مدارات

الرئيس الفرنسي الجديد يريد ان يهز فرنسا!

رشيد غويلب
فاز اليميني الليبرالي إيمانويل ماكرون بالجولة الثانية لانتخابات الرئاسة الفرنسية التي جرت أمس الأول، وحصل على 65,1 مقابل 34,9 في المائة لمرشحة اليمين المتطرف ماري لوبين.والرئيس الفرنسي الجديد يمثل ظاهرة جديدة في السياسة الفرنسية، فماكرون البالغ من العمر 39 عاما هو اصغر رئيس جمهورية في تاريخ فرنسا الحديث. ويعتبر نفسه "قادما جديدا في السياسة الفرنسية".
ولم يكن ماكرون معروفا حتى تعينه المفاجئ في آب 2014 وزيرا للاقتصاد. وكان قد عمل قبل ذلك مستشارا اقتصاديا أولا للرئيس فرانسوا هولاند ومن ثم نائب السكرتير العام لقصر الاليزيه.لقد اخذ هولاند بيده، أملا في مساعدته للفوز بدورة رئاسية ثانية. واكدت الحياة خطأ تقديرات هولاند السياسية، فالشاب الصاعد ازاح الأول من الاليزيه بدلا من ان يكون عونا له. لقد كتب الكثير من المقالات وصدر العديد من الكتب في الأشهر الماضية حول ماكرون، ومع ذلك فان هناك الكثير من الاسئلة بشأنه لا تزال مفتوحة. ان نجاحه الأكاديمي الباهر جعله يحتل موقعا في قمة جهاز وزارتي الاقتصاد والمالية الفرنسية، وفي قترة عمله تعرف على شخصيات مهمة مثل المستشار السابق للرئيس الفرنسي الأسبق ميتران وآخرين، وعملا بنصيحتهم انتقل ماكرون الى العمل في قطاع الاستثمار الخاص. وفي عام 211 عين مستشارا اقتصاديا للرئيس هولاند. وخلال عمله في مجال الاستثمار المصرفي، حصل ماكرون على اعلى الرواتب، فضلا عن مكافأة بمليوني يورو، نتيجة نجاحه في صفقات احتواء شركات لصالح أخرى، وعلى الرغم من ذلك وافق ماكرون على مهمة المستشار الاقتصادي للرئيس هولاند، التي تدر عليه دخلا اقل بكثير مما حصل عليه في القطاع المصرفي الخاص.
وحاول ماكرون كوزير للاقتصاد اعطاء لمسة ليبرالية لـ "اصلاحات" هولاند الديمقراطية الاجتماعية، اي دفع هذه الاصلاحات باتجاهات يمينية، فكان ماكرون احد واضعي حزمة "الإصلاحات" التي منحت الشركات الكبرى أكثر من 40 مليار يورو من الإعفاءات الضريبية وتخفيضات في التكاليف الاجتماعية، بحجة تحسين القدرة التنافسية للشركات وتعزيز الاقتصاد. ولكن هدف خلق فرص عمل جديدة غاب عن خططه بشكل واضح.
ولعب ماكرون دورا فاعل في صياغة "قانون العمل الجديد"، الذي ادى الى اندلاع اوسع احتجاجات عمالية في فرنسا منذ بداية الثمانينات، وبمشاركة اوساط واسعة جدا من السكان. ولم تستطع الحكومة تمرير القانون عبر البرلمان والآليات الديمقراطية، بل لجأت الى استخدام المادة 49.3 الأكثر رجعية في الدستور الفرنسي لكي تمرر مشروع القانون المثير للجدل.لم يستطع ماكرون تجسيد افكاره للبرلة الاقتصاد خلال عامين في وزارة الاقتصاد الا عبر "قانون ماكرون"، الذي سمح بموجبه، على سبيل المثال، لحافلات النقل البعيد بمنافسة السكك الحديد المملوكة للدولة، مما عمق من ازمتها الاقتصادية. وكذلك تم رفع المنع التاريخي للعمل ايام الاحاد. و كسر احتكار العديد من المهن العامة، ولذلك شهدت فرنسا لاول مرة تظاهرة لـ "كتاب العدل"، كما جرى تشجيع الاعمال المؤقتة وغير المستقرة.
وفي آب 216 استقال ماكرون من مهمته كوزير للاقتصاد، واعلن ترشحه لخوض انتخابات الرئاسة، بعد ان اسس حركة سياسية خاصة به اطلق عليها تسمية "في الطريق". وتضم حركته اكثر من 250 الفا معظمهم من سكان المناطق الحضرية ذات الدخل المرتفع والتعليم العالي.
وفي الحملة الانتخابية لاقت افكار ماكرون الجديدة على الساحة السياسية نجاحا لم يتوقعه افضل خبراء السياسة، وتحول ماكرون من رجل الظل الى خطيب بارع. ومن المفيد الاشارة الى عوامل موضوعية ساعدته في سيره الحثيث نحو بوابة الاليزيه: الفضائح التي عصفت بمرشح اليمين المحافظ فيون، والذي كان اوفر حظا بالفوز في البداية، وكذلك عدم اتفاق معسكر اليسار بالمعنى الواسع على مرشح مشترك.
ويريد ماكرون الاشتراك في الانتخابات البرلمانية العامة المقبلة، وسيشارك مرشحو حركته في جميع الدوائر الانتخابية، وسيكون نصف مرشحي الحركة من منظمات "المجتمع المدني" والسياسيين المغادرين لصفوف اليمين الجمهوري والحزب الاشتراكي، على ان يكونوا غير مشمولين بملفات فساد او فضائح سياسية. وتحدو ماكرون الثقة في تحقيق اغلبية برلمانية مريحة.