مدارات

بغداد والمحافظات تحت مدرار المطر / علاء الماجد , عباس داخل حسن

تعرضت بغداد في الأسبوع الماضي إلى موجة أمطار شديدة تسببت بغرق الاحياء السكنية والشوارع العامة والازقة ، وعدد من الدوائر والمؤسسات الحكومية ، ما اضطر الحكومة الى اعلان تعطيل الدوام الرسمي ليومين متتاليين . وتسبب ذلك بقلة حركة المواطنين وانشغال عدد كبير منهم بمعالجة آثار الأمطار لبيوتهم التي تضررت كثيرا.

مليارات الدولارات انفقت ولم نلمس تحسناًفي اي مجال, بل الامور في انحدار نحو الاسوأ, واذا استمر هذا الانحدار فلن يطول صمت الشعب..

كما أدت الأمطار كذلك الى غرق العديد من الشوارع وتعطل سير المركبات، وأحدثت اختناقات مربكة في العديد من التقاطعات وكذلك إلى تعطيل عمل الأسواق ومحلات بيع الفواكه والخضر.
وبرغم توقف الامطار، فأن العديد من شوارع وازقة بغداد مازالت غارقة، برغم الجهود التي تبذلها اجهزة أمانة بغداد ومحاولاتها تصريف مياه الأمطار دون جدوى، وهو أمر أدى الى تذمر الكثير من المواطنين الذين تضرروا بسبب الفيضانات وإهمال أمانة بغداد وعدم قدرتها على مواجهة هذه الفيضانات .

انهيارات وصعوبة تنقل

 قال المواطن ضياء ثائر من اهالي ناحية الجسر "إن منزلي تعرض لشبه انهيار وانا الان انتظر جفاف أرض المنزل قبل إعادة ترميمه".
واضاف "إن الأدوات والأجهزة المنزلية تعرضت لتلف كبير، كما ان سيارتي غمرتها المياه، وأنا الآن أحاول رصد الأعطال الميكانيكية فيها لكي أحدد مصيرها وما إذا كانت قد تعرضت لتلف كامل .
سعد حنون، مواطن، أشار الى "إلى صعوبة التنقل في المناطق التي تعرضت للغرق بسبب إغلاق الشوارع الرئيسية في أكثر المدن التي شهدت هطول الأمطار، اذ تحولت الشوارع والساحات العامة إلى بحيرات بسبب عدم قدرة شبكات المجاري على استيعاب مياه الأمطار التي استمرت في التساقط أكثر من 20 ساعة، الأمر الذي دفع بالحكومة إلى إعلان الأربعاء الماضي عطلة رسمية".
وانتقد سعد عدم إيلاء مشاريع المجاري الأولوية والتركيز على مشاريع قد لا تهم المواطن أو تمس حياته وأمنه واستقراره مباشرة .

مشاريع ولكن !!

وحول عجز دوائر الأمانة عن معالجة المشاكل الناجمة عن غزارة الأمطار، قال نعيم عبعوب أمين بغداد بالوكالة:» إن لدى الأمانة سبعة مشاريع في جانب الكرخ، وخمسة أخرى في جانب الرصافة من العاصمة بدأت منذ عام 2008"، وأشار إلى وجود خلافات قانونية حول بعض الأراضي المحتاجة إلى التأهيل.
وأوضح عبعوب «أن المشاريع المتعلقة بالبنى التحتية غالبا ما تحتاج إلى عدة أعوام لإنجازها وأن جانب الرصافة من العاصمة تعرض لضرر أكبر مقارنة بالكرخ، بسبب كثافة السكان، وكون شبكة مجاري الكرخ أحدث من نظيرتها في الرصافة «.

إقالة أمين بغداد

وبسبب عدم قدرة امانة بغداد على احتواء هذه الكارثة والتعامل مع هذا الملف منذ سنوات عديدة، وعدم إقامة مشاريع كبيرة للصرف الصحي، فان عدداً من المواطنين دعوا الى إقالة امين بغداد وكبار المسؤولين في الأمانة.
ونتيجة هذه الامطار الغزيرة اضطرت الكثير من العوائل الى ترك بيوتها بسبب غرقها بمياه الامطار التي اختلطت بمياه الصرف الصحي، ودعا عدد من المواطنين الذين تضرروا بمياه الامطار الى أقالة ومحاكمة كل الاشخاص المسؤولين عن تردي الخدمات، ومكافحة الفساد في كل دوائر الدولة، والخدمية منها على وجه الخصوص .
ورغم اعلان امانة بغداد عن مشاركة اكثر من (500) آلية تخصصية كالشافطات والصاروخيات والعجلات الحوضية الى جانب نصب مئات المضخات مختلفة الاحجام وتشغيل محطات المجاري بكامل طاقاتها التصميمية،في عملية تصريف مياه الامطار لكن المياه مازالت تغرق الكثير من شوارع بغداد وازقتها .

