مدارات

آلاف العائلات تسكن العشوائيات وتعاني الفقر والعوز / لويس فؤاد العمار

في الوقت الذي تتصارع فيه الأحزاب المتنفذة في السلطة على كسب مغانم إضافية وجديدة, ترزح آلاف العائلات العراقية تحت خط الفقر، غير قادرة على توفير احتياجاتها الأساسية الملحة ومتطلبات الحياة الضرورية والكريمة. فمفردات السكن اللائق والتعليم الجيد والخدمات الطبية الملائمة وغيرها, تحولت في قاموس حياة هذه الأسر إلى أحلام تنتظر من يحققها. ولكن هيهات لها أن تتحقق، بل ما عاد لها أثر في أحلام الفقراء لكي تتحول إلى واقع ملموس، ما جعل المعاناة على حالها دون أن تتحرك ضمائر من هم في السلطة لإنهائها من خارطة الوجع العراقي.
إحصائيات وواقع بائس

تشير الإحصائيات الرسمية لوزارة التخطيط العراقية إلى أن ما نسبته أكثر من 23 بالمئة من سكان العراق هم ممن يعيشون تحت خط الفقر، كما أن نسبة البطالة للقادرين على العمل بلغت حوالي 15 بالمئة من مجموع السكان، وتتناقض هذه النسب والأرقام المخيفة لواقع شرائح واسعة من الشعب العراقي مع حجم وأرقام الموازنات السنوية التي يقرها مجلس النواب والتي توصف عادة بالانفجارية والتي لم تغير شيئا من الواقع البائس لملايين العراقيين ولم تحقق جزءا صغيرا من أحلامهم في حياة كريمة وآمنة. إذ توصف سياسة الحكومية في المجالات الاقتصادية بال?شوائية والمتخبطة إلى جانب سوء تنفيذها. كما أن للفساد والمفسدين في بعض مفاصل الجهاز الحكومي الحصة الأكبر من تخصيصاتها المالية ليبقى المواطن العراقي في نهاية المطاف عند خط الشروع الأول، في حلقة مفرغة، أبرز ملامحها ضياع الوقت والأموال المهدورة عبثا، أو التي تذهب إلى جيوب وخزائن المتنفذين في السلطة.
الأسر العراقية التي شردتها الأعمال الإرهابية وزادت من معاناتها حملات التهجير الطائفية من مناطق سكناها في بغداد وبقية المحافظات وفقدت على أثرها معيلها الوحيد, هي الأكبر من بين النسب والأرقام التي تتناولها الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية. إذ بقيت هذه العائلات طوال السنوات المنصرمة، وتحديدا منذ حمى الاقتتال الطائفي والى الآن تعيش ظروفا إنسانية قاسية على مستوى السكن والصحة والتعليم وغيرها من المتطلبات الأساسية للحياة الكريمة. ومما زاد من بؤسها تجاهل الحكومة وتقصيرها إزاء متطلباتها الإنسانية الملحة وانشغلت عن ?لبيتها وتأمينها بصراعات حزبية وسياسية وحتى شخصية بين أجنحة السلطة لكسب المزيد من المغانم غير المشروعة على حساب مأساة شعب بأكمله.
ويرى الإعلامي (حسين جبار السراي) أن تقصير الحكومة تجاه شرائح واسعة من الشعب العراقي تعرضت لأعمال إرهابية أودت بحياة معيلها الوحيد منذ أكثر من ست سنوات, قد أوصل العديد من هذه الأسر إلى هدر كرامتها وإنسانيتها نتيجة لمزاولة أبنائها أعمالا ومهنا قاسية جدا ومهينة في أكثر الأحيان من أجل تأمين متطلباتها الأساسية للعيش, مبينا أن نسبة كبيرة من هذه الأسر اضطرت تحت ضغط الفقر والحاجة إلى زج أطفالها للعمل في الشوارع بمهن لا تتلاءم وأعمار هؤلاء الصغار، وحرمتهم في نفس الوقت من فرصة التعليم في المدارس التي تركوها مضطرين ن?يجة لهذا الواقع المأساوي.
وأضاف السراي أن أحلام الطفولة لدى صغار هذه الأسر العراقية المنكوبة, تحولت من أحلام اللعب واللهو مع أقرانهم في ملاعب وساحات المدارس, إلى أحلام الحصول على مبلغ من المال يأتي عن طريق العمل الذي يزاولونه لتأمين قوت عائلاتهم الفقيرة التي تنتظر عودتهم كل مساء، مبينا أن الحكومة والبرلمان يتحملان قسطا كبيرا من هذا الواقع جراء الإهمال والتقصير إزاء شرائح واسعة من الشعب العراقي وجدت نفسها فجأة من دون معيل ولا دعم حكومي بسبب الإرهاب من جهة والصراعات السياسية على مغانم السلطة من جهة أخرى.
ويبيّن احمد المقدادي موظف في إحدى المؤسسات الإنسانية للإغاثة. أن أكثر الفئات التي تراجع المؤسسة للحصول على المساعدات الإنسانية, هي من فئة الأرامل اللاتي فقدن المعيل ويسكن في العشوائيات ويقاسين ظروفا إنسانية صعبة جراء الفقر والعوز وغياب الدعم الحكومي, مشيرا إلى أن المؤسسة تقدم مساعداتها إلى الأرامل اللاتي لا يحصلن على رواتب شبكة الحماية الاجتماعية وهن بأعداد كبيرة جدا. كما يوضح أن الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها هؤلاء الأرامل وأطفالهن الأيتام اضطرتهم إلى مزاولة أعمال قاسية وذات مردود مالي متدن لا يلبي م?طلبات الحياة الكريمة والمستقرة.
المقدادي أشار إلى أن مؤسسته تكفل حاليا حوالي 75 ألف يتيم من ذوي ضحايا الاعتداءات الإرهابية، وأكثر من 25 ألف أرملة في بغداد والمحافظات الجنوبية من العراق وجميعهن لا يحصلن على رواتب شبكة الحماية الاجتماعية بحسب ضوابط المؤسسة في تقديم المساعدات.

