مدارات

المؤتمر الوطني الخامس للحزب الشيوعي العراقي : مؤتمر الديمقراطية والتجديد في ذكراه العشرين

اعتمد المؤتمر الوطني الخامس صيغة الماركسية كمرشد يهتدي به الحزب, والمقصود بالماركسية (وفي جوهرها المنهج الماركسي, الجدلي التاريخي) افكار ماركس, انجلس, لينين والتطورات التي جرت بعدهم , على يد المفكرين الماركسيين , "الحركة الشيوعية عموماً".

وضع المؤتمر صياغات تهدف الى تصحيح مفهوم المركزية الديمقراطية، وتثبيت ضمانات دستورية تمنع تحول المركزية- الديمقراطية الى مركزية بيرقراطية، تصادر او تضعف الديمقراطية في داخل الحزب.

محمد جاسم اللبان*
التجديد قاموسياً يعني استبدال القديم، المتهالك، عديم النفع، بشيء آخر جديد كلياً أو جزئياً. وإذا سحبنا هذا المفهوم الى ميدان الفكر والسياسة، سيتضح لنا أن التجديد يعني مواكبة روح العصر والإجابة عما تطرحه الحياة من أسئلة ومستجدات، وتعقيدات، بالانفتاح الفكري أولا، ثم استكمال النافع منه سياسياً وتنظيمياً، أي القدرة على استيعاب كل ما هو جديد في الفكر والسياسة والعلوم والتكنولوجيا والثقافة بصورة عامة.
من وجهة النظر الماركسية، فأن الفكر هو انعكاس للواقع، ولكي يبقى الفكر معبراً حقيقياً عن الواقع، لابد أن يعكس حركة هذا الواقع وتطوره. وارتباطاً بهذا الفهم، سيكون التجديد عملية مستمرة، متواصلة، غير منقطعة، وهذا ينطبق على الحزب. فلكي يبقى فعالاً، حيوياً، لابد أن يتطور ويتجدد باستمرار، وإلا اصابه التراجع والتخلف، وربما يطويه النسيان.
ولهذا فإن عملية تجديد ودمقرطة حزبنا الشيوعي، هي عملية ضرورية، وحاجة موضوعية، أصيلة، وبالتالي لا يمكن حصر دوافعها ومبرراتها فقط بما أصاب التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية، كما يتصور البعض!
بمعنى آخر ليست عملية التجديد والديمقراطية استجابة ظرفية لأوضاع طارئة، او مسايرة لصرعة فكرية او سياسية جديدة، أو إصلاح عابر، وإنما هي ضرورة حتمية لبقاء الحزب قوة فكرية- سياسية وتنظيمية بمستوى يبرر وجوده، ودوره المنشود في التعبير عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين وجميع شغيلة اليد والفكر، القريبة والبعيدة المدى، ولتأمين طموحات الشعب في الديمقراطية والسلام والتنمية والتقدم الاجتماعي.
كانت هناك محاولات وطروحات وممارسات، تنتسب الى عملية التجديد والديمقراطية، قبل المؤتمر الخامس، وقبل أحداث البلدان الاشتراكية بسنوات عديدة، غير أنها محدودة، ولم تأخذ طابعاً شاملاً، أي أنها كانت البدايات او الإرهاصات لهذه العملية الكبيرة.
لقد كنا نعاني من أزمة على صعيد حياة الحزب الداخلية والعمل القيادي، وأحداث البلدان الاشتراكية عمقت هذه الأزمة. أي أن منسوب التجديد ارتفع نتيجة الأزمة التي عاشها الفكر الماركسي ونموذج بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان اوربا الشرقية، بما في ذلك الجمود الذي هيمن على البحوث والدراسات وكان مطلوباً من الحزب ان يقدم أجوبة فكرية، وأن يواجه حالة الإحباط والجزع التي سادت شعبنا جراء انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان حليفاً فعلياً للبلدان العربية، فغيابه عن الساحة الدولية انعكس سلباً على أوضاعنا نحن. في تجربتنا الدامية مع الدكتاتورية، خسرنا الكثير جداً، وكان نصيبنا كبيراً من عبء النضال ضد نظام "صدام حسين" في ملفات الأمن التي استولى عليها رفاقنا خلال انتفاضة آذار (1991) وجدنا ان الجزء الأكبر من اهتمام أجهزة الأمن والمخابرات كان مكرساً لمحاربة حزبنا. القمع الضاري الحق بنا اضراراً فادحة، وأنهكت منظماتنا، ولم نستطع تحقيق نجاحات بارزة، فيما كان الناس في حالة من القنوط والترقب وإنتظار انجازات تحيي الأمل من قبل حزبنا وغيره من قوى المعارضة.
بالمقابل كانت هناك مخاوف لدى البعض من عقد المؤتمر: هل يساعد ذلك على خروج الحزب من الأزمة أم يفاقمها؟ (الظرف غير ناضج) يجب ان يسبق المؤتمر انجاز هام.
وكانت النية متجهة الى عقد المؤتمر صيف 1992، لكن التعقيدات والنقاش الطويل حولها أديا الى عرقلة التحضيرات وتأجيل المؤتمر لما يقارب السنة.

