مدارات

في استقبال الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب : الرفيق صالح زغير- أبو رسول: الوطنية الحقة تلهب حماس الجماهير الشعبية / احمد الغانم / سالم الحميد

في الذكرى الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي .. الذي كان له الدور الريادي الكبير في النضال الطبقي والوطني، وتحريك الوعي الجماهيري وتعريف الكادحين بحقوقهم من خلال تأسيس النقابات والاتحادات الطلابية والشبابية والفلاحية والنسوية لاستقطاب أكبر عدد من الجماهير، لتعريفهم بحقوقهم والتعبير عن آرائهم بجرأة ..إزاء هذا جرت محاولات تشويه كبيرة لتغييب دور الحزب النضالي وطمس الحقائق أو تشويهها وتجريده من تاريخه، من قبل بعض السلطات الرجعية الدكتاتورية وبعض الاحزاب وخصوصا الحملات التي قادها حزب البعث المقبور أتذاك وإصدار عدد من الدراسات والكتب ومنها كتاب أضواء على الحركة الشيوعية في العراق بأجزائه الخمسة.
والذي كشف عن سذاجة الطرح والمغالطات الكثيرة فيه. لقد ثبت وبالملموس وبشكل قاطع- ان الحقائق لا يمكن طمسها مهما فعل أعداء الحزب. فقد لعب الحزب الشيوعي دورا مهما وكبيرا في صناعة التاريخ العراقي وساهم في تطوير الحركة الوطنية منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا، وهو دور لا يمكن إغفاله او تجاهله .. حيث اضطلع بمهمات جسام غيرت مسار التاريخ , ولم ينل الحزب جراء ذلك غير السجون والإعدامات والتشريد حيث كانت الضريبة الواجب دفعها لترسيخ مبادئ العدالة الإنسانية وتحقيق أهدافه الوطنية والاجتماعية. عرفنا هذا من خلال السير الذاتية البط?لية لمناضليه أو ما كتب عنهم ..الرفاق فهد وحازم وصارم والرفيق سلام عادل ، عبد الجبار وهبي وجمال الحيدري والرفيق عبد الرحيم عجينه وغيرهم.
في الذكرى الثمانين لميلاد الحزب توجهنا لتحفيز ذاكرة عدد من المناضلين الذين كانوا يعملون بعيداً عن الاضواء. فكان لنا هذا الحوار مع صالح زغير – ابو رسول.
حيث توجهنا إلى بيته في مدينة الصدر /الحبيبية وكان في استقبالنا هو وزوجته أم رسول .. والابتسامة لا تفارق وجهيهما حيث طيبة الشيوعيين وحبهم للناس تلقي بظلالها عليهما) . صالح زغير حبيب الساعدي (أبو رسول ) مواليد 1932 انتمى للحزب عام 1958 مناضلا مقداماً تشرب حب الوطن والحزب وعظيم مبادئه ورغم ما تعرض له من اعتقال وتشريد وتعذيب ..إلا أنه بقي وفيا لتلك المبادئ وحتى لا يتشعب الحديث خصوصا أنه يمتلك ذاكرة خصبة رغم كبر سنه ومرضه.

سألته «طريق الشعب» عن أهم المحطات التي مرت في حياته؟

إنها سيرة نضالية امتدت لسنين طويلة قبل انتمائي للحزب بسنوات حيث كانت أولى بذرات الوعي الوطني قد زرعت بداخلي ..بداية النضال انطلقت شرارتها وأنا في ريعان شبابي .حيث شاركت في تظاهرات عام 1956.
كيف شاركت في تلك التظاهرات؟

كنت أعمل في شارع الرشيد في شركة الربيعي تعرفت على بعض المناضلين، وكان لهم تأثير علي باتجاه تنمية وعيي الطبقي وحسي الثوري . وقد انعكس هذا التأثير على مشاركتي في هذه الانتفاضة التي عمت العراق احتجاجا على العدوان الثلاثي على الشعب المصري وشاركت في التظاهرات الجماهيرية والإضرابات العمالية. وكان لنا دور كبير في تأجيج الشارع العراقي وتأليبه ضد العدوان. ولما انتهى العدوان الثلاتي بالفشل الذريع . كان أحساسا بالزهو حيث أننا انتصرنا لقضية عادلة. كانت فرحتنا لا توصف.

