المدفأة فيها بواسطة قطع الخشب من أجل أن تجف الجدران قبل السكن فيها، ثم تبقى لدرء الرطوبة والبرد عن الأنصار. أما فوق السجاجيد فتفرش عند النوم بطانية، تطوى أربع طيات، ينام عليها النصير ويلتحف بأخرى مشابهة لها. ولكل نصير وسادته التي يرتبها من ملابسه وذخيرته، ويعتمد مدى فائدتها على مهارة النصير في ترتيبها.
عانى الأنصار بشكل عام من قساوة البرد في أشهر الشتاء، فالمدفأة التي كانت توضع في مدخل القاعة التي تسع لأكثر من 30 نصيراً، لم تكن لتدفيء المساحة كلها، خاصة لمن كان ينام بعيداً عنها. وكان نوم الأنصار عميقا بسبب تعب العمل في النهار. وغالباً ما كان نومهم في صفين متقابلين حيث في الوسط توجد الأعمدة الخاصة التي تحمل السقف، خاصة إذا ما كانت القاعة كبيرة نسبيا، يكون النوم بعد تعب كبير يصاحبه شخير يسمع صوته من بعيد
وكانت تستخدم عند سقوط الثلوج كاسحة خاصة هي عبارة عن خشبة طولها متر ونصف وذات نهاية شبه حادة تمرر على السقوف او يزال بها الثلج من امام القاعات.
في نفس الوقت تبنى المطابخ وفيها رفوف بسيطة لوضع القدور والأواني، ويكون الرف على شكل مستطيل (دكه) مكشوف، من جانب لوضع الاواني والمواعين واستلام الحصة من الاكل والجانب الاخر مبني بعلو جدار الغرفة .
اما الحمام فكان يبنى بشكل مربع، بمساحة متر ونصف في مترين تقريبا، ويغطى بالأشجار والبطانيات والأغصان. ثم تطور بناؤه فصار يبنى من الحجر ويوضع فيه قدر كبير على موقد يغذى بالخشب من الخارج ومن فتحة خاصة. هذا الحمام هو شتوي حيث تحتاجه المفارز عندما تأتي الى المقرات لعقد اجتماعات مع قيادة القاطع او لحل بعض من مشاكلها أو لإجراء تغيرات عسكرية وتنظيمية، فيغتسل فيه الأنصار. اما الحمام الصيفي فهو للأستحمام في الأنهر او السواقي. وكانت هذه الحمامات الصيفية متعة كبيرة للأنصار حيث يغسل النصير ملابسه في الساقية، ويدعها تجف في الشمس، ثم يغتسل هو طويلاً ويرتدي ملابسه النظيفة منتشياً بالشمس..
ويتم بناء غرفة صغيرة كمخزن او مستودع لحفظ المواد (الأرزاق)، حيث توضع أخشاب على الأرض مباشرة خوفا من تسرب الرطوبة الى المواد. ويتم شراء الفوانيس والنفط الأبيض، الذي يتم توزيعه يوميا على الفصائل، وبمقدار يتناسب مع مدة الإضاءة المطلوبة في كل فصيل. وبمرور الزمن تم تجهيز الكهرباء للمقرات بعد شراء المولدات والأسلاك الكهربائية والمصابيح وغير ذلك..
وبّني مشجب السلاح بعد توفر السلاح وبعد أن صار الكفاح المسلح الإسلوب الرئيسي للنضال، اي بعد عام 1981، حيث أصبح هناك سلاح لكل نصير مثل رشاش كلاشنكوف او سلاح ار بي جي 7 او بي 2 مع مسدس او سلاح متوسط دكتريوف او عفاروف او بي كي سي. وبُني في قواطع ومقرات الحزب المختلفة وبعض الأفواج مشجب خاص أو أكثر على ضوء ما توفر من سلاح، إضافة الى المعدات والتجهيزات العسكرية والعتاد المتنوع والأسلحة الثقيلة الاخرى من صواريخ ستريلا او مضادات الجو الاخرى .