أخيرا عقد المؤتمر الخامس (12-25) تشرين الاول 1993.

بعد ان توفرت القناعة بضرورة عقد المؤتمر، وان تأجيل عقده ضار بالحزب. صحيح ان المؤتمر لا يستطيع ان يحل كل الاشكالات، لكنه سيحل الناضج منها وحضره (115) منتدباً من أصل (129) يمثلون 90 بالمائة من قوام المؤتمر. واستمر المؤتمر أسبوعين بمعدل يصل احيانا الى اكثر من (12) ساعة في اليوم. طول الفترة يعكس عدم التحضير الكامل لبعض الامور، لكن الديمقراطية كانت متوفرة، ولم تستثن أية قضية هامة من النقاش، ولم يحرم أي مندوب من إبداء الرأي.

• استكمالا للصورة، تنبغي الاشارة الى الظروف المعقدة والشائكة، التي التأم فيها المؤتمر ومن بينها:

توقف الحرب العراقية- الايرانية في آب 1988/ تواصل حملات الأنفال ضد شعبنا الكردي واستخدام الكيمياوي/ غزو الكويت في 2 آب 1990/ انتفاضة آذار المجيدة عام 1991/ ظهورالأصولية الاسلامية/ إنهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية. أي أن المؤتمر كان ابن ظروفه الصعبة والمعقدة، وقد أخذ على نفسه طائفة من المهمات:
(1) رسم خط سياسي للحزب يعكس الواقع بشكل أفضل.
(2) التمثيل الاعمق والمعرفة الأدق بهموم الجماهير الشعبية المكتوية بنار الدكتاتورية.
(3) كيفية مساهمة الشيوعيين العراقيين مع كل قوى المعارضة العراقية للتعجيل بيوم الخلاص واسقاط الدكتاتورية وإقامة البديل المنشود.
كما تدارس المؤتمر وأقر القضايا التالية:
التقرير السياسي التنظيمي, النظام الداخلي، البرنامج, التقرير المالي, انتخاب اللجنة المركزية الجديدة.
في التقرير السياسي تناول طائفة من القضايا: الموقف من العامل الخارجي (الاعتماد على الجماهير وقواها، على العامل الداخلي) وكيفية الاستفادة من العامل الخارجي؟
تدقيق الموقف من بعض القرارات الدولية (قرار ترسيم الحدود بين العراق والكويت في ظل حكومة غير شرعية ومتسلطة على الشعب).
السياسة التحالفية للحزب: تقييم التجربة السابقة نقدياً وتفعيل (قانون وحدة وصراع الاضداد).
شعارنا المركزي: في سبيل استنهاض شعبنا، ورفع الحصار الاقتصادي عنه، وإسقاط الدكتاتورية، وإقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد، والدفاع عن مصالح الكادحين!
وعند ملاحظة الشعار، نجد ان المتغير الجديد هو تقديم مطلب رفع الحصار الاقتصادي عن شعبنا.
الموقف من الفيدرالية: رأى المؤتمر ان الفيدرالية هي الصيغة الأنسب، وهي الضمان الأفضل لحل المسألة القومية في العراق ولممارسة شعب كردستان حقوقه القومية المشروعة في إطار عراق ديمقراطي فيدرالي موحد. ونجد في الفيدرالية تعزيزاً للوحدة العراقية وتمتيناً لها.
والفيدرالية تجسيد للديمقراطية على الصعيد الاداري ايضا. كما إنها صيغة متطورة للحكم الذاتي ولمفهوم اللامركزية (وعلى هذا الأساس جرى تبني الشعار في حملتنا الانتخابية في كردستان عام 1992، أي قبل إقرار القوى الكردستانية للفيدرالية ولاحقا (بعد طرح مسألة الأقاليم وتشكيل اقليم كردستان) طور الحزب موقفه ورأى ان تشكيل الأقاليم مسألة يقررها الشعب في المحافظات، عندما تتوفر الحاجة والمستلزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبطريقة ديمقراطية، ووفقاً للدستور.
أما صناعة الأقاليم على أسس طائفية أو مذهبية فالحزب ضدها جملة وتفصيلا.
قيم المؤتمر حركة الكفاح المسلح، وأكد ان هذا الشكل النضالي (الكفاح المسلح) كان ضروريا لمواجهة القوة الغاشمة للدكتاتورية، التي لم تترك أي فرصة لخوض النضال السلمي باي شكل من الأشكال حتى البسيطة منها. وقد مجدّ المؤتمر حركة الأنصار وتراثها.

