مدارات

من ذا الذي يستطيع ان يضاهيك؟ / خالد العبيدي

في ظل ظروف دولية قاهرة وغاية في الصعوبة والتعقيد نتيجة للتهديدات والاستفزازات النازية الهتلرية التي كانت تنطلق في ذلك الوقت، والتي اخترقت كل جدران العالم واثارت الخوف والرعب في نفوس البشرية على امتداد الكرة الارضية، من مشرقها حتى مغربها واشغلت عقولهم في التفكير من احتمال نشوب حرب عالمية ثانية تكون عواقبها اكثر ضرراً من سابقاتها تدمر ما شيدته الانسانية عبر مسيرتها الجهادية الطويلة من حضارة وتقدم وعمران وتعرض حياة الملايين من البشر الى الفناء والضياع وانعكاف الدول الكبرى المشغولة بهذه التهديدات وتوجهاتها وانشغالها وعزوفها نحو التغييرات والاستعدادات واخذ الاحتياطات الضرورية اللازمة لتلافي الازمة المقبلة تحسبا لاندلاع هذه الحرب في اية لحظة من اللحظات.
وفي ليلة حالكة مظلمة ظهر وبشكل غير مسبوق ضياء انار وبدد جزءا من تلك الظلمة يحمل بين جنباته خبر ميلاد حزب عظيم انه الحزب الشيوعي العراقي الذي ظهر للوجود في الحادي والثلاثين من آذار عام 1934 من القرن الماضي.
كانت ولادة الحزب في تلك المرحلة امر غاية في الاهمية نظرا لما كان يمر به العالم من ظروف متأزمة وكذلك العراق الذي كبل بقيود الذل والاحتلال وتسلطت عليه زمرة ظالمة والعالم يتقلب يمينا وشمالا وفقا لطبيعة الظروف وكانت هذه الولادة وهذا الظهور بمثابة زلزال هبط على رؤوس الخونة والمارقين كنزول الصاعقة على الجبل وجعلهم اشبه بالمجانين الامر الذي جعلهم في حالة انذار قصوى وحسبوا له الف حساب، وقد شهدت تلك الفترة ظهور احزاب وتيارات متعددة منها من وقف مع شعبه واستبسل في الدفاع عن مصالحه وحقوقه المهدورة، ومنهم من اصطف مع اعدائه وابدى استعداده لتنفيذ مخططاته وتطلعاته. والجدير بالذكر ان الحزب قد لعب دوراً ريادياً في مقارعة هذه المخططات وافشالها وتبنى مهمة الدفاع عن مصالح العمال والفلاحين والكسبة والكادحين، انه بحق حدث عظيم استطاع ان يغير المشهد السياسي وموازين القوى وقلب الامور رأسا على عقب رغم انه كان في بداية تشكيله في اول الطريق، ولكن هذا لم يمنعه من مواصلة نضاله والسير قدماً نحو تحقيق اهدافه مما جعله قادرا على كسب ثقة الجماهير، وبفضل التجربة والخبرة الطويلة التي اكتسبها من خلال سيرته النضالية وحنكة وشجاعة قيادته وعلى رأسها الرفيق الخالد فهد، استطاع ان يشخص مواقع الخطر ويساهم بتنشيط الحركة الوطنية وتحريك الجماهير للمطالبة بحقوقها، وبحرية واستقلال بلدها وتخليصه من هيمنة وسيطرة الاستعمار البريطاني ولم يتوقف نشاط الحزب عند هذا الحد، بل تجاوزها الى ابعد من ذلك بكثير حتى وصل الى الطلبة والمثقفين وكذلك العسكريين الذين يؤمنون بحب الوطن والحرية والحياة الديمقراطية ويتطلعون الى غد مشرق.