كانت رحلة الكفاح المسلح والعمل الأنصاري رحلة شاقة، حيث تحمل اولئك الرفاق والرفيقات ظروفا غاية في الصعوبة، حاملين تاريخ ومبادئ الحزب في قلوبهم وعقولهم، كي يبقى حزبهم شامخا وتبقى رايته خفاقة.
ناضل الأنصار الشيوعيون بهمة عالية من اجل تحقيق اهدافهم، وقد استشهد الكثير منهم مرفوعي الرأس وببطولة نادرة امام جبروت وسلاح النظام الدكتاتوري في بغداد.
بدأ الأنصار الشيوعيون بتنظيم انفسهم في أوقات العمل والإستراحة والخفارات والحراسات وغيرها. في الأكل، كان الأنصار يتوزعون في مجاميع، تضم كل منها ثلاثة رفاق ليأكلوا من صحن واحد. وفي المساء كانوا يجتمعون في ساعة قراءة صامتة إجبارية. وأثناء تناولهم الفطور، كانوا يستمعون لنشرة أخبارية، أنيطت مهمة إعدادها بعدد من الرفاق المهتمين والاعلامين، اللذين كانوا يسهرون في الليل فيعّدوها لتقرأ في الصباح مع بيانات الحزب السياسية ومواقفه و بلاغات العمليات العسكرية المختلفة.
وعاش الأنصار وسط غابات من الحشرات، إضافة الى ان بعضهم قد غزاه القمل مما حملهم على حرق بعض الملابس الداخلية، وتحمل عذابات العيش بدونها خاصة والنصير لا يملك من الملابس الداخلية غير واحدة يلبسها وأخرى احتياط، إضافة الى جواريب عادية او شتوية.
تعلم النصير خشونة الحياة، ابتداءً من الصبر والتحمل والجوع حيث المسير في الجبل او في السهول لساعات طوال بدون ان يرتوي من الماء لعدم وجود ينابيع كافية في الكثير من مناطق العمليات، إضافة الى صعوبة التأقلم مع تفاصيل هذه الحياة وبناء علاقة جديدة مع الطبيعة وكيفية الإستفادة مما يتوفر فيها. في المقرات، تعلم النهوض الصباحي في الفجر وإرتداء الملابس العسكرية، والإستعداد لأي أمر أو حدث، خاصة غارات الطيران وهجمات الجيش والمرتزقة ـ الجحوش.
توفير الأرزاق كان من خلال الإدارة المركزية، اما طهي الطعام وتحضير الخبز في الفصائل، فكان يتم على ضوء جداول يعدها المسؤلون في تلك الفصائل. كان الوقود مقتصرا على الحطب التي يتم تحضيره من الأغصان اليابسة وقطع الأشجار المتواجدة في غابات كثيفة في المناطق الجبلية والوديان والسفوح، وبعيدا عن المقرات لتبقى الأشجار غطاءً للأنصار من الطيران. وإستفاد الأنصار من بعض النباتات الطبيعية ومنها الريواز والكعوب والبابنج والحميض (نبات بري أوراقه تشبه أوراق الخس ولكنها ذات طعم حامض). وكانت هذه النباتات تؤكل طازجة مع الخبز أو تطهى مع المعجون والزيت لتصبح وجبة شهية!
وقد ولع بعض الأنصار بالطبيعة، حيث كانوا يستمتعون بقطف بعض الحشائش وبعضهم لقب على ضوء اهتماماته هذه، كحجي بابنك الذي كان يقطف هذا النبات وينقعه بالماء ثم يستخدمه لتطبيب الأنصار من أوجاع البطن. البعض من الأنصار المختصين بالجيولوجيا والأثار كانوا يقفون طويلاً عند الأحجار ويدخلون الكهوف الموحشة ويراقبون حياة الطيور وأنواعها والسلاحف والأفاعي والفئران وغيرها. وكان طير القبج من اهم الطيور الذي اهتم به الأنصار، وبعضهم كان يصطاده ليكون وجبة دسمة ولذيذة.
