مدارات

في الذكرى المئوية لثورة أكتوبر العظمى .. قاطرة تاريخ القرن العشرين (3) / د. صالح ياسر

التحليل الملموس للوضع الملموس .. أطروحة الحلقة الأضعف في السلسلة الإمبريالية
استنادا الى التحليل اللينيني، فقد كانت الامبراطورية الروسية الحلقة الأضعف في السلسلة الإمبريالية ومركزا لتناقضاتها من جهة، كما أنها كانت في الوقت ذاته مركزا للحركة التحررية العالمية. وهنا بالذات نضجت الحالة الثورية قبل البلدان الأخرى وتحولت الى ثورة ديمقراطية شعبية عامة.
في أوائل نيسان/1917 عاد (لينين) الى الوطن. في " موضوعات نيسان " كتب قائلا " إن الشيء الأصيل في الوضع الراهن في روسيا إنما هو الانتقال من المرحلة الأولى للثورة، التي أعطت الحكم للبرجوازية نتيجة لعدم كفاية الوعي والتنظيم لدى البروليتاريا، الى المرحلة الثانية للثورة، التي يجب أن تعطي الحكم للبروليتاريا، وللفئات الفقيرة من الفلاحين ".
وقد انطلق لينين، وهو يحدد طابع الثورة والقوى المحركة لها، من أن الثورة البرجوازية الديمقراطية في روسيا قد تحققت، وقد تحالف الفلاحون كافة مع البروليتاريا لإنجاح الثورة. والآن تم طرح موضوع الثورة الاشتراكية على جدول الأعمال، تلك الثورة التي سيشترك فيها الفلاحون الفقراء فقط كحلفاء للبروليتاريا حيث انه يجب خوض النضال ليس فقط مع البرجوازية في المدينة بل وفي الريف أيضا.
وإذ عمّم لينين خبرة الحركة العمالية العالمية وإبداع الجماهير الثوري في روسيا فقد اكتشف شكلا للتنظيم السياسي للمجتمع في فترة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية هو السوفيتات. وبحسب لينين، تعتبر جمهورية السوفيتات من أسمى أشكال الدولة الديمقراطية، بالمقارنة مع شكل الجمهورية البرلمانية العادية. وقد أوضح لينين أن جمهورية السوفيتات تخلق للجماهير الشعبية إمكانيات لا حد لها للاشتراك في إدارة الدولة وبناء حياة جديدة.
وقد وضع (لينين) في " موضوعات نيسان " أمام حزب البلاشفة ليس فقط المهام السياسية بل والاقتصادية التي تخدم الموضوع الرئيسي – السلطة، وتسعى الى إنقاذ البلاد من الكارثة الاقتصادية التي كانت البلاد قد اقتربت منها. ووضع في هذه الموضوعات خطة محددة على أساس علمي لاستيلاء البروليتاريا على السلطة في روسيا.
في 24 يوليو/تموز انتهت مفاوضات الكاديت مع ممثلي الأحزاب الاشتراكية بتشكيل الحكومة الائتلافية الثانية. وعلى الفور قامت هذه الحكومة التي أطلق عليها " حكومة إنقاذ الوطن والثورة " بتطبيق الإعدام في الجبهة، فقد أمر رئيس الوزراء (كيرنسكي) بمنع صدور ونشر الجرائد البلشفية بين الجنود، كما حضر على الجنود عقد الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات. وهكذا قُضيَّ على ازدواجية السلطة لتتركز كلها، مؤقتا، في أيدي البرجوازية المعادية للثورة ، وهنا انتهت الفترة السلمية للثورة. وشغل موضوع تكتيك البلاشفة في ظل الظروف الجديدة مكانا رئيسيا وذلك في أعمال المؤتمر السادس لحزب البلاشفة الذي عقد في الفترة 26 تموز حتى 3 آب من عام 1917 في بتروغراد.
الانتفاضة المسلحة على الأبواب!