هل هناك محطات أخرى في تاريخك النضالي، في العهد الملكي؟

سارت الأمور بعد ذلك بشكل لم يترك أثرا كبيرا في حياتي حتى ثورة الرابع عشر من تموز والتي أعتبرها مرحلة النضج السياسي .وبداية النضال الحقيقي.لكن أهم المحطات التي مرت بي .... هي ثورة 1958، وانقلاب 1963.. ومن ثم الحكم العارفي وبعده انقلاب 1968 ومرحلة الجبهة و تداعيتها.

لنبدأ من ثورة 1958..

كنت عسكريا في اللواء التاسع عشر الذي قاد ثورة الرابع عشر من تموز بقيادة الشهيد عبد الكريم قاسم ..بعد الثورة كنت عضوا في الحزب الشيوعي العراقي ..وكنت عضوا في أول نقابة . مع المرحوم علي شكر والرفيق الراحل عبد الأمير عباس والرفيق إبراهيم الياس عضو اللجنة المركزية وبعد ذلك انتمى للنقابة المرحوم مجيد مطر وصالح سريان وآخرون كانت نقابة السكك الحديدية النقابة التي كان لها دور كبير في قيادة العمل النقابي كنت عاملا في معامل الشالجية حينها. وللتاريخ أن معظم المنظمات الجماهيرية والاتحادات والنقابات كانت بقيادة الشيوعي?ن. ولما كان الحزب الشيوعي هو الممثل الحقيقي والمعبر عن مصالح الجماهير وكان تأثير هذه النقابات والاتحادات على مجمل التغييرات والمنجزات التي حصلت أبان الثورة واضحا .. ولما لم يكن من مصلحة الحركات الرجعية والقوى الانتهازية في الحكومة .. أن تتبوأ هذه النقابات الصدارة في نضال الجماهير لذا حاولوا أن يلتفوا عليها ويهمشوا نضالها بعد أن زوروا نتائج الانتخابات . وبالفعل تم لهم ذلك حيث جاءت نقابات صفراء، وزوروا إرادة العمال بعد أن سيطرت العناصر الانتهازية على المنظمات الجماهيرية عن طريق القوائم المستقلة ولم يكتفوا ب?لك .بل جرت حملة مطاردات وفصل جماعي وطرد من العمل وتقديم إلى المحاكم العرفية .. جرت عمليات قمع كبيرة للنقابيين ..استمرت حتى عودة الرفيق علي شكر رئيس الإتحاد العام لنقابات العمال من الخارج عندها كتب في اتحاد الشعب إلى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم قائلاً لقد عاد السوط يلهب ظهورنا من جديد. في هذه الفترة تم اعتقالي مع عدد من العمال النقابيين كان بينهم الرفيق الراحل عبد الأمير عباس (أبو شلال) وإبراهيم الياس .. لم تثنني تلك الملاحقات والمطاردات والاعتقالات والتجويع عن إكمال مسيرتي النضالية، لا بل زدت إيمانا بأن ا?طريق الذي أسير به هو طريق حق حتى وإن كان مليئاً بالصعاب.. كان صراعا طبقيا واضحا بين الجماهير الكادحة وقواها الثورية صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة وبين القوى الرجعية والبرجوازية ألتي تريد إرجاع عجلة التاريخ للوراء .. هذا الصراع ظل مستمرا حتى تكالبت القوى الظلامية على ثورة الرابع عشر من تموز، وأجهزت عليها عام 1963.