نظمت الإدارة بشكل جيد، حيث يكون الإداري مسؤول على المواد الغذائية والتموينية، إضافة الى مسؤوليته عن الملابس والأحذية والرواتب وكل الأمور التي يتعامل فيها الأنصار بحياتهم اليومية.
في التنظيم العسكري، وزع الرفاق على الحضائر بمعدل 8 ـ 10 نصير في كل منها، وإنتظمت كل ثلاث حضائر في فصيل وكل ثلاثة فصائل في سرية. وتم إختيار قادة هذه التشكيلات من الأنصار القدماء او ممن كان عسكرياً في الجيش العراقي او من عكس امكانية جيدة في ادارة العمل العسكري من خلال عمله وقدرته وخبرته التي اكتسبها من الاخرين.
وأقام الحزب عدة دورات عسكرية للأنصار خاصة للتدريب على السلاح المتوسط والدوشكا والمدافع المتوسطة وغيرها من الأسلحة، إضافة الى دورات الألغام والتعرف على المتفجرات وكانت الدورات نظرية وعملية. تم تدريب الأنصار و النصيرات الذين لم تسنح لهم الفرصة على الكلاشنكوف، وصاروا يعرفون مصطلحات عسكرية جديدة كغطاء البدن و الترباس ونابض الإرجاع ورأس المدق وبيت الإطلاقة والإبرة واللقاف والزناد وانبوب الغاز والمرود وعتلة الامان والسدادة والشعيرة وواقية الشعيرة وقبضة المسدس والاخمص والشاجور الذي هو مفصول عن الجسم. وكان هناك أيضا تك لانك (مظلي) وبندقية اخمصها من الخشب وفيه خمسة مسامير (بنج بسمار) وكانت مفضلة لدى البيشمركة القدماء. كما جرى التأكيد بإستمرار على التنظيف الدائم للأسلحة بالزيت والاهتمام بالسلاح والجدية في الإستفادة من المعلومات العامة عن حرب العصابات وغيرها
في الجانب السياسي، تم تنسيب الأنصار الى الهيئات الحزبية حسب صفاتهم التي جاءت في تراحيلهم الحزبية أو على ضوء ما يذكره الرفيق في رسالة يعرف بها نفسه على أن يزكي هذا الأمر عدد من الرفاق الأخرين. وقد تم تبني هذا الإسلوب بسبب وجود الكثير من الرفاق الذين اضطروا لترك العراق بدون تراحيل بسبب الهجمة على الحزب.
وقد تم ربط العمل الحزبي بالجانب العسكري، من خلال الصفة الحزبية، فعادة ما يكون عضو اللجنة المحلية مستشارا سياسياً للسرية، وعضو لجنة القضاء مستشارا سياسيا للفصيل وعضو اللجنة القاعدية مستشارا سياسياً للحضيرة. ولم يؤخذ عند إختيار الاداري بالمستوى الحزبي، أما الآمر العسكري فكان عليه أن يجمع بين الصفة الحزبية والخبرة العسكرية..
على هذا الامر تم تكوين التشكيلات العسكرية والحزبية في جميع القواطع. وقد كانت هناك من ثلاثة الى اربعة افواج في كل قاطع ومن 3 الى 4 سرايا في كل فوج. وتم التأكيد على عقد الموسعات العسكرية لمناقشة الخطط السابقة والخطط اللاحقة وإجراء اي تغيرات عسكرية تلائم العمل الأنصاري وترفع من شأنه. وكان التحاق عدد من الأنصار القدماء المشاركين في حرب الأنصار بين عامي 1963 و 1970 إضافة الى بعض الرفاق الضباط، عاملا مساعدا في تطوير الامكانيات الأنصارية والعمل العسكري، وشحذ الهمم بين الأنصار، وكان من أبرز هؤلاء الرفاق توما توماس واحمد الجبوري ونعمان علوان سهيل التميمي وخضر كاكيلي وابو يعقوب وأبو سرباز وخضر روسي ورسول صوفي وقادر رشيد ونجم الدين مامو وحمه سعيد وغيرهم.
