مدارات

ألمانيا: حزب اليسار ثالث قوة في البرلمان للمرة الثانية / رشيد غويلب

توجه الناخبون الالمان أول امس، للإدلاء بأصواتهم لانتخاب البرلمان الاتحادي وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 72 في المائة، وحصل الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي يضم الحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، والحزب الاجتماعي المسيحي وفق النتائج الاولية على 41.7 في المئة، حتى ساعة اعداد هذا التقرير،
ولكنه سوف لن يتمكن من الحفاظ على التحالف الحاكم، ويعود ذلك لخروج حليفة التقليدي الليبرالي الحر، من البرلمان الالماني، الذي كان ممثلا فيه منذ تأسيس جمهورية المانيا الاتحادية في عام 1949، ولم يحصل الليبراليون الاحرار، الذين يمثلون رأس المال المالي، سوى على 4.7 في المئة بخسارة تجاوزت 10 في المئة، مقارنة بالانتخابات السابقة عام 2009 .

وعلى اثر ذلك اعلن مرشحه الاول برودلر انسحابه من الحياة السياسية، وجاء الحزب الاجتماعي الديمقراطي ثانيا بحصوله على 25.6 في المئة ورغم ان الحزب حقق زيادة قدرها 2.5 في المئة، ولكنه لم يستطع تحقيق هدفه الانتخابي المتمثل بتحالف الاكثرية مع حزب الخضر الذي جاء رابعا للمرة الثانية بحصوله على8.3 في المئة، وقد اعترف قادة الخضر بهزيمتهم، التي يمكن ارجاعها لمطالبتهم بفرض المزيد من الضرائب.

واحتل حزب اليسار الموقع الثالث للمرة الثانية، بحصوله على 8.7 في المائة تاركا حزب الخضر خلفه. وتعتبر النتيجة نجاحا للحزب، الذي اكد حضوره في الساحة السياسية الالمانية، وتجاوز المشاكل الجدية التي عانى منها في العامين الماضيين، نتيجة المناقشات الضارة داخله بين التيارات المكونة له بشأن امور تنظيمة، وموضوعات فكرية، استثمرها اليمين، ووسائل الاعلام المرتبطة به لتقليص نفوذ الحزب، والحد من تأثيره السياسي. ولهذا فان تحقيق هذا النجاح الانتخابي، يأتي ثمرة لنجاح مؤتمره المنعقد في صيف 2012، وانتخاب قيادة جديدة، نجحت في اعادة الحزب الى ممارسة الفعل السياسي في القضايا التي تمثل جوهر اهتمام الناس ومصالحهم، بعيدا عن الانشغال بالذات واضاعة وقت ثمين في مناقشات فكرية وتنظيمية لا تحتل مزكز اهتمام غالبية الناخبين. و حتى بعد مرور 23 سنة على توحيد ألمانيا، ما زالت النسبة العالية من ناخبي حزب اليسار تتركز في شرق المانيا، وهذا ما عكسته نتائج الدوائر الانتخابية في برلين الموحدة، حيث حصل الحزب في الجزء الشرقي من العاصمة على 30.2 في المئة من الأصوات، في حين حصل في الجزء الغربي من المدينة على 11.2 في المئة فقط.

انتصار للديمقراطية

ولعل من اهم النتائج الايجابية التي تمخضت عنها الانتخابات، الى جانب خروج الليبراليين الاحرار من البرلمان، هو عدم تمكن حزب "البديل من اجل المانيا" من تجاوز العتبة الانتخابية، بحصوله على 4.8 فقط ، وهو حزب تأسس في الربيع الفائت، ويمكن اعتباره انشقاقا من الحزب الديمقراطي المسيحي ويقف في المساحة بين اليمين التقليدي والنازية الجديدة، ويبني سياسته على رفضه للاتحاد الاوربي، والعملة الموحدة، انطلاقا من رؤية قومية يمينية متطرفة، وكذلك لم تستطع احزاب النازية الجديدة تجاوز نسبة 1 في المئة.

ردود فعل اولية

وفي اول رد فعل لها، بعد انتهاء التصويت مباشرة، عبرت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركيل عن سعادتها بالنتائج الإيجابية المتوقَّعة التي حققها اتحادها المسيحي، وشكرت الذين منحوها أصواتهم. من جانبه، هنّأ مرشح الاجتماعيين الديمقراطيين بير شتاينبروك المستشارة الالمانية، وقال بنبرة تفاؤلية إن على حزبه أن يواصل مسيرته السياسية ويتمسك بقِيَمه شاكرا أنصاره الذين صفقوا له بحرارة بعد أن أوضح أنه يتحمَّل المسؤولية الكاملة للنتائج التي حققها حزبه، ورفض شتاينبروك التعليق على إمكانية التحالف مع خصومه المحافظين واكتفى بالقول إن الكُرة في مرمى ميركل التي يتعيّن عليها تشكيل أغلبية، على حد تعبيره.

وعبر غريغور غيزي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، ومرشحه الاول في الانتخابات، عن ارتياحة بالنتائج التي حققها الحزب وقال: "من كان يعتقد في عام 1990 (عام انهيار التجربة الاشتراكية) ان هذا الحزب سيصبح القوة السياسية الثالثة في المانيا". وقال نائبه ديتمر بارج ان "حزب اليسار سيكون القوة الثالثة في البرلمان، وسيقود المعارضة البرلمانية"، في اشارة منه الى احتمال تحالف الاجتماعيين الديمقراطي مع حزب المستشارة الالمانية في ما يعرف بتحالف الكبار، وهو احد السيناريوهات القوية لتشكيل الحكومة الاتحادية القادمة، اما السيناريو المحتمل الثاني هو تحالف الاتحاد المسيحي مع الخضر.

وتكتسب الانتخابات الألمانية اهمية خاصة على الصعيد الاوروبي، باعتبار ان الاقتصاد الالماني هو الاهم في القارة، وتأتي نتائج الانتخابات لتطلق يد المستشارة ميركل في الاستمرار في سياستها "لانقاذ اليورو"، ما يعني استمرار تدمير البنية الاقتصادية للبلدان الاكثر تضررا من تداعيات الازمة المالية.

وجرت بالتوازي مع الانتخابات العامة، الانتخابات البرلمانية في مقاطعة هسن، وقد استطاع حزب اليسار، وعلى عكس التوقعات الحصول على 5.2 في المئة والبقاء ممثلا في برلمان الولاية الغربية، ويعد ذلك نجاحا آخر للحزب، اذا ما علمنا ان الحزب قد خسر عددا من انتخابات برلمانات الولايات الغربية في العامين الاخيرين.