على أساس تحليل ملموس لتطور الأوضاع السريع والعاصف والمحفوف بالمخاطر والاحتمالات المفتوحة، قرر المؤتمر السادس لحزب البلاشفة التوجه الى الانتفاضة المسلحة للإطاحة بالبرجوازية، وأكد في أحد قراراته التالي : " لقد اصبح مستحيلا في الوقت الحاضر أن يتم التطور السلمي، وان تنتقل السلطة الى السوفيتات دون صعوبات، حيث أن السلطة انتقلت في حقيقة الأمر الى البرجوازية المعادية للثورة. وليس هناك من شعار سليم يجب أن يطلق في الوقت الحاضر غير شعار القضاء التام على دكتاتورية البرجوازية المعادية للثورة ".
حلّ ميعاد التصاعد الثوري الذي تحدث (لينين) عن حتمية حدوثه، أسرع مما كان متوقعا. كان هذا مرتبطا بمقاومة تمرد الجنرال كورنيلوف المعادي للثورة. فرغم اشتراك سبعة وزراء من حزب الكاديت في الحكومة الائتلافية الثانية، ولعبه لدور قيادي فيها، إلا أن البرجوازية الإمبريالية لم تكن راضية عن ذلك. وقررت الإجهاز بضربة واحدة على بقايا الديمقراطية التي اعتبرتها خطرا وبديلا على سياستها. وقد كانت بحاجة الى دكتاتور، وجدته في شخص الجنرال (كورنيلوف) القائد العام الأعلى الذي اجتذب برجعيته الدوائر الحاكمة.
وقد استطاع البلاشفة وهم ينظمون الجماهير لسحق تمرد كورنيلوف، أن يحققوا تكتيكا فريدا في دعم وحدة العمل، كما استطاعوا القيام بتشكيل جيش سياسي للثورة الاشتراكية. وتمكن البلاشفة في عدة أيام من المقاومة لطغمة كورنيلوف، أن يحققوا ما كان عسيرا أن يتحقق خلال شهور، لو مضى تطور الثورة في ظروف طبيعية. وكشف هذا التمرد بشكل واضح إفلاس سياسة التوفيقيين.
في هذه اللحظات حدث انعطاف فريد من نوعه. فقد بدأ الفلاحون والجنود في الابتعاد عن "الاشتراكيين الثوريين" والتحول الى جانب البلاشفة. وأصبح واضحا انه ليس هناك من سلطة قادرة على تطوير الثورة وتعزيز مكتسباتها، غير سلطة العمال والفلاحين الفقراء.
وفي أواخر آب وأوائل أيلول 1917 وخلال مقاومة تمرد كورنيلوف، ساد البلاد وضع فريد.
- فقد ظهر ضعف سلطة الحكومة المؤقتة في المدن والأقاليم، كما اتضح سوء سمعتها.
- وبالمقابل نشطت السوفيتات واللجان.
في هذه الاثناء ظهرت مرة أخرى إمكانية حقيقية لانتقال السلطة الى السوفيتات سلميا. وقرّر حزب البلاشفة أن يستفيد من هذه الإمكانية، حتى يتفادى ضحايا لا مبرر لها. وفي هذا الصدد كتب لينين قائلا: "... في سبيل هذا التطور السلمي للثورة، في سبيله فقط – أي في سبيل إمكانية نادرة الى أقصى حد في التاريخ وثمينة الى أقصى حد، إمكانية نادرة – في سبيلها فقط، برأيي، انه في مستطاع ومن واجب البلاشفة وأنصار الثورة العالمية وأنصار الطرائق الثورية، أن يقدموا على مساومة كهذه "(1).
غير أن إمكانية تطوير الثورة سلميا سرعان ما تلاشت، وعاد "المناشفة" و"الاشتراكيون - الثوريون" الموجودون على رأس السوفيتات الى التحالف مع البرجوازية.
واستنادا الى تحليل ماركسي عميق للأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة، أدرك لينين بوضوح أن روسيا تقترب اقترابا شديدا من الثورة الاشتراكية التي ستقوم بحل التناقضات المعقدة للمسائل الاجتماعية الملحة. وارتبط تعاظم الأزمة الثورية في البلاد بتصاعد ثوري جديد.