مساكنهم بيوت الصفيح

الى جانب سكن قسم كبير من هذه العائلات في بيوت الصفيح في العشوائيات المنتشرة داخل وأطراف المدن والأحياء السكنية في بغداد والمحافظات العراقية الأخرى ورغم قسوة العيش فيها نتيجة لغياب الشروط الإنسانية الضرورية داخلها إلا أن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد. إذ يعاني أطفال هذه الأسر وجلهم من الأيتام من أمراض خطيرة تعجز عائلاتهم عن علاجها بسبب ارتفاع تكليف أجور العلاج في العيادات الطبية الخاصة من جهة, وافتقار المستشفيات الحكومية للعلاجات المناسبة لمختلف الأمراض التي يعاني منها سكان العشوائيات من جهة أخرى.
تقول أم آية/ أرملة 39 سنة: أنها اضطرت للسكن في العشوائيات بعد مقتل زوجها على يد الإرهابيين في منطقة الغزالية وتهجيرهم منها تحت تهديد السلاح، مبينة أن زوجها كان يعمل سائقا بسيارة أجرة، ويوفر متطلبات العائلة وبفقده لم يعد أمامها غير السكن في العشوائيات بسبب عدم قدرتها على استئجار منزل يؤويها وأطفالها.
وتضيف أم آية أن التعويض الذي صرفته لها الحكومة عن مقتل زوجها كان بائسا جدا ولا يلبي ولو قسطا بسيطا من متطلبات المعيشة الأساسية. مضيفة أن المراجعات الطويلة لدوائر الرعاية الاجتماعية بصحبة أطفالها قد أنهكتها بسبب الروتين والمحسوبية وتحملتها على مضض من أجل الحصول على الراتب الشحيح لشبكة الحماية الاجتماعية.
أم آية وهي أم لطفلين لم يبلغا التاسعة من العمر ومصابين بمرض الربو ولم تدخلهما المدرسة بسبب ضعف حالتها المادية وعجزها عن توفير مستلزمات الدراسة, تطالب الحكومة بالاهتمام بشريحة الأرامل والأيتام وتخصيص رواتب مجزية لهم من اجل مواجهة متطلبات الحياة المعيشية التي تزداد صعوبة يوما بعد آخر, داعية في نفس الوقت نفسه إلى انتشال سكان العشوائيات من الأرامل وضحايا الإرهاب والتهجير من واقعهم المزري وتوفير سكن لائق يقضون فيه بقية أعمارهم التي أنهكها الإهمال في الحقبة الماضية والحالية.