صار الحزب أمل الجماهير الكادحة وأصبحت أعداد مناضليه بازدياد مطرد، لكن قوى الاستعمار لا يعجبها هذا التنامي لذا كان لابد من أن توجه ضربة قوية للحزب ..كيف كان تأثير هذه الضربة على الحزب و جماهيره؟

تحسر الرفيق وتغضن جبينه وعلامات من الأسى غطت محياه، انقلاب شباط الفاشي، الانقلاب الأسود، بقيادة البعث والقوميين والمحيط الاقليمي ورجال الحرس اللاقومي تلك العصابات الدموية أحالوا العراق إلى نهر من دم ..وأصبحت الاعتقالات الكيفية والإعدامات السمة البارزة لحكمهم .. عند سماعنا بهذا الانقلاب الفاشي الرجعي على الثورة ومنجزاتها .. خرجت جموع الكادحين والفقراء من عمال وكسبة وكل الوطنيين في بغداد في منطقة الصرايف خلف السدة لمقاومة الانقلابيين. ومنطقة الشاكرية ..لتمتد الشرارة إلى شارع الرشيد وساحة التحرير. والحقيقة ك?نت المقاومة بطولية وعنيفة ولكن الآلة العسكرية للانقلابين كانت أقوى من شعب أعزل .. لذا صدرت أوامر من قيادة الحزب على أن ننسحب من الشارع وتم الانسحاب عصرا، حيث لا جدوى من المواجهة المباشرة ..

هل كان هناك نشاط ملحوظ بعد الانقلاب خصوصا وأن الكثير من أعضاء الحزب قد انفرطوا من عقد الحزب، منهم من كان في المعتقل ، أو أستشهد ، أو اختفى عن الأنظار؟

بعد الانقلاب بأيام بادرت إلى جمع ما تبقى من التنظيم .. في محلية الصرائف خلف السدة وباب الشيخ التي انتهت تقريبا إلا من أعداد قليلة مختفية عن أعين «الحرس القومي» منطقة الكفاح وبغداد الجديدة والكرادة.. ساهمنا في انتفاضة 3 تموز مع الجناح المدني مع محمد حبيب (أبو سلام) .. وكان حلقة الوصل معنا الرفيق محمد الكردي تجمعنا في بيت احد الرفاق في3/7/1963 وكان الجميع مستعدين للمساهمة فيها، ولقد طال انتظارنا حتى الصباح، اذ عرفنا أن الانتفاضة فشلت بعد أن قاوم الثوار حكومة البعث يوما بكامله تفرقنا بعد ذلك .. كانت الصلات فر?ية وتحيطها السرية والكتمان للمحافظة على التنظيم وكنا حذرين .جدا . لم يكن الوضع هينا .كانت أخبار الرفاق الذين استشهدوا تصل إلينا. وكان كل ذلك يزيدنا عزما على مواصلة الطريق . أعدم الرفيق سلام عادل والرفيق جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وأبو سعيد .ليظهر مركز قيادي جديد للحزب كاظم الصفار وإبراهيم الياس اللذين كانا عضوين في نقابة السكك. شاءت الصدفة أن ألتقي مع الرفيق إبراهيم الياس في منطقة بغداد الجديدة .. قال لي الرفيق: أن الحزب موجود ولم ينته .. واعتبر نفسك على اتصال بالحزب من هذه الساعة . واصلنا العمل لجمع ?لتنظيم في بغداد/ الرصافة والكرخ والاتصال بالرفيق الشهيد نوري كامل العاني ووالده كامل العاني من تنظيم السكك سابقا. وفي الجنوبية، البصرة، تم الاتصال بالرفيق الشهيد أمين حسين الخيون (أبو جماهير) وهو من تنظيم السكك أيضا ورحل إلى الجنوبية البصرة لقد تمت تصفية الرفيق البطل على أيدي زمر البعث في منطقة الكاظمية، لم تهن عزيمتنا ، لم نعمل على إعادة التنظيم، بل كنا مصرين على توسيع التنظيم في بغداد وجمع رفاقه .اطلعنا على ملاحظات الرفيق سلام عادل وكنا نعمل وفق تلك التوجيهات قبل اعتقاله واعدامه. أكتشف البيت الذي كنا ن?تمع فيه ..وهو البيت الذي كان يسكنه الرفيقان الياس والصفار ,و قبض على صاحب البيت وولده من قبل الحرس اللاقومي. انتقلنا بعد ذلك إلى بيتي في الصرايف خلف السدة .. حيث تحول إلى مقر للتنظيم الجديد، كانت عائلتي موجودة ..تم عقد أول اجتماع لنا بعد 63 والذي ضم الرفاق ..إبراهيم الياس، الراحل زين العابدين (ابو نضال) والشهيد عبد الأمير وتركي حسن وأنا .. كانت الاجتماعات محاطة بالسرية والكتمان، لا تذكر الأسماء الصريحة ولا القوى التنظيمية .. ورغم هذا الجو القاتم والملبد بغيوم الحذر، إلا أننا كنا نتلمس فسحة أمل من خلال عملن? .. إنظم إلينا بعد ذلك .. الرفيق الراحل عبد الأمير عباس (أبو شلال) عضو منطقة بغداد عامل سكك .. وتم الاتصال بمنظمة النجف عن طريق الرفيق الشهيد جواد عطية (أبو حازم) وكانت شقيقة الرفيق جواد هي ساعي البريد الذي يوصل الرسائل بين منظمتي بغداد والنجف، إذ كانت تأتي لبغداد بين فترة وأخرى. برفقة عمتها.

