مدارات

الميليشيات اليمينية تهدد مستقبل السلام في كولومبيا

رشيد غويلب
في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود داخل كولومبيا وخارجها للسير قدما بعملية السلام على أساس اتفاقيات السلام الموقعة بين حكومة الرئيس مانويل سانتوس والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) ، ومنظمة جيش التحرير الوطني، تواجه هذه الجهود مخاطر جمة تشارك فيها قوى سياسية ومجتمعية متطرفة داخل الحكومة وخارجها.
وتلعب الميليشيات اليمينية المتداخلة مع عصابات الجريمة المنظمة دورا خطراً، يتجسد في سيطرة هذه المجاميع على المناطق التي أخلاها الثوار بموجب اتفاقيات السلام، وتهجير سكانها. وفي قيام هذه الميليشيات بسلسلة تصفيات للحركة السياسية اليسارية التي يجري التحضير لإعلانها في ايار المقبل، في سياق تحول حركة فارك المسلحة إلى حركة سياسية تحمل اسم "المسيرة الوطنية" تعتمد النضال السلمي طريقا لتحقيق الأهداف التي خاضت من اجلها كفاحا مسلحا امتد إلى أكثر من 50 عاما.
وترى فارك إن توقيع معاهدات السلام لا يعني السلام الحقيقي الذي تسعى اليه. ولهذا حددت الاتفاقيات المشار اليها 10 سنوات كسقف زمني لتنفيذها وإحلال سلام شامل في البلاد. بدأ بإقرار جملة من التشريعات التي ينبغي ان تنتهي منها السلطة التشريعية في حزيران المقبل. ومن جانبها قامت فارك بتسليم سلاحها بموجب خطة زمنية إلى الأمم المتحدة. وتنتقد الحركة الأداء الحكومي الذي يمتاز بالتعثر، وعدم الالتزام بتنفيذ واجباتها المتعلقة بتهيئة نقاط تجمع مسلحي الحركة الذين ينتقلون للحياة السلمية. ولهذا تدعو الحركة إلى إشراك المجتمع الكولومبي بأسره والمجتمع الدولي من أجل التنفيذ الكامل لاتفاق السلام.
وتطالب الحركة الحكومة بتحمل مسؤوليتها الأمنية والأخلاقية في ايقاف مسلسل الاغتيالات التي تمارسها الميليشيات اليمينية والتي راح ضحيتها حتى الآن 130 مناضلا يساريا. وكذلك الإسراع في تنفيذ إجراءات العفو العام، الذي سيؤدي إلى إطلاق سراح 300 كادر قيادي في الحركة مازالوا يقبعون في سجون الحكومة، فضلا عن الف سجين سياسي موزعين في سجون البلاد المختلفة.
وكان متابعون لأوضاع البلاد قد حذروا قبيل توقيع اتفاقيات السلام من تكرار السيناريو المأساوي، الذي راح ضحيته الآلاف من أعضاء حزب الاتحاد الوطني العلني اليساري، الذي تأسس في الثمانينيات على اثر اتفاق سلام سابق بين الحركة والحكومة لم يعمر طويلا. وعلى أساس التجربة السابقة، عبرت الحركة عن عدم سماحها بتكرار التجربة السابقة، لان ذلك سيعيد البلاد عقودا عديدة إلى الوراء، ويجبر الحركة على العودة الى رفع السلاح مجددا. لقد أعلنت الحركة إصرارها على المضي قدما بالجهود السلمية. ولكن عندما يستمر وجود الميليشيات، وتستمر في تمديد سلطتها إلى المناطق التي كان يسيطر عليها الثوار، وعندما يستمر اعتماد الميليشيات كأداة لسياسة الدولة، فان عملية السلام ستفشل وتعود البلاد إلى أجواء الصراعات المسلحة، التي ستضاعف عديد الضحايا مقارنة بالتجارب السابقة. ومن هنا تأتي دعوة الحركة لاعتماد الحلول السلمية، ودعوة المجتمع الدولي لدعم هذه الجهود.
والغريب ان الجهات الحكومية تنفي وجود سلسلة القتل المنظمة، وتتحدث عن إحداث منفردة. وهذا مؤشر على ضعف إرادة السلام الحقيقية. وهذا السلوك يفتح الباب أمام مخاطر جدية. ولهذا على الحكومة والرئيس سانتوس ان يدركوا ان الميليشيات المسلحة واقع ملموس، وان وجودها يمثل خطرا على المجتمع، وان هناك مسؤولية تتحملها الحكومة على صعيد الحكومات المحلية، والفضاء الوطني العام.