مدارات

لا مكان للفاسدين في دولة المؤسسات .. كوريا الجنوبية .. المحكمة الدستورية تقيل بالإجماع رئيسة الجمهورية

رشيد غويلب
عندما أعلنت المحكمة الدستورية قرارها، عمت الفوضى في وسط العاصمة الكورية الجنوبية سيئول. وتدفق آلاف المتظاهرين في الشوارع، من منتقدي رئيسة الجمهورية، وكذلك من المؤيدين.و تم نشر قرابة 21 الفا من رجال الشرطة لمنع الاصطدامات بين الفريقين. وذكرت تقارير إعلامية محلية إن اثنين على الأقل من المتظاهرين قد قتلوا. وقد وضع الجيش في حالة تأهب قصوى، خوفا من أن "تستغل"كوريا الشمالية الفوضى السياسية في الجنوب، وتقدم على استفزازات عسكرية.
وبموجب قرار المحكمة الدستورية لم تفقد رئيسة الجمهورية بارك منصبها فحسب، بل فقدت كذلك حصانتها الرئاسية، وأصبحت عرضة للملاحقات القضائية. وبموجب القرار ستشهد البلاد انتخابات رئاسية مبكرة في غضون شهرين لاختيار بديل للرئيسة المقالة.
وكانت وسائل الإعلام قد كشفت عن معلومات بشأن تسريب رئيسة الجمهورية لمعلومات تخص امن البلاد إلى احدى المقربات لها، والتي لا تشغل منصبا حكوميا. وشهدت كوريا الجنوبية على اثر ذلك حركة احتجاج أسبوعية واسعة منذ تشرين الأول الفائت شارك فيها قرابة مليوني مواطن، وعدها المراقبون الأكبر منذ احتجاجات الثمانينيات من القرن العشرين.
وترتبط فضائح الفساد التي فجرت الحركة الاحتجاجية بالسماح لمستشارة رئيسة الجمهورية لسنوات عديدة والمقربة منها جدا سون سيل تشوي ، بالاطلاع على أسرار حكومية وبتوظيف علاقتها برئيسة الجمهورية لجمع تبرعات ضخمة، من الشركات الكبيرة لتمويل مشاريع خيرية مزعومة والاحتفاظ بها. وبالإضافة إلى ذلك فان تشوي متهمة بالتدخل في عمل الحكومة.
وكان البرلمان الكوري الجنوبي قد قرر إعفاء رئيسة البلاد غيون هاي بارك من أداء مهماتها ، والبدء بإجراءات عزلها من منصبها. وجاء القرار على خلفية اشتراكها في اكبر فضيحة فساد وسوء استخدام للسلطة في التاريخ الحديث لكوريا الجنوبية. وقد دخل قرار البرلمان حيز التنفيذ الفوري، حيث خلفها في المنصب رئيس الوزراء هوانغ كيو اهن.
ولكي يصبح القرار نهائيا، كان على المحكمة الدستورية تأكيده او ابطاله. وفي الجمعة الفائت أدان القضاة الدستوريون الثمانية بالإجماع رئيسة الجمهورية بانتهاك القانون النافذ من خلال السماح لمستشارتها فان تشوي بالتدخل في القرارات الحكومية، والسماح لها بالاطلاع على وثائق حكومية مختلفة.
وهذه المرة الثانية التي تصدر فيها المحكمة الدستورية قرارا بشأن قضية اقالة رئيس الجمهورية. وكانت المحكمة الدستورية قد ردت في عام 2004 قرارا مماثلا يقضي بإقالة الرئيس الأسبق روه مو هيون.
وبارك هي اول رئيس منتخب ديمقراطيا تفقد منصبها مبكرا، وكانت أيضا اول امرأة في تاريخ البلاد تتولى هذا المنصب الرفيع. وهي البنت الكبرى للجنرال السابق جيون هاي بارك، الذي قاد انقلابا عسكريا في عام 1961 وخسر السلطة في عام 1979 على اثر انقلاب آخر نظمه رئيس جهاز المخابرات. ويرتبط اسم الجنرال في ذاكرة الكثيرين في كوريا الجنوبية بعملية تحويل البلاد من بلد زراعي فقير إلى بلد صناعي متطور. ويعتبره قسم من السكان مهندس "المعجزة الاقتصادية على نهر الهان" وضامن الأمن والنظام. أما بالنسبة للقوى اليسارية والتقدمية فقد كان الجنرال بارك وسيبقى دكتاتورا شريرا. وهو متهم بسحق جيلين من العمال وقمع أية معارضة لتحقيق "المعجزة الاقتصادية".
وتقف صديقة الرئيسة المقالة تشوي، ومدير شركة سامسونغ الصناعية العملاقة هذه الأيام، بسبب ملفات فساد، في قفص الاتهام. ويواجه المدير التنفيذي لي غاي يونغ تهمة تقديم تبرعات تقدر بملايين الدولارات لتمويل المشاريع التي تنفذها المنظمات المرتبطة بـ "تشوي". وفي المقابل تحصل سامسونغ على الدعم الحكومي لعمليات اعادة هيكلتها، لغرض تعزيز سلطتها الاقتصادية. ومنذ سنوات،ينتقد مراقبون غربيون العلاقات الوثيقة المفرطة بين السياسيين والتكتلات الاقتصادية – الصناعية القوية التي تهيمن على حصة الأسد من ناتج البلاد الاقتصادي.