ما حكاية الطابعة التي قمت بنقلها لوحدك؟

كلفت من قبل الحزب لجلب (جهازي طبع رونيو) من منطقة الكاظمية .. لم تكن بالمهمة السهلة لكن تطوعت لها ..رغم انتشار مجاميع الحرس اللاقومي في كل مكان ..إن هذه المهمة رغم صعوبتها لكني شعرت بالفخر لاختياري لتنفيذها ،(لا بد أن أقوم بها كنوع من التحدي واثبات الذات) هكذا دار في خلدي وأنا اتجه صوب الكاظمية. وفي الساعة واليوم المعلومين اللذين حددا لي وحسب إشارة خاصة اتفقنا عليها، ذهبت وأنا موقن بأني سأنجح بمسعاي، وجدت احد الرفاق الذين سبق وأن تعرفت بهم، كان سائقاً في جريدة اتحاد الشعب قبل 63 ودون أن يدور حديثا بيننا أر?دني إلى المكان الذي فيه الجهازين.. كانا موضوعين في كارتون كبير لتلفزيون باي ، أوصلني الرفيق بسيارته الخاصة حسب الاتفاق إلى الشارع العام والذي لا يبعد سوى مائتي متر ثم تركني لمصيري .. استأجرت سيارة أجرة تكسي إلى منطقة الصرائف. وحين حاولت حمل الكارتون كان ثقيلا جدا لذا طلبت من السائق مساعدتي ..مما أثار حفيظته فاستفسر عن سبب ثقله .اكتفيت بجواب مقتضب ..ليمضي السائق بعد ذلك صوب منطقتنا كنت أنظر إلى الشوارع وهي مزروعة بمفارز الحرس اللاقومي حيث يقومون بتفتيش السيارات والأفراد ..قبل أن أدخل منطقتنا كانت هناك مفرزة .. توجست خيفة منهم .. أدركت أن دخول السيارة إلى المنطقة .. معناه اعتقالي ومصادرة الجهازان ، لذا قلت له: ( زوجتي تنتظرني نسيت أن أصطحبها معي .. فأرجو العودة بي من الشارع الآخر لجلب زوجتي و للتخلص من الزحام ..شممت رائحة الخطر وتلافيت الموقف بسرعة، كان الرفيق الراحل أبو نضال .. ينتظرني بقلق وخوف من أن يقع الجهازان بأيديهم. ومن الطريف أنه كان يحمل قطعة قماش نسائية بيده أثارت انتباهي .. ناديت عليه وكأنني لا اعرفه و قلت له: ( يا ولد بلكت أتساعدني ) أنزلنا الكارتون .. وانقدت السائق .. سألت (أبو نضال) ( ماذا تفعل?بقطعة القماش هذه ) قال أن أحد رفاقنا المطاردين قد تزوج في بيت من بيوت الرفاق سرا .. وهذه القطعة هدية لهما بلغته مباركتي لهما .. سلمت الأمانة إليه ودعني ..ولا أعرف إلى أي جهة أوصلها بعد ذلك.