شكل منهم العديد من الخلايا وضمهم الى التنظيم حتى اصبح قوة لا يستهان بها لها ثقلها ووزنها في الساحة وفي المعترك السياسي وتمكن من فرض وجوده، ومن غير الطبيعي وغير المستغرب ان لا تتجمع كل قوى الظلام لمواجهته والحد من نشاطه ووضع العصي في عجلة مسيرته لغرض تحجيم قدراته وتأثيراته فنصبت له خيوط العنكبوت لايقاعه واصطياده ولكن هذا لم يتحقق وخاب ظنهم وفشلت محاولاتهم وشعرت المملكة المتحدة البريطانية ان استمرار وتوسع نشاط الحزب وسرعة انتشاره بين الجماهير سيعرض مصالحها، ليس فقط في العراق بل في عموم المنطقة الى الخطر فاوعزت الى عملائها في العراق ان يتدبروا امرهم وان يضعوا الخطط والافخاخ للقبض على قياداته وبأي ثمن كان، قبل ان ينزل الفأس في الرأس ويصبح الجرح عميقاً، وحينذاك يصبح من الصعب معالجته فتم القاء القبض على الرفيق الخالد فهد ورفاقه الابطال: حازم وصارم وعلى اعداد اخرى من كوادره المتقدمة وتلبية لأوامر المستعمرين ولترضيتهم تم اعدامهم اعتقادا منهم ان عملهم هذا سيمنع الحزب من ممارسة نشاطاته ونشر افكاره ولكن هذا الفعل والعمل الجبان الهب حماس المناضلين وضاعف من مجهوداتهم وبدد احلام العملاء وبائعي الضمير.
واستمر الحزب في نضاله وانفتح على القوى والاحزاب الوطنية ومد جسور الثقة والتنسيق معها وشُكلت الجبهة الوطنية عام 1956 وضمت العديد من الاحزاب والتيارات الوطنية ومنها حركة الضباط الاحرار. وعلى اثر ذلك وبعد سنتين من تشكيلها انفجر بركان الغضب وزلزلت الارض زلزالها وخرجت جحافل الغاضبين لتعلن للعالم كله ان زمن الطغاة قد ولى الى حيث لا رجعة وان الحقوق ستعود لاصحابها الشرعيين، انها ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، واستمرت الثورة بعطاءاتها السخية وانجزت الكثير من المشاريع وقطع الحزب على نفسه عهد الاستمرار بحمايتها من اي مكروه طالما تسير في المسار الصحيح ولكن الانحراف والتوجه الخاطئ وعدم الاصغاء لصوت العقل وتغلغل العناصر البرجوازية والانتهازية داخل مساراتها وغيروا نهجها وساروا بها الى طريق مجهول مما جعل الامور تجري عكس ثوابتها واصبح الوقت مناسبا لحبك المؤامرات تمهيدا للاجهاض عليها وضياع حقوق العراقيين وهكذا تحقق هذا المسعى الخبيث وتمكنت قوى الظلام واعداء الحياة من ان تصل الى السلطة وتلعب لعبتها بالقتل والتدمير، انهم عصابات البعث المجرمة ومن اصطف معها من القوميين والرجعيين والاقطاع وباشراف المخابرات الانكلو – امريكية ومصر آنذاك، وكان ذلك اليوم هو الثامن شباط عام 1963 اللعين وسجل التاريخ عبر صفحاته عبارات مليئة بالخزي والتشهير بما ارتكبته اياديهم القذرة من افعال واعمال يندى لها الجبين خجلا وبهذا لطخوا وجه التاريخ، بينما سجل التاريخ للحزب الحزب الشيوعي العراقي صفحات وعبارات رائعة تتسم بالوطنية والعرفان بالجميل وستستمر المسيرة النضالية للحزب طال الزمن ام قصر، ومهما كانت العواقب وبلغت التضحيات حتى تتحقق اهداف الجماهير في وطن حر ينعم شعبه بالخير والامان والتوفيق.
فالف تحية حب وتقدير للحزب العظيم ولمن حمل رسالة الحرية والاستقلال والسلم والديمقراطية ولشهدائه، شهداء العراق المجد والخلود وسنبقى نستلهم العبر والدروس من تضحياتهم وشجاعتهم ونمضي على الدرب الذي سلكوه ولن نحيد عنه، قيد انملة مهما وضعت امامنا من مطبات وعراقيل.