فقراء حد العجز

وتمارس أغلب أطفال الأسر الفقيرة التي تسكن في العشوائيات, مهنة "الدوارة"، أي جمع العلب الفارغة لبيعها في ما بعد مقابل أجور بسيطة تكاد لا تلبي جزءا صغيرا من متطلبات العيش البسيط.
ويشير أبو محمود، مهجر من منطقة الحصوة الى أبي غريب. انه لا يجد مخرجا من حالته المعيشية الصعبة غير زج أطفاله الثلاثة في العمل بمهنة الدوارة بعد أن جعلهم يتركون مدارسهم، مبينا أن المردود المالي لعمل أطفاله في هذه المهنة الشاقة والمهينة يكاد لا يلبي أبسط متطلبات المعيشة ما دفعه للعمل هو أيضا برغم إعاقته. موضحا انه بدأ بصنع الطابوق "اللبن، بكسر الام" من الأتربة المحيطة بالعشوائية في منطقة الشعلة ببغداد ليبيع ما ينتجه الى سكان العشوائيات مقابل مبالغ بسيطة تساعده على تأمين بقية متطلبات أسرته.

حبر الدستور وعرق الفقراء

الدستور العراقي الدائم الذي صوت له الفقراء قبل غيرهم كونه يتضمن فقرات توفر حياة كريمة لهم ولأطفالهم, تحنطت فقراته المتعلقة بهم على صفحاته وأصبحت على شكل أحلام ينظرون لها بأمل أن تتحقق يوما. إذ ينص في فقراته التالية على تأمين حياة كريمة لجميع الموطنين ولا سيما الفقراء منهم:
تقول المادة (29):
اولاًـ
أـ الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمتها الدينية والأخلاقية والوطنية.
ب - تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.
ثانياًـ للأولاد حقٌ على والديهم في التربية والرعاية والتعليم، وللوالدين حق على أولادهم في الاحترام والرعاية، ولا سيما في حالات العوز والعجز والشيخوخة.
ثالثاًـ يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصوره كافة، وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم.
وتنص المادة (30) على:
أولا تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ كريمةٍ، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم.
ثانياًـ تكفل الدولة الضمان الاجتماعي للعراقيين في حال الشيخوخة او المرض أو العجز عن العمل او التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم ذلك بقانون.
وتقول المادة (33):
اولاً ـ لكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة.

خاتمة

تجاهل مطالب الشرائح الاجتماعية المتضررة من العمليات الإرهابية وحملات التهجير الطائفية في انتشالهم من واقعهم المتردي خلق ويخلق لها المزيد من المعاناة الإنسانية.. هذه الفئات من المجتمع العراقي تنتظر من يبادر إلى إعادة تأهيلها اقتصاديا واجتماعيا وحتى نفسيا جراء الظروف القاهرة التي مرت وما زالت تمر بها.. فالفقر والعوز والمرض والحرمان وفقدان الأمل بالمستقبل من أبرز الملامح التي ترتسم على وجوه الفقراء في العشوائيات وتؤطر حياتهم المرتبكة. فهل من مجيب؟!