ما الذي فعلتموه للم شمل المتبقي من الحزب والذين لم يقعوا بأيدي البعث؟

كانت مهمتنا الأساسية آنذاك جمع التنظيم وسط هول ما لاقاه من ضربات موجعة .. حلقة الوصل بين التنظيم في بغداد وباقي المحافظات هو معمل حلويات في جميلة تعود ملكيته لشقيق من أشقاء رفاقنا كان دليلا لاستقدام الرفاق من المحافظات ومن بين الذين وصلوا إلينا عن هذا الطريق كان الرفاق جاسم الحلواني والرفيق كاظم فرهود وعدد آخر من الرفاق لا تحضرني أسماؤهم..

ما قصة الطيارين الأربعة؟

كلفت من قبل الحزب بجلب أربعة طيارين .. كانوا مسجونين في نقرة السلمان تم ترحيلهم إلى مستشفى الديوانية لأغراض العلاج، ومنهم الضابط الطيار عبد النبي ملازم أول تم تهريبهم من المستشفى ليتم تقريبهم من حدود بغداد بغية إيصالهم .. جلبنا لهم هويات مزورة وبأسماء مستعارة، أدخلناهم إلى بغداد .كانت مجازفة كبيرة .. تتطلب جرأة وشجاعة نادرة .. أجرت لهم بيتاً مقابل ثمن في المشتل عائد لأحد الشيوعيين هو الشاعر المرحوم جاسم الربيعي ... أضاف بعد ذلك : بعد أن توسع التنظيم وازدياد عدد الرفاق تم تشكيل محليات جديدة، تم توزيع التنظيم محليا حيث تم نقلي إلى محلية الثورة لأول مرة وكنت أنا أول عضو محلية في المنظمة، وكانت الصلة فردية .. حيث كان يتصل بي رفيق من بغداد. ساعدنا الحزب حينها بكوادر من منظمة بغداد ومن خارج المدينة، من بينهم الشهيد عزيز حميد لغرض تقوية التنظيم ..اشتد عود المحلية وخرجت الكثير من الكوادر .. ولأهمية محلة الثورة كان الإشراف عليها من قبل الرفاق في اللجنة المركزية والمكتب السياسي إشرافا مباشرا .. كان لمحلية الثورة الدور البارز والفعال بين الجماهير خصوصا في الأعمال الجماهيرية.

قاد عزيز الحاج إنشقاقاً ضد الحزب في 1967، ما تأثير هذا الانشقاق على عموم الحزب ومحلية الثورة؟