النظام الداخلي:

تحديد الهوية الفكرية للحزب: طرحت خيارات عديدة على الصعيد الفكري، وقد اعتمد المؤتمر الخامس صيغة الماركسية كمرشد يهتدي به الحزب، والمقصود بالماركسية (وفي جوهرها المنهج المادي الجدلي التاريخي) أفكار ماركس، أنجلس، لينين والتطورات التي جرت بعدهم، على يد المفكرين الماركسيين والحركة الشيوعية عموماً.
تحديد الهوية الطبقية للحزب: اعتمادا على تحديد الهوية الفكرية للحزب، جرى تحديد الهوية الطبقية للحزب في نظامه الداخلي (حزب الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين وجميع شغيلة اليد والفكر).
سابقا حزب الطبقة العاملة وحلفائها من الفلاحين وسائر شغيلة اليد والفكر.
وضع المؤتمر صياغات تهدف الى تصحيح مفهوم المركزية الديمقراطية، وتثبيت ضمانات دستورية تمنع تحول المركزية- الديمقراطية الى مركزية بيرقراطية، تصادر او تضعف الديمقراطية في داخل الحزب، وهذه الضمانات هي:
أ- اعتماد مبدأ الانتخابات على مختلف الصعد، وهذه كانت ممارسة جديدة من حيث المدى والشمولية.
ب- التخلي عن طرح قوائم حزبية للمرشحين في كل الانتخابات، بضمنها انتخابات اللجنة المركزية.
ج- إعتماد التصويت السري والفوز العلني للأصوات.
د- الاستفتاءات الحزبية الداخلية في المنعطفات التي تتطلب قراراً من القيادة (موعم) , مجلس الحكم, الدخول والخروج من القائمة العراقية).
هـ - قلص المؤتمر صلاحيات الهيئة القيادية، فتحول السكرتير العام، الى سكرتير اللجنة المركزية، لا يعلو عليها ولا يتحكم بها.
و- قلص المؤتمر صلاحيات المكتب السياسي لصالح اللجنة المركزية لتكون القائد الفعلي، ولهذا الغرض زيد عدد اجتماعاتها ولقاءاتها.
ز- أعطيت مختلف المنظمات الحزبية صلاحيات اوسع من السابق.
ح- ألغى المؤتمر الحلقات الوسطية في البنية التنظيمية من أجل تعزيز دور القاعدة الحزبية وتقريب صلتها بالقيادة (المنطقة/ مرشح محلية/ وللمركزية أيضا).
ط أخذت الكونفرنسات والاجتماعات الموسعة دورا أكبر في حياة الحزب، مما يساعد في الوقت نفسه على إشاعة العلنية، ويقلص حصر القرارات بالهيآت القيادية.
ي قلص النظام الداخلي الفترة بين المؤتمرات (4سنوات).
ك جعل عقد الكونفيرنسات إلزامياً واصبح من حق الأقلية الدعوة الى آرائها في صحافة الحزب.
ل طرح كل الوثائق الحزبية المركزية مقدما على الرأي العام الحزبي، والأصدقاء، لتقييمها وإبداء الملاحظات بشأنها، قبل إقرارها.
م تقدم الهيآت الحزبية المختلفة تقاريرها وبشكل متبادل الى (ل . م)، والتي هي بدورها تعرض كل نشاطاتها ونتائج اجتماعاتها الى اعضاء وعضوات الحزب كافة في رسائل تفصيلية.
البرنامج: اراد المؤتمر ان يكون البرنامج متواضعاً في الصياغات واقعياً في تناول الملموسات، وتناول ما هو ناضج في المرحلة المعنية، ولذلك ركز المؤتمر الخامس في الوثيقة البرنامجية على القراءة الواقعية، والمعرفة التفصيلية الأعمق بالواقع العراقي وبالتراث الثوري لشعبنا، وسعى الى بلورة صياغات تساهم في تغيير ما هو موجود، وتحقيق تطور في كل الميادين يخلصه من التخلف والعلاقات البالية، ويسير به الى مراحل أكثر تقدماً لتحقيق الأهداف النهائية.
شخص المؤتمر هذه المرحلة بكونها المرحلة الوطنية الديمقراطية ووصف محتواها، وهي بالتأكيد ليست مرحلة الاشتراكية لكنها تبني المقدمات الاقتصادية الاجتماعية التي تسهل الانتقال الى الاشتراكية.
- تأمين متطلبات صياغة خطاب جديد للحزب، رغم أنها ليست عملية سهلة.
لم ترد في البرنامج أية إشارة لقوانين الانتقال الى الاشتراكية.
اختفى مفهوم دكتاتورية البروليتاريا، فهي ظهرت كمقولة فلسفية صحيحة وسياسية ملموسة مع ثورة أكتوبر (1917) في ظل التوازنات التي كانت سائدة في النصف الاول من القرن العشرين ولم تعد مناسبة وضرورية بعدما حصل من تغيير وتطور في العالم المعاصر.
تأكيد الخصوصية وتوسيع المرجعية التاريخية حتى أعماق التاريخ "حضارة شعوب وادي الرافدين والحضارة الإنسانية".

