مدارات

مؤشرات لتصدع قوى اليمين الشعبوي في أوروبا

رشيد غويلب
اصبح صعود اليمين الشعبوي المتطرف في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي واحدا من التحديات الرئيسة التي تواجه القوى الديمقراطية في القارة. فلقد استطاعت هذه القوى الوصول الى سدة الحكم في هنغاريا وبولونيا، واوشكت ان تصل الى رئاسة الجمهورية الفرنسية. وفي النمسا والمانيا وبلدان أخرى حققت نجاحات انتخابية هامة، كان آخرها تمكن حزب " البديل من اجل المانيا" من احتلال الموقع الثالث في الانتخابات العامة التي جرت في المانيا الاحد الفائت. ولقد حاول البعض ارجاع هذه النجاحات الى موجات اللجوء الكبيرة التي وصلت الى بلدان الاتحاد خلال العامين الاخيرين. وتوظيف اليمين الشعبوي لها، فضلا عن الجرائم التي نفذتها المنظمات الارهابية في الفترة الأخيرة.
ان قوى اليسار في اوروبا تحمل اليمين والوسط مسؤولية تسويق هذه القوى من خلال تبني سياسة الليبرالية الجديدة، التي انعكست بشكل قاس على الحياة اليومية للملايين، خصوصا منذ اندلاع الأزمة المالية الاقتصادية في عام 2007 ، والتوجه الى معالجتها باعتماد سياسات التقشف الجائرة، وهدم المكتسبات الاجتماعية والديمقراطية المتحققة. يضاف الى ذلك جنوح اليمين المحافظ الى تبني سياسات ومطالب اليمين المتطرف بحجة الحفاظ على الناخبين. وقد اضفت هذه السياسات قبولا وشرعية على خطاب وسياسة اليمين المتطرف في اوساط واسعة من المهمشين ناخبي الاحتجاج.
وتشير التطورات الاخيرة التي جرت في صفوف القوى الرئيسة لليمين الشعبوي المتطرف في فرنسا والمانيا، الى حدوث تصدعات وصراعات وانشقاقات يمكن ان تؤدي على الأقل الى ايقاف قاطرة الخطاب الشعبوي المتطرف، وتتيح لقوى الديمقراطية والتقد م الانتقال الى حالة الهجوم وطرح بدائل مؤثرة تؤدي الى تحجيم هذه القوى الشريرة.
فرنسا.. صراعات حادة في قيادة "الجبهة القومية"
ادى تعاظم الصراع في قمة حزب "الجبهة القومية" الى دخوله في ازمة عميقة تهدد مستقبله السياسي. وشهدت الاسابيع الأخيرة صراعا مكشوفا بين زعيمة الجبهة ماري لوبان، ونائبها فلوريا فيلييو، انتهت باستقالة الأخير. وكان عدد من قيادي "الجبهة القومية" قد حملوا فيلييو مسؤلية خسارة لوبان امام الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون.
ومعروف ان برنامج الجبهة الانتخابي، الذي ساهم فيلييو في صياغته، تضمن المطالبة بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويرى متابعون ان لوبان بدأت تشعر بخطورة تصاعد نفوذ نائبها في الحزب، مقابل تراجع شعبيتها، خصوصا تصاعد حظوظه في خوض انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة، كمرشح للحزب بدلا عنها، فضلا عن كونه شابا ويتمتع بكاريزما مؤثرة. وجاء تأسيس فيلييو لجمعية "القوميون" ورفضه طلب زعيمة الحزب بحلها ليصب الزيت على نار الخلاف بين الغريمين. وفي الجوهر يحاول فيلييو اعتماد خطاب شعبوي ديماغوجي "معتدل"، في مقابل الخطاب المتشدد العرقي المباشر والذي يعتمد العداء اللامحدود للمسلمين. وفي تصريح اخير له، وصف فيلييو حزبه السابق بـأنه "نقابة لمناهضة الهجرة والمهاجرين".
ألمانيا.. استقالة الرئيسة المشاركة لحزب اليمين الشعبوي المتطرف
لم يجف بعد حبر نتائج انتخابات البرلمان الاتحادي في المانيا، حتى فاجأت الرئيسة المشاركة لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف فراوكا بيتري بقرار عدم انضمامها الى الكتلة البرلمانية التي لم تبدأ عملها بعد. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي جمعها الأثنين الفائت مع عدد من قياديي الحزب. ثم عادت بيتري لتعلن استقالتها من زعامة الحزب، لكنها لم تكشف اسماء نواب الحزب وكوادره الذين سينظمون لقافلتها، قائلة ان عدم مشاركتها في الكتلة البرلمانية، لا يعني رفضها لعضوية البرلمان الالماني، وستمارس نشاطها كعضو مستقل. وكان قد سبق لها ان استقالت من رئاسة الكتلة البرلمانية للحزب في ولاية ساكسونيا مع اثنين من زملائها، وليواصلوا عملهم في برلمان الولاية كنواب مستقلين.
وتخوض بيترى صراعا مع صقور الحزب مثل رئيسي قائمة الحزب الانتخابية اليس فيدل و ألكسندر غولاند، اللذين يتبنيان خطابا يقترب من الخطاب النازي التقليدي مثل: “من حق الألمان الافتخار بأداء الجنود الألمان خلال الحرب العالمية الثانية". هذا بالاضافة الى التصريحات التي ادلى بها غولاند بعد اعلان نتائج الانتخابات، والتي توعد فيها المستشارة ميركل بـ"المطاردة".
ومعروف ان بيتري التي تحاول الابتعاد عن الخطاب المباشر وعن استخدام مفردات ارتبطت بالإرث النازي، تعرضت للتهميش في مؤتمر الحزب الأخير. وترى بيتري ان هذا الخطاب يحرم الحزب من حلمه في الوصول الى السلطة، وانه يثير مخاوف الناخبين المنتقلين من صفوف اليمين التقليدي المحافظ.
هذا وتوالت الاستقالات من الحزب لتشمل رئيس الكتلة البرلمانية للحزب في ولاية نوردفيستفالن نرو ماركوس بريتزيل، الى جانب زوج بيتري، وعضو آخر في الكتلة.