وسعي التنظيم المدني الى مد جسوره مع الأصدقاء والمؤازرين من ابناء المنطقة والنواحي والمدن الرئيسية في كردستان. وكان دوره متميزاً في الانتفاضات في المدن الكردستانية برغم الصعوبات الجمة، وسيطرة أعوان النظام والجحوش وضعف التنسيق احيانا مع مكاتب العمل العسكري والسياسي.
اما الجانب التنظيمي، فقد سعت قيادة الحزب و قيادات القواطع الى ايجاد وترسيخ العمل التنظيمي الجاد وفق النظام الداخلي للحزب وآلياته ومن خلال دعم الرفاق النشيطين المتميزين في تأدية وتنفيذ المهمات وتحقيق التوجهات وفق قرارات الحزب ومنظماته، وذلك لدعم الحركة الأنصارية على اسس مبدئية ووفق توجهات الحزب في دعم الكفاح المسلح والحركة الأنصارية، إضافة الى العمل على تعزيز الوحدة الفكرية والسياسية والوحدة الكفاحية الأنصارية على اساس الحرص وتطوير الجوانب والمبادرات من قبل الأنصار. كما جرى تمتين الإلتزام والضبط الحزبي لتنفيذ الواجبات التي على عاتق أعضاء الحزب وكوادره. وأقام الحزب دورات حزبية خاصة للرفاق اعضاء الحزب، حيث تخرجت الدورة الاولى من المدرسة الحزبية المركزية في بداية ايلول 1980 وسميت دورة الرفيق فهد في الأراضي المحررة، وتم فيها دراسة بعض الموضوعات الماركسية – اللينينية والفلسفة وتاريخ الحركة الشيوعية والاقتصاد ...الخ.
ودرست الخلايا واللجان الحزبية في إجتماعاتها الدورية الوضع السياسي بصورة عامة من خلال تقارير اللجنة المركزية ومكتبها السياسي واجتماعاتهما، إضافة الى مناقشة الوضع العسكري والتنظيمي والقضايا التثقيفية المختلفة وتجارب الكفاح المسلح والأنصار في العالم وقضايا التاريخ وأمور تثقيفية أخرى. لقد كانت تلك الإجتماعات مدرسة لتعليم الرفاق وتطوير معارفهم وخبراتهم
ومن خلال توجيهات الحزب، عملت الرسائل الداخلية والنشريات ومناضل الحزب على تفعيل صيغة مبدعة في تنفيذ القرارات ووضع توصيات قادة الحزب وكوادره موضع التطبيق الخلاق، وتحسين وعي وإدراك العضو الحزبي وضبطه واخلاصه، كي يتصرف بأخلاقية عالية وان يكون ذو تأثير سياسي وحزبي بين رفاقه وجماهير المنطقة التي يعمل فيها، وبالتالي عليه ان يحمل صفات الشيوعي المثابر والطليعي والمبادر اي أن يحمل كل تلك السجايا التي اوصي بها الحزب ومؤسسيه وقادته منذ ولادته
وأكد الحزب على مجموعة من القرارات التي تؤكد على التفاعل مع الحياة الجديدة في النهوض الجماهيري، وتحويل حركة الأنصار الى حركة جماهيرية غير مقتصرة على الشيوعيين فقط وتوفير مستلزمات الارتقاء بالعمل الأنصاري تنظيميا وسياسيا وعسكريا
ولابد لنا ان نشير الى سعي الحزب لتقوية تنظيماته في الداخل او في الحركة الأنصارية ، ولكن وبمرور الايام تحول الصراع الخفي بين المسؤول العسكري والمسؤول السياسي الى صراع ظاهري أساء لبعض من مفاصل العمل الأنصاري
(وبرزت في وقت مبكر من العمل التناقضات بين المسئولين العسكريين والمستشارين السياسيين في الوحدات الأنصارية وكذلك بين العاملين في المجال الأنصاري والناشطين في مجال التنظيم المدني، ونجم عن هذه التناقضات التقليل من اهمية العمل التنظيمي المدني والخلل في الموازنة والتنسيق بين العملين الأنصاري والتنظيمي بسبب الظروف الموضوعية او لأسباب ذاتية، ولم يتمكن الحزب من حلها وتذليلها لاحقا...). [2