وعلى الصعيد الاقتصادي تضمن البرنامج:

طرحت نظرة جديدة لدور رأس المال في عملية التنمية من خلال التأكيد على:
الاستفادة من توسيع القطاع الخاص المحلي، وتدعيم نشاطاته المنتجة والخدمية، وتبني فكرة التعددية الاقتصادية.
القبول بتدويل العملية الانتاجية من خلال القبول بدور محدد لرأس المال العربي، والأجنبي المنتج في عملية التنمية اللاحقة.
رؤية جديدة لدور المؤسسة العسكرية.
في موضوع الأشتراكية كهدف بعيد المدى، لم يبق الحزب أسير الحتمية التاريخية في تحقيق الأشتراكية بشكل اوتماتيكي، او بفعل عامل خارجي. وبالمقابل تخلصنا أيضاً من الفهم التبسيطي والساذج لمقولة التطور اللارأسمالي. وللوصول الى هذا الهدف الحلم لابد من مراحل، والحزب الشيوعي العراقي مطلوب منه ان يساهم في كل مرحلة من هذه المراحل، في تقدم المسيرة.
في تغير أسم الحزب: طرحت في المؤتمر من قبل عدد من الرفاق، ووردت بهذا الشأن ملاحظات من كثير من الاصدقاء. لكن النتيجة كانت ان آراء اكثر من 95 بالمائة من الحاضرين استقرت على ان بقاء الأسم هو الأفضل في ظروف العراق الملموسة، فقد ارتبطت به تضحيات وبطولات وأمجاد كبيرة، وان الحزب واصدقاءه والمقربين منه لم يقتنعوا بضرورة هذا التغيير ولا بمبرراته، علماً ان الاسم لا يتعارض مع الجديد الذي يحصل داخل الحزب. كما طرح في المؤتمرات اللاحقة ولم يحظ بالموافقة أيضا. وما زال الباب مفتوحاً لمناقشة هذا الموضوع او غيره من المواضيع، فلم تعد هناك ايقونات او مقدسات لا يجوزالمساس بها، فكل شيء خاضع للنقاش، وحصيلة النقاشات المعمقة هي التي تبلور البدائل المطلوبة والسليمة.
التقرير المالي: لأول مرة يقدم تقرير مالي علني للتدارس والاقرار من قبل المندوبين.
انتخابات اللجنة المركزية الجديدة: لأول مرة تنتخب ل/م وفقا للمنطلقات التالية:
بدون تقديم قوائم مسبقة.
اعتماد الترشيحات الفردية، والتقييم العلني للمرشحين.
تجري الانتخابات بشكل سري، والفرز العلني.