وامتدت الأزمة الوطنية العامة في كل أنحاء البلاد.
وكتب (لينين) هنا يقول: (قانون الثورة الأساسي....، يتلخص في ما يلي:
• لا يكفي من اجل الثورة أن تدرك الجماهير المستغَلة والمظلومة عدم إمكانية العيش على الطريقة القديمة وان تطالب بتغيرها.
• من الضروري ايضا لأجل الثورة أن يغدو المستغِلون غير قادرين على العيش والحكم بالطريقة القديمة.
• الثورة لا يمكن أن تنتصر إلا عندما تمزق " الطبقات الدنيا " عن القديم، وعندما تعجز " الطبقات العليا " عن السير وفق الطريقة القديمة..... ونعني أن الثورة مستحيلة بدون أزمة وطنية عامة تشمل المستغَلين والمستغِلين معا)(2).
اثبت (لينين)، على أساس تحليل عميق للوضع وتطوراته الفعلية، أن الأزمة الوطنية في البلاد قد نضجت وان الظروف المناسبة قد ظهرت لتحويل شعار الإعداد السياسي العام للانتفاضة المسلحة الى شعار الممارسة العملية وذلك في رسالتيه التاريخيتين: " يجب على البلاشفة أن يأخذوا السلطة " و" الماركسية والانتفاضة". لقد أكد (لينين) جديّة هذا الشكل النضالي وخطورته، وحذّر من التلاعب به. وربط (لينين) نجاح الانتفاضة المسلحة، بالإعداد الجيد والشامل لها، حيث يجب لإنجاحها:
- حشد قوى تفوق قوى العدو بكثير؛
- في المكان الحاسم، واللحظة الحاسمة؛
- وإلا أباد العدو المنتفضين.
كان 25 أكتوبر، يوم انتصار الانتفاضة في بتروغراد، قد دخل التاريخ كبداية لثورة أكتوبر العظمى في البلاد التي فتحت صفحة جديدة في تاريخ البشرية. وتوج الانتصار النهائي في 7 نوفمبر 1917(3).
هل "خان" لينين والبلاشفة ماركس وأطروحاته بشأن استلام السلطة في أكتوبر 1917؟
يطرح العرض التاريخي المكثف السابق السؤال التالي: هل "خان" لينين والبلاشفة ماركس عندما اتخذوا قرارهم بتسلم السلطة، اثر طور قصير مرّت به الثورة البرجوازية الديمقراطية في روسيا، رافضين التعامل مع الانتقال الى الاشتراكية باعتباره سيرورة طويلة؟
ويرتبط بهذا السؤال سؤال آخر وهو: كيف يمكن للثورة الاشتراكية أن تنتصر في بلد لا يمتلك، بسبب ضعف تطور الرأسمالية فيه، قاعدة مادية متقدمة لبناء الاشتراكية، وهو الشرط الرئيسي الذي كان ماركس قد وضعه لانتصار الاشتراكية في بلد من البلدان؟
من هذا السؤال وفي مسعى الإجابة عليه، انطلق (لينين)، مبرهنا على وجود الرأسمالية في روسيا، التي كان يشكك بوجودها "الشعبيون" ومُظهِرا بان السمات الخاصة التي كانت تميز هذه الرأسمالية، وبالأخص سمة ضعفها، تجعل من إمكانيات انتصار الثورة الاشتراكية فيها اكبر من إمكانات انتصارها في أي بلد آخر من البلدان الرأسمالية المتطورة، وتتيح للطبقة العاملة فيها فرصة التحول الى محرك لهذه الثورة. وكان لينين على قناعة، من جهة أخرى، بأن الانتصار الحاسم على القيصرية في روسيا سينقل الحريق الثوري في أوربا، ويرفع العزيمة الثورية لدى البروليتاريا العالمية ويختصر طريقها نحو الانتصار التام.