وجاء التأكيد علي مكافحة الافكار الغريبة والهدامة التي تضعف المعنويات بأي شكل كان وضرورة محاربة الاراء المغرضة والبلبلة والتكتلات، والعمل على خلق أجواء ايجابية رفاقية تعتمد بالأساس على القيمة النضالية والتجربة التي خاضها الحزب طيلة تاريخه
ولكن للأسف البعض من الرفاق خرق الانضباط وقواعد النظام الداخلي للحزب وساهم في نشاطات لاتنظيمية، لم تعبر عن أختلافات في الرأي، كما إدّعت، بل الى فضح اسرار الحزب الداخـلية والقيام باتصـالات ليبراليـة بالجهات والأحزاب والشخصيات العراقية وغير العراقية، وهذا ما تجسد في الممارسات التي أعقبت المؤتمر الوطني الرابع للحزب وما تم نشره في الصحف الكويتية عن نتائج المؤتمر وأسراره
(.. بل وصل الامر بعدد منهم، بمن فيهم من لا يزال يتمتع بعضوية الحزب الى المساهمة في تشكيل كتل ومنابر معادية للحزب، رحبت بها مخابرات النظام وأجهزة قمعه وصارت تروج لما يصدر عنها من نشرات – الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب اذار 1989 – التقرير السياسي).
وقد كان من أبرز المقصودين بهذا التعبير باقر ابراهيم وعدنان عباس وخالد السلام وعبد الحسين شعبان وماجد عبد الرضا، الذين إنتظموا في تجمع المنبر وأصدورا جريدة سرية بهذا الأسم، واتصلوا ببعض الكوادر، داعين الى تجميد معارضة النظام والمساهمة في الدفاع عن الوطن في الحرب مع إيران. وقد عاد بعضهم الى النظام (ماجد عبد الرضا الذي توفي لاحقاً في بغداد وخالد السلام وغيرهم )، لكنهم إنتهوا كمن سبقهم ولم يبقى سوى بعض الطنين.
ويؤكد تقرير اللجنة المركزية اعلاه على (أن قيادة الحزب قد بذلت وبنفس صبور وحرص بالغ على علاقة الشيوعيين بحزبهم، كل الجهود الممكنة لتجنب التفريط بأية طاقة يمكن ان تخدم عمل الحزب، وذلك بتوضيح الحقائق والاحتضان والتبصير بمخاطر السلوك التخريبي الضار بالحزب وإتاحة الامكانية لخوض مختلف اشكال نضال الاراء داخل الحزب وهيئاته الشرعية وانطلاقا من الاهمية التي يوليها الحزب للكفاح الفكري، وخصوصا في المنعطفات السياسية التي تثير حملة النقاشات والآراء والاجتهادات المتباينة
ويضيف التقرير في مكان اخر:
ان الشيوعيين جميعا مطالبون بشن كفاح فكري وسياسي واسع ضد النشاط التخريبي وفضح أسسه الفكرية، وفي ذات الوقت يقع على عاتق منظمات الحزب احتضان المنجرفين في هذا النشاط ممن يطالبون بالعودة الى صفوفه ،وتبصيرهم بضرورة التخلي اولا عن نشاطهم التخريبي وإدانته وانتقاد مواقفهم، ووضع انفسهم تحت تصرف الحزب، دون قيد وشرط، ليمكن البحث في امر عودتهم اليه وحمل شرف العضوية فيه بكل التزاماتها ) [3
[1] من كتابات النصيرعبد اللطيف السعدي (ابو اثير)
[2] من وثيقة تقيم حركة الانصار ص 86 عن المؤتمر الوطني السادس تموز 1997
[3] اجتماع اللجنة المركزية، أذار 1989.