بعد رحيل الدكتاتورية

خلال الحرب العراقية الايرانية رفعنا شعار (لا للحرب... لا للدكتاتورية).
وكنا نفضل خيارا وطنياً عراقيا لأسقاط الدكتاتورية عبر وحدة القوى الوطنية المناهضة للدكتاتورية في تحالف واسع، ووفق برنامج واضح يعبئ الشعب، ويحظى بدعم وإسناد دولي مشروع ضمن اطر الشرعية الدولية ومؤسساتها. ولم نشترك في مؤتمرات المعارضة.
وكنا نحذر من إن اسقاط النظام، عن طريق الحرب، سيجلب الكثير من التعقيدات والصعوبات لشعبنا، بما فيها الأحتلال، والفوضى ولا يحقق الديمقراطية، وهذا ما حصل مع الأسف الشديد.
وبعد ان وقع المحذور، واحتل العراق، وجب علينا ان نضع المعادلة الصحيحة والدقيقة والمتوازنة بين نضالنا من أجل حرية الشعب، واستعادة سيادته واستكمال استقلاله، وبين ضرورة ان نؤسس لعدم تكرار دكتاتورية جديدة وإستبداد جديد.
اخترنا المساهمة في العملية السياسية (ومن ثم الدخول في مجلس الحكم) باعتبارها الطريق الأوفر والأكثر واقعية لخلاص شعبنا. ورفضنا خلط الأوراق التي كانت تريد تفسير المقاومة بالمقاومة السلحة فقط (والجميع يعرف من هي المقاومة المسلحة). كما اكدنا بأن المقاومة الحقيقية هي المقاومة السياسية السلمية في ظل تناسب القوى الذي ساد بعد الاحتلال.
ولم نكف عن العمل بروح نقدية، بدعم كل ماهو ايجابي وسليم وصحيح في سياسات الحكومات المتعاقبة بعد (2003)، وإدانة وانتقاد كل ما هو سلبي ومعرقل في تسلكاتها وسياساتها، ولم نفقد إطلاقاً الوضوح ولا التمسك بالمبادئ والقيم الأصيلة للماركسية في نقل الواقع ومواصلة النضال من أجل تغييره وتطويره نحو الأفضل.
في المؤتمر الثامن 2007 أقرت الورقة الاقتصادية، وهي بعنوان (توجهاتنا في السياسة الاقتصادية) وكانت قد نوقشت في الكونفرنس السادس للحزب في (2004) وخلاصة ما توصلت إليه: ان التوازنات السياسية الداخلية والدولية الدافعة بقوة لصالح التطور الرأسمالي بصورته الليبرالية الجديدة الأكثر غلواً هي التي تجعل التطور الرأسمالي لبلادنا هو النهج الأرجح على مدى طويل.
ينصب نضالنا في هذه المرحلة على تجنيب شعبنا مصائب رأسمالية وحشية.
لكن الخيار الاشتراكي يظل هدفنا الاستراتيجي الذي يتطلب إنضاج شروط تحقيقه وهي عملية نضالية طويلة الأمد.
كما أنجز المؤتمر الثامن وأقر الوثيقة الفكرية التي طرحت للنقاش قبل أكثر من عشر سنوات على الرأي العام الواسع والشعبي لتعميق دراستها والابقاء على جذوة التفكير الجاد والمسؤول متقدة ومتواصلة دون توقف، ولازالت هذه الوثيقة الهامة مدار بحث، ما دامت الحياة مستمرة وما دام الحزب يعمل من أجل الشعب عموما والكادحين وشغيلة اليد والفكر بوجه الخصوص.