اغطية المنهولات

ويبدو أن ظاهرة ترك منهولات شبكة المجاري وتصريف مياه الأمطار بلا أغطية والتي ساهمت بانسداد عدد من هذه المنهولات، وتراكم المياه حولها، أصبحت شاخصة مما ( زاد الطين بله ) ، وهذه الظاهرة باتت مألوفة لدى أمانة بغداد ودوائرها البلدية أيضاً وشملت اغلب الشوارع والأحياء السكنية .
وهذا الامر لا يقتصر على الشوارع الثانوية والأحياء السكنية , وإنما شمل الشوارع الرئيسية في العاصمة بغداد كذلك!.
المواطن/ عادل شنته / أشار إلى أن العديد من الشوارع تخلو من أغطية للمنهولات, سواء أكانت هذه المنهولات صغيرة تقع بالقرب من الأرصفة أو كبيرة تتوسط الشوارع في الأحياء السكنية, مؤكدا أن المناشدات العديدة للدوائر البلدية في سبيل تغطية هذه الفتحات بأغطية نظامية لم تثمر شيئا مما تركها عرضة للانسداد، وهذه نتائجها، ازقة تحولت الى انهار، وبيوت غارقة بمياه الامطار والمجاري . وطالب شنته « بان تجري أمانة بغداد في فترات متقاربة حملات لتغطية المنهولات المكشوفة بأغطية حديدية كي نتفادى حصول انسدادات كما حصلت الان، وأن تجري معاقبة المقصرين في الدوائر البلدية واتخاذ إجراءات شديدة بحقهم لتدارك حصولها مستقبلا, وان تكثف أمانة بغداد من حملاتها لتركيب أغطية حديدية فوق فتحات المنهولات المكشوفة بطريقة يصعب معها رفعها من قبل العابثين".
وقال المواطن موسى سلام الفريجي « أن دوائر البلدية لاتعمل على صيانة شبكات المجاري خلال فصل الصيف، في سبيل الاستعداد لفصل الشتاء ومواجهة الامور الطارئة في تحولات الطقس ومنها الامطار».
مطالبا «باهتمام اكبر من أمانة بغداد وأن تبذل جهدها للقيام بحملة واسعة لتنظيف شبكات المجاري، والاسراع بتنفيذ المشاريع الستراتيجية المتعلقة بتصريف مياه الصرف الصحي ومعالجة الفساد في هذه المشاريع" .

مشاركات

وقد شاركت الهيئة العامة لتوزيع المشتقات النفطية احدى تشكيلات وزارة النفط باسناد امانة بغداد بـ (47) عجلة حوضية مع (6) ديزلات كبيرة الحجم لسحب مياه الامطار من مناطق الشعب والصدر والغدير وقيام وزارة الموارد المائية بنصب ديزلات ضخمة لتصريف مياه الامطار الى قناة الجيش الى جانب الجهد الهندسي لقيادة عمليات بغداد.
وتواصل الملاكات الفنية والهندسية التابعة لامانة بغداد عملها منذ عدة ايام من اجل الاسراع في عملية تصريف مياه الامطار وتخفيف المعاناة عن اهالي مدينة بغداد الى جانب جهود ادامة المحطات وتجهيز الوقود وصيانة الاليات .

الفيسبوك

وقد أثارت أزمة غرق اغلب شوارع العاصمة بغداد الكثير من التعليقات الساخرة ونشر الصور التي تعبر عن ذلك، اذ دأب متصفحو تلك المواقع على نشر صور للعاصمة ولشوارعها التي امتلأت بمياه الامطار مكونة بركا ومسطحات مائية كبيرة في اغلب شوارع العاصمة، أدت إلى اختفاء الجزرات الوسطية والأرصفة وشلت حركة سير العجلات والمارة . وعلق عدد من المواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) على الوضع الذي تمر به العاصمة كمتنفس عن المعاناة، ولكن بشكل مزاح وسخرية، وعلق بعضهم "ان بغداد أغرقها الفساد قبل ان تغرقها مياه الأمطار، تلك القطرات غسلت الأحياء والجمادات معا لكنها فشلت في تنظيفهم".
وحملت احدى الصور المنشورة من قبل احد المشتركين تعليقا يقول (لن نستسلم نتسلق او نغوص)، ولم تخل الصفحات من المواقف الوطنية اذ نشرت صورة لرجل مرور وهو يحاول فتح إحدى فوهات شبكات تصريف المياه لتسهيل حركة المرور، ولاقت هذه الصورة اعجاب الكثيرين لهذا الرجل وتصرفه الوطني الذي كان بهدف الخدمة وليس للدعاية. كما تعددت وسائل النقل والأشياء المستخدمة لعبور المواطنين الأرصفة والشوارع، منهم من استخدم عربات الدفع ومنهم من استخدم الألواح الخشبية كزوارق ومنهم من استخدم أغلفة الثلاجات القديمة لنفس الغرض.