لم يكن خافياً على لينين ورفاقه بان روسيا، لحظة استيلاء البلاشفة على السلطة، لم تكن تمتلك الشروط المادية لقيام الاشتراكية. فقد تحدث لينين في اكثر من موضع عن تخلف تطور قوى الإنتاج في روسيا والطابع البرجوازي الصغير لرأسماليتها وعدم بلوغ العلاقات الرأسمالية فيها درجة النضج الكافي لإنجاز البناء الاشتراكي. لكن البلاشفة لم يجدوا في التعارض القائم بين نضج الشرط السياسي المتمثل باستيلاء الطبقة العاملة وحلفائها على السلطة، وعدم توفر بعض عناصر شرطها الموضوعي، سبباً كافياً في عزوف الطبقة العاملة عن الاستيلاء على السلطة والمضي قدماً على طريق بناء الاشتراكية.
لعلّ السند الفكري الرئيسي لموقف البلاشفة يكمن في التعويل الواضح، خلال المراحل المبكرة التي أعقبت انتصار الثورة، على قيام ثورات عمالية ظافرة في البلدان الأوروبية حيث بلغت فيها الرأسمالية مرحلة متطورة، وبشكل خاص في ألمانيا. لذلك دافع (لينين) عن فكرة إمكانية قيام الاشتراكية في بلد واحد والانتقال السريع بالثورة من مرحلتها البرجوازية الديمقراطية إلى المرحلة الاشتراكية، أي تطبيق مفهوم الثورة المستمرة لماركس، في حين دعا المناشفة وماركسيون آخرون إلى حصر الثورة ضمن افقها البرجوازي الديمقراطي. قادة آخرون للثورة، منهم تروتسكي، ربطوا الانتقال إلى الاشتراكية بقيام ثورات عمالية في البلدان الرأسمالية المتطورة.
والخلاصة لم تكن ثورة اكتوبر خطأ كما يعلن البعض، فليس هناك ما يحتم، وفق النظرية الماركسية، ان تقوم الثورة الاشتراكية في اكثر البلدان الراسمالية تقدما. ان تحقيق الاشتراكية يستلزم تطورا رأسماليا معينا، أما قيام الثورة الاشتراكية فهو لا يستلزم القدر ذاته من التطور. فالشرارة قد تنطلق في مجتمع رأسمالي متخلف وتتسع عالميا. وهذا هو جوهر مفهوم الحلقة الاضعف في السلسلة، الذي ابتكره لينين على اساس التطوير المبدع والذكي للنظرية الماركسية.
على هذا الاساس قدم لينين الحل التالي: الانتقال من الانتاج الصغير الفردي، المجزأ، المبعثر، عبر رأسمالية الدولة الى الاشتراكية(4) . بتعبير آخر طرح ضرورة انجاز مهمة اضفاء الطابع الاجتماعي على الإنتاج، المهمة التاريخية التي لم تكن الرأسمالية الروسية قد انجزتها بعد في لحظة استيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية. وما طرحه لينين انما هو تعجيل عملية التركز والتمركز. تعجيل عملية التراكم ينطوي على جانبين:
- تحويل الفلاحين والمنتجين الصغار الى بروليتاريين، أي فصلهم عن وسائل انتاجهم الفردية من جهة،
- ودمجهم بوسائل انتاج غير مجزأة، غير مبعثرة، غير فردية، بل ذات طابع اجتماعي، دون ان تكون هذه الوسائل رأسمالا فرديا، اي ملكية فردية من جهة اخرى. علاوة على ذلك فإن هذه المهمة كانت تتحقق على يد الطبقة العاملة. وهنا الفرادة في هذه التجربة.
وهنا لا بد من الاشارة الى التمايز بين (لينين) و(ستالين) في فهم وتقييم طابع سيرورات التراكم هذه، وفي الوسائل التي توسلا بها للتعجيل بهذه العملية.
• كان لينين يفهم التحول الجاري في روسيا على انه حلقة وسيطة في سلسلة طويلة من الانتقالات تغطي حقبة تاريخية مديدة. أما عند ستالين فان هذه الحلقة الانتقالية الأولية هي الاشتراكية ذاتها، التي اعلن عن اكتمال بنائها عام 1938 !!.