وتوصلت الى جملة من الخلاصات من بينها:

أ- ليس هناك نموذج للأشتراكية يمكن اعتباره وصفة جاهزة.
ب- العودة الى الماركسية عند البحث الملموس في مشاكل الواقع الملموس- والتخلي عن اشكال العمل التي تجاوزها الزمن.
جـ- تأكيد الوحدة الجدلية بين الأشتراكية والديمقراطية، فقد بين لينين (ان من يريد السير الى الاشتراكية بطريق آخر خارج الديمقراطية السياسية، يصل حتما الى استنتاجات خرقاء ورجعية، سواء بمعناها الاقتصادي ام بمعناها السياسي). وبينت التجربة ان الاشتراكية مستحيلة من دون اوسع قدر من الديمقراطية، ومن حيوية الفكر والتمسك بالروح النقدية، ونبذ العفوية والموسمية في العمل.
د- المراجعة النقدية للمقولات والمفاهيم النظرية ذات الصلة، وتحديد الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الانهيار، اعتمادا على المنهج المادي الجدلي، فمن خلال هذا المنهج تؤدي عملية تفحص المقولات النظرية الماركسية، الغاية المطلوبة منها، وهي تحديد ملامح الخيار الاشتراكي.
وبالمقابل، بقدر ما كان الانهيار قاسيا على قوى التقدم، فأنه افضى في الفترة اللاحقة الى مجموعة هامة من الحقائق والدروس، اهمها (ان الرأسمالية ليست الأفق النهائي للبشرية) كذلك فأن سقوط مشروع بناء الاشتراكية في بعض البلدان لا يعني سقوط الفكرة ذاتها. فطالما ان الشيوعية هي إلغاء استغلال الانسان لأخيه الانسان وتحقيق العدل الاجتماعي والمساواة والحرية، سيظل توق البشرية لنيل هذه المطالب قائما الى ان يتحقق على ارض الواقع!
وانطلاقا من ان عملية الديمقراطية والتجديد في الحزب الشيوعي العراقي، عملية مستمرة، متواصلة دون توقف، اتخذت اجراءات تنظيمية سياسية واستحدثت هيآت حزبية تصب في هذا الاتجاه:
تشكيل المجلس الاستشاري، بغية توسيع دائرة صنع القرار الحزبي.
تشكيل لجنة الرقابة المركزية بقرار من المؤتمر الوطني التاسع، وهي هيئة قائمة بذاتها ترتبط بالمؤتمر الوطني للحزب، وتسهر على تطبيق النظام الداخلي وتنفيذه بصورة صحيحة في مختلف الهيآت الحزبية.
التجديد الدوري للهيآت الحزبية بمن فيها (م. س).
تحديد كوتا جيدة للشباب والنساء في مختلف الهيآت الحزبية، بمن فيها اللجنة المركزية.
تعزيز الجماعية في العمل، وتفعيل العقل الجماعي للحزب، في المناقشات وفي اتخاذ القرارات.
تعميم المتابعات السياسية التي تصدر عن اجتماعات "مسلم" المكتب واللجنة المركزية الى التنظيمات الحزبية.
ستظل عملية التجديد والديمقراطية، مستمرة، حيوية دون ان تتوقف ابدا، والضامن لذلك ان الحزب الشيوعي العراقي لا يعتمد القرارات الفردية، او التصرفات المزاجية، وانما هو حزب مؤسسات تؤخذ قراراته الأساسية بتفاعل العقل الجماعي.
ــــــــــــــــــــــــــــ
*
عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي. وقد القى المحاضرة بالعنوان اعلاه في الندوة التي عقدت يوم السبت 23 تشرين الثاني, على قاعة بيتنا الثقافي في بغداد بمناسبة الذكرى العشرين للمؤتمر. وقد قدم للندوة الرفيق الدكتور حسان عاكف عضو المكتب السياسي للحزب.