تعويضات

وكانت محافظة بغداد قد اعلنت الاسبوع الماضي، عن تشكيل لجنة خاصة لتعويض متضرري الامطار الاخيرة،وقال محافظ بغداد "انه تمت مخاطبة الامانة العامة لمجلس الوزراء بتخصيص مبالغ مالية من اجل تعويض مواطني العاصمة ممن تعرضت منازلهم وممتلكاتهم الى التلف جراء سيول الامطار التي اجتاحت عدداً كبيراً من مناطق واحياء العاصمة بغداد".
واكد التميمي "ان امانة مجلس الوزراء خصصت مبلغ 100 مليار دينار تسلمت المحافظة 75 مليار منها وزعت كتعويضات على متضرري الامطار، مؤكدا مخاطبة المحافظة للامانة العامة ولاكثر من مرة من اجل اطلاق 28 مليار دينار لتعويض باقي المتضررين حيث يوجد في المحافظة عدد كبير من المعاملات لهؤلاء تم انجازها وسيتم تعويضهم حال اطلاق مجلس الوزراء للتخصيصات".
واعلن "عن تشكيل خلية ازمة في المحافظة لمواجهة اي طارئ عبر استنفار جميع اليات المحافظة الى جانب الاستمرار بدعم باقي الدوائر الخدمية وامانة بغداد من اجل تحدي الازمات وتخليص المواطن البغدادي من فيضانات جديدة حسب رصد الانواء الجوية التي تشير الى احتمال كبير لهطول الامطار خلال هذا الاسبوع" .
وحول التصريحات الاخيرة لامانة بغداد قال المحافظ "اننا وجهنا انتقاداتنا لامانة بغداد وهي ليست اتهامات حسب وصفهم للحالة وانما كانت انتقادات لعمل الامانة وحول ضعف ملاكاتها وكوادرها في مواجهة الازمات التي شهدناها على ارض الواقع من خلال تجربة الامطار الاخيرة التي اجتاحت العديد من مناطق العاصمة وتسببت باضرار مادية كبيرة وبشرية الى جانب التلكؤ الواضح بعدد من المشاريع المهمة والمؤمل انجازها خلال العامين الماضيين حسب تصريحات الامانة".

تبريرات

وقال عضو لجنة الخدمات جواد الحسناوي "ان مياه الامطار كانت اعتيادية الا ان الذي حصل ان استعدادات الأمانة لم تتجاوز الصفر بالمئة وقدم شبكات الصرف الصحي".
وأشار الى «ان العديد من دول العالم شهدت فيضانات ولم تغرق ولديها ميزانيات اقل من الموازنات المرصودة للخدمات في بغداد".
وأوضح ان العاصمة مقبلة على كارثة قد تغرق بها بغداد وذلك لبقاء مياه الامطار السابقة وتوقعات بموجة امطار خلال الأيام المقبلة وسط تقاعس الدوائر المختصة عن أداء دورها.
وأضاف "ان في كل عام تبرر الأمانة بنفس الأسباب رغم ان معدلات الامطار طبيعية الا ان امانة بغداد لا يوجد لديها أي خطوط طوارئ اضافة الى قدم شبكات الصرف الصحي وعدم وجود أي صيانة لها خلال فصل الصيف «.

تأجيل

وكان مجلس النواب قد أرجأ جلسته الاعتيادية الأربعاء إلى الثامن من الشهر المقبل بسبب صعوبة وصول موظفي المجلس بعد إغلاق معظم شوارع العاصمة، وقال نواب في تصريحات صحفية إن هيئة الرئاسة أبلغتهم بقرار التأجيل.