• عند لينين، وسائل التحفيز اقتصادية، اي ربط الأجر بالمنتوج، واستخدام الحساب الاقتصادي، والعلاقات السلعية – النقدية .... الخ (سياسة النيب). عند ستالين الطرائق: ادارة قسرية، أو: ما فوق اقتصادية (عودة لأساليب شيوعية الحرب).
ومن المفيد التذكير هنا برؤية ماركس في هذا الشأن. فحين كان ماركس يحلل – في منتصف القرن التاسع عشر – نظام الانتاج الرأسمالي وقف على جملة قوانين تراءت له في حينه – دليلا على التفكك القادم الذي ينتظر هذا النظام. فحركة الانتاج تقود – حتما – الى آلية نقيض هي : ميل معدل الربح نحو الانخفاض. والتناقض الاساسي بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج لا يمكن أن يجد حلا له سوى في أن تكسر قوى الانتاج – ذات النمو المتسارع – اطار علاقات الانتاج الكابحة لها. ولما كانت علاقة التفاوت الطبقي هي اساس التناقض بين رأس المال والعمل، فإن سيطرة المنتجين على حقل الانتاج هو – في نظر ماركس – الحل التاريخي الممكن والمطلوب: انه الحل الاشتراكي.
ولكن ماركس لم يقدم وصفة جاهزة عن الاشتراكية وعبارته الشهيرة عندما سئل عن هذه الوصفة: ليس لدينا وصفة لمطاعم المستقبل ! بل اكتفى بتعيين بعض آلياتها من حيث هي مرحلة انتقالية نحو النظام الشيوعي. واهم تلك الآليات أو الخصائص المميزة للانتقال الاشتراكي: اضمحلال الدولة، والسيطرة المباشرة للمنتجين على وسائل الانتاج. وبذلك تنتفي اسباب التملك الاقتصادي (= الرأسمال) التي تصنع علاقة الاستغلال، وأسباب التملك السياسي (الدولة) التي تصنع السيطرة وتحمي المصالح الرأسمالية، لتتحقق حرية المنتجين وتنتفي اسباب الشقاء الانساني. ويبدو ان المساهمة اللينينية تصب في جوهر هذه الأطروحات لكنها تتعلق بمرحلة تاريخية جديدة وتناقضات جديدة.
ولكن ترتبت على (النيب New Economic Policy/NEP) طائفة من النتائج المتناقضة من بينها ما يأتي:
- أدت وظيفتها في إعادة إنهاض القوى المنتجة والتغلب على الدمار الذي احدثته سنوات الحرب السبعة. غير أن نتائج ذلك كانت متفاوتة بالنسبة للقطاعات والقوى الاجتماعية، الامر الذي انعكس مجددا في صيغة تأزم في العلاقة بين الطبقة العاملة والفلاحين، سيترك اثاره على التجربة لاحقا.
- شكلت الظروف الجديدة حافزا لتحول البيروقراطية الجديدة من سلوك فردي مبعثر، الى شريحة اجتماعية متميزة بفعل امساكها بالجانب التنفيذي للسلطة. ونظرا لأن نمو القوى المنتجة ادى الى نمو ملحوظ في حجم الفائض الاقتصادي، فقد طرح هذا الواقع الجديد مسألة من هي القوة (أو القوى) الاجتماعية التي ستتحكم بعملية توزيع الفائض بين القوى الاجتماعية المختلفة. وهنا بدأت هذه الشريحة تلعب دورا متناميا سيؤثر على اتجاهات التطور اللاحق.
- وفي سياق هذا التحول في البنية الاجتماعية - الطبقية شهد الحزب تحولات مناظرة في تكوينه الايديولوجي ونمط علاقاته الداخلية. وسيلقي هذا الواقع بثقله على افاق الوضع لاحقا، حيث شقت هذه التحولات طريقها عبر الصراع بين مراكز القوى المتنافسة، وهو الصراع الذي بدأ فور وفاة (لينين)، وتولي (ستالين) قيادة الحزب والدولة.