الانشقاق الذي قاده عزيز الحاج وبعض من مناصريه في منظمة بغداد في ايلول 1967 كان بسبب عدة عوامل مجتمعة . فبعد خسارة العرب في حرب 1967 ولد شعور بالإحباط عند الكثير من المثقفين والسياسيين وعموم الجماهير .وبسبب العواطف الثورية والجزع السياسي . حيث برزت العديد من الآراء التي تريد الخلاص من الأنظمة الدكتاتورية والرجعية . وقد انشق عزيز الحاج بحجة عدم جدوى النضال السياسي السلمي أمام هذه الحكومات القمعية ..اضر هذا الانشقاق بالحزب كثيرا، حيث انضم إلى المنشقين عدد كبير من الرفاق الشيوعيين وكذلك الكثير من منظمة الثورة بسبب العلاقات الحذرة السائدة في اعادة بناء المنظمات. وحتى قسم من أعضاء المحلية, ولم يبق من التنظيم إلا أنا (ابو رسول) والرفيق مفيد المعروف بالحاج أعتقد إسمه هادي الحكيم وعدد قليل من القاعدة إضافة إلى سكرتير المحلية عبد الأمير عباس (ابو شلال) وعبدالخالق زنكنه الذي كان يعاونه. سرعان ما اتضحت رؤية وسلامة موقف الحزب من الاحداث، وعاد الرفاق للحزب. في28/ 1/ 1968 تم اعتقالي أنا واثنين من المحلية عن طريق وكيل الأمن الذي كان في حلقة الأصدقاء.. ولم يطلق سراحنا إلا بعد انقلاب 1968.. حيث أطلق سراح المعتقلين السياسيين? ومن ثم جرى إعادة المفصولين السياسيين وعدت ضمن العائدين إلى السكك .. في معمل الشالجية حيث ساهمت مساهمة جادة مع الرفيق جميل ياسين (ابو حازم) في جمع وتطوير التنظيم .. وتوسيع القاعدة الحزبية في السكك .. والنفط ، والمشاريع الكبرى ومصانع أخرى .... استمر نضالنا بلا هوادة حتى بعد أن شن البعث هجمة شرسة كانت بدايتها إعدام العسكريين الذين اتهموا أنهم موالون للحزب الشيوعي ومنهم بشار رشيد .. بدأت الحملات تأخذ إطارا أكثر عنفا. حتى تم اعتقال أعداد كبيرة من الشيوعيين على خلفية إصدار حزب البعث قرارا يقضي بإعدام كل من كان عسكريا سابقا وثبت انتماؤه لأي حزب ماعدا حزب البعث، اعتقلنا جميعا بعد سقوط البعث ونهايته على أيدي القوات الأمريكية.

.. وبعد؟

هناك الكثير من المناضلين الذين التقيتهم بعد انهيار النظام وسقوط الصنم، كنا كباراً في السن ولكن فرحتنا كبيرة بلقاء الاصدقاء والرفاق الذين باعدت بينهم الظروف بقساوتها، تذكرنا تلك الايام واساليب التثقيف التي تفضل الحزب بارسائها وفق تقاليد معروفة تعلمنا النقاشات والاصغاء وحب الوطن والدفاع عن الفقراء وتذكرنا الاضرابات التي ارعبت الحاكمين، لقد كان الحزب ولا زال القدوة المضيئة والمتقدة حيث صوتنا وروجنا للتصويت لقائمته في الانتخابات. الآن لا استطيع التواصل مع التنظيم بسبب مرضي ولكبر سني ..
أما أم رسول رفيقة دربه التي بادرناها بالسؤال التالي:

ماذا تقولين بعد هذا العمر الحافل وحالات التشرد الدائم والاعتقال والخوف؟

ضحكت وقالت: كيف لي أن أندم .. وأنا عارفة بأن نضال زوجي هو من أجل الوطن .. ومن أجل الفقراء والكادحين .. ثم تضيف: أنا انتقلت بيوم واحد إلى خمسة بيوت في مناطق مختلفة حيث كان زبانية النظام يراقبونني بحثا عن خيط يدلهم على (أبو رسول) ورفاقه في الوكر الحزبي. مرة جاءت مفرزة إلى بيت (أخو أبو رسول) تبحث عنه فقالوا: هذه زوجته.. قلت له أنا امرأة جئت لفاتحة أحد أقربائنا المتوفين .. لكنهم كانوا مصرين على إني زوجة (أبو رسول) لولا أحد معارفنا الذين كانوا ضمن المفرزة .. فأكد لهم أنني لست زوجة (أبو رسول) ولولا ه لكانوا اعتقلوني .. كان الرفاق الشيوعيون الهاربون من بطش النظام كأ فراد من اسرتناواستضفنا الكثير منهم في دارنا.
طوينا أوراقنا وخرجنا بعد توديع حار وتمنيات للحزب بالتقدم والازدهار وتحقيق أهداف الجماهير الواسعة من الكادحين.