نعمة حولوها إلى نقمة؟

المطر نعمة والإنسان يحيي بها أراضي وتسقى بها المحاصيل التي تعتمد على مياه الأمطار، ونتيجة لتعرض منطقة الخليج العربي وجنوب العراق الى منخفضين جويين من البحر الأحمر والبحر المتوسط أدى إلى تساقط نعمة المطر وبشكل كثيف، لكن هذه النعمة تحولت إلى نقمة بفعل فاعل في محافظات الوسط والجنوب، ففي محافظة ذي قار الوضع لم يكن مختلفاً كثيرا عما هو عليه في المحافظات الأخرى وتحديداً في مركز المحافظة فالمدينة اختفى فيها منظر اليابسة وباتت مياه الصرف الصحي مختلطة مع مياه الأمطار حتى الأحياء التي تمت بها مشاريع الصرف الصحي لم تكن أحسن حالاً من غيرها التي لم يعمل بها بعد.
حي أور يعتبر من الأحياء شبه المكتملة للبنية التحتية لكنه لم يسلم من مياه الطفح.
يقول أبو أزهر من أهالي حي أور "هذا حالنا في كل عام وتوقعنا أن تحل هذه المشكلة بعد انجاز مشروع المجاري لكنها بقيت كما هي بسبب فشل الشركة المنفذة وتستر السادة المسؤولين عليها , أبلغناهم أثناء العمل في المشروع أن حجم الأنابيب التي تستخدمها الشركة لا يستطيع حل مشكلة الحي وإذا استمر العمل بها سيفشل المشروع ولم نجد من يسمعنا ومن حقهم ان لا يسمعونا لان العمولات التي يحصلون عليها من المقاولين تجعلهم يتجاهلون أمرنا حتى لو كانت أخطاء المشروع فاضحة والآن هذا حالنا بعد انجاز مشروعهم لكن والله لن نسكت سنجري مظاهرات يومية حتى يستجيبون لنا".
يقول أبو زهراء قضينا الليل أنا وزوجتي وأطفالي ننزح الماء لساعات متأخرة حتى طلب احد جيراني ان نقضي الليلة عندهم لعدم وجود مكان في بيتي الذي غطته مياه الأمطار والمجاري .
وفي الجزء الآخر من المدينة حي الشموخ كانت حالته أسوأ من حي أور بالرغم من هذا الحي كما يقول بعض الأهالي يسكنه الكثير من المسؤولين من أعضاء البرلمان ومجلس محافظة ومدراء الدوائر الا ان حالتهم تكاد تكون الأسوأ في المدينة .

محمد خالد من سكان الحي يصف الحالة:

"مع أدنى زخة مطر تصبح الحركة صعبة جدا في الحي حتى السيارات لا تستطيع المرور وأصحاب سيارات الأجرة يرفضون الدخول إلى الحي حتى لو كانت الأجرة مضاعفة.
وقبل يومين من هطول الامطار خرجنا بمظاهرة وقطعنا فيها الشارع العام وطالبنا بحضور المحافظ أو رئيس المجلس لكي يطعلوا على حالنا وأردنا حلول سريعة لكن كعادتهم وعدونا ولم يتخذ أي إجراء".
ويحمل الحكومة المحلية وكافة الدوائر المعنية مسؤولية تردي الخدمات وليس بعيدا عن الشموخ فمنطقة العمارات كان لها نصيب من المعاناة , وبالأخص سكان الطوابق الأرضية بالرغم من انقضاء يومين على انتهاء الأمطار إلا أن المنطقة لازالت تغمرها المياه.
تشكو الحاجة أم كاظم حالها وحال أهل منطقتها , متذمرة من أعضاء مجلس المحافظة والمحافظ لعدم تفقدهم المنطقة في حين كانوا يترددون كالذباب أيام الانتخابات .
أما منطقة شارع الإخلاص فمعاناته تختلف عن بقية الأحياء كون المنطقة لم تكن بهذا القدر من السوء كما هي اليوم.
يقول مناف ثامر: لأول مرة يحدث هذا في شارع الإخلاص بسبب مشروع المجاري الجاري التنفيذ في المنطقة فبدل من أن يحسن من الواقع الخدمي للمنطقة أصبح سبباً في فيضانها.
هكذا هي معاناة أبناء محافظة ذي قار حلقة من سلسلة معاناة متجددة لأبناء هذا البلد من انعدام الأمن وأزمة الكهرباء التي أشعلت صيفه إلى أزمة مياه الأمطار وطفح المجاري أزمات أفقدت المواطن الثقة بكل المسؤولين وبوعودهم في تحسين الواقع الخدمي والأمني والاقتصادي, مليارات الدولارات صرفت ولم نلمس تحسناً في أي من المجالات بل في انحدار نحو الأسوأ وإذا ما استمر هذا الانحدار لن يطول صمت الشعب بل سيخرج ليقتلع حقه